05-06-2024 08:21 AM
بقلم : مكرم أحمد الطراونة
العدوان الهمجي على قطاع غزة، وتداعياته العديدة التي أفرزت إبادة جماعية على مستويات عدة، من ضمنها التجويع، يعيد إلى الأذهان تخاذل المجتمع الدولي الذي اختبرناه منذ العام 2011 حتى اليوم.
حين اندلعت الأزمة في سورية في العام 2011، لجأ مئات الآلاف من الأشقاء السوريين إلى المملكة كملاذ آمن، ليعلن العالم حينها أنه لن يترك الأردن وحيدا في تحمل أعباء هذا اللجوء الكبير. كان مجرد إعلان حاول استخدام كلمات أنيقة ومنمقة فحسب، أما الواقع فقد كان سوداويا تماما، إذ ترك الأردن وحيدا في مواجهة أعباء اللجوء وتراكماتها التي امتدت حتى اليوم على مدار 13 عاما، من غير أن يلتفت المجتمع الدولي الأعمى إلى المملكة التي تئن تحت وطأة احتضان %13 من اللاجئين في العالم، والذين ينتمون لـ57 دولة، ويشكلون 33 % من حجم السكان.
الأردن، بحسب تقارير دولية ورسمية، يستضيف ثاني أعلى حصة من اللاجئين عالميا، رغم التحديات الاقتصادية الصعبة التي يمر بها، فيما تقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن المجتمع الدولي يتخلى عن دوره على نحو متزايد في هذا المسعى، ما يضطر الأردن إلى تحمل عبء كبير، حتى أن انخفاض التمويل الدولي الموجه لدعم خطة الاستجابة الأردنية لأزمة اللاجئين، أجبر الأردن على استخدام ميزانيته العامة لسد الفجوة، ما أدى لتفاقم التحديات المالية في البلاد، وعرقل تنفيذ الخطط الوطنية في مجالات التعليم والصحة والعمل، وفرض ضغوطا إضافية على موارده المستنفدة بالفعل.
استجابة المجتمع الدولي للخطط الوطنية لتمكين الأردن من توفير متطلبات اللاجئين، بقيت في مستوى أقل من المطلوب؛ إذ تلقت خطة الاستجابة لعام 2023 ما نسبته 24.2 % فقط من متطلباتها التمويلية، في الوقت الذي تمسك فيه الأردن بالتزامه الإنساني، والوضع في السنوات منذ العام 2015 حتى 2022 ليس بأحسن حالا.
الأردن ما يزال متمسكا بموقفه من اللجوء من بعد إنساني، وهو الأمر ذاته الذي يمارسه اليوم مع الأشقاء في قطاع غزة، فهو يبذل جهودا سياسية ودبلوماسية لوقف العدوان على القطاع، وتقديم المساعدات من أجل التخفيف من المجاعة التي يشهدها سكان غزة، في خطوة استباقية نالت احترام الجميع، محليا ودوليا.
لكن موقف المجتمع الدولي يتكرر اليوم بترك المملكة وحيدة بتقديم المساعدات، باستثناء حالات تشارك بها دول أخرى على استحياء، وفق مفهوم "الفزعة"، ولا تضمن الاستدامة.
العالم يدرك جيدا أن الأردن استنفد قدراته في إدامة تقديم هذه المساعدات، ومع ذلك يقف مكتوف الأيدي تجاه هذه الدولة التي تبذل ما في وسعها لدفع المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته، فالأردن لن يقوى على البقاء صامدا وحيدا في الوقت الذي تستنزف فيه مقدراته وإمكانياته المحدودة، فالمساعدات التي يقدمها بشكل يومي تحتاج إلى رفدها باستمرار من دول شقيقة وصديقة، تعلم أن إدارة ظهرها للمملكة سيدفع ثمنه الأشقاء في غزة، كما أنه من المؤكد أن يأتي يوم تفرغ فيه مخازن الدولة، ولن تعود قادرة على ضمان إدامة تدفق المساعدات للقطاع.
المسألة تتعدى قيام دولة ما بإرسال طائرة لإنزال مساعدات بالتشارك مع الأردن، والظهور بمظهر المنقذ للشعب الفلسطيني، والاستعراض عبر شاشات التلفاز، فالمطلوب هو تزويد المملكة بكل ما تحتاجه لإرساله للقطاع، فالأردن لا يمكنه ضمان مقدرته على الاستمرار بإدامة تلك المساعدات بشكل يومي، لتخفيف معاناة الغزيين.
إن ما حدث بتجربة اللجوء السوري، أمر من الاستحالة إعادته مع المساعدات الإنسانية، وكلنا أمل أن يعي العالم ذلك جيدا حتى لا يكون له دور في زيادة معاناة شعب يتعرض لإبادة جماعية على يد قوات الاحتلال الصهيوني. لذلك، يستضيف الأردن مؤتمرا دوليا طارئا بمشاركة مصر والأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية في غزة، لعل البعض يتحمل مسؤوليته بدلا من المراهنة على قدرتنا على الصمود إلى ما لا نهاية!
الغد