11-06-2024 01:14 PM
بقلم : السفير قيس شقير
نستحضر ونحن نحتفي اليوم بخمسٍ وعشرين سنةٍ عشناها مع قائد المسيرة جلالة الملك المفدى عبد الله ابن الحسين المعظّم - حفظه الله - حكاية وطنٍ ما كان بناؤه ليتمّ الّا بتعاضدٍ ما بيننا؛ قيادةً وشعبًا للتصدي لما واجه وطننا منذ نشأته لا من تحدياتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ فحسب، بل ومن إنكار الحق في الوجود. فكان لكل بيتٍ أردنيٍ بعضًا مما يرويه من حكاية وطنٍ أحيينا مرتين اليوبيل الفضي لجلوس الباني المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال، وقائد مسيرتنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين. ويروي لنا أبوان كيف أهديا شابٌا يافعٌا إلى جيشهم العربي الأردني جنديًا في كتائبٍ حاربت في اللطرون، وباب الواد، وعلى أسوار القدس ذودًا عن المسجد الأقصى عام 1948. ويخرج من بيت أردنيٍ آخر ضابطٌ يخوض رحى معركةٍ في ظروفٍ عسكريةٍ وسياسيةٍ في حزيران من عام 1967, عرف بعدها أنها فرضت على بلده ليخسر أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فيثأر بعدها لكرامة من ربّاه جنديًا، ولأهله ووطنه، فُتلقي مدفعيته السادسة حممها على جيش موشيه دايان الذي سوّلت له نفسه وهم تناول الغداء في عمّان، فإذا به يستجدي وقف إطلاق النار، ليعود أدراجه مهزومًا، فيمهّد نصر الكرامة في آذار من عام 1968 الطريق لحرب استنزافٍ قادت إلى النصر عام 1973.
ويروي لنا بيتٌ أردني آخر كيف أقسم ربّه على نفسه فحرمها من كثيرٍ مما تطلب حتى يُكمل بكره الشاب تعليمه معلمًا، وآخر طبيبًا، فمهندسًا يبني وطنًا عماده العلم بعد محاسن الخلق التي جُبلت عليها شخصية الأردني نشميًا شهمًا، عُرف بها حيث وطأت أقدامه ثرى دولٍ شقيقةٍ ليسهم في عمرانها، وليجول دولًا أخرى تُخرّج جامعاتها العريقة قادةً ونخبًا تعود إلى وطنها تبني نهضةً نعيشها اليوم، حقّ علينا أن نروي قصتها لجيلٍ لا يعرف الكثير عن تضحيات الروّاد. ولعل هذا أجمل ما نستحضره ونحن نحيي اليوبيل الفضي الثاني؛ فننقل لجيل الشباب الذي وعى الأردن بلدًا يمتلك من ناصية التقدم ما لا ينقصه عمرانًا حديثًا يُضاهي ما عند أكثر الدول تقدمًا، وتعليمًا تزهو مؤسساته -مدارس وجامعاتٍ- بمن تخرّج من شبابٍ واعدٍ، ومن قادة فكرٍ ومعرفةٍ، فنروي عنهم كيف لإرادةٍ أن تحفر في الصخر، وتقاوم ما سعت إليه قوىً لوأد عزائمنا في مهدها، وطويها بما خططت له من استعمارٍ هنا، ونفوذٍ هناك، فلا تقوم لكيان الثورة العربية الكبرى قائمةٌ. ويأبى الأردن الخضوع للمخططات تلك، ويرفع راية التحرير موحّدًا لسوريا الكبرى، ويلتئم شمل أبناء الأردن وأحرار العرب، وتأبى سياسة المستعمر إلا أن تُقوّض طموحات دعاة الوحدة العربية، ما يجعل الحفاظ على كيان الأردن الناشئ حينها واجبًا أتمّه المغفور له -بإذن الله- الملك عبد الله الأول ابن الحسين، وأكمل من بعده المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال المسيرة، ليتعهدها صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، فنمضي معه وبه، تعزيزًا لاستقلال الوطن،وحفظًا لحماه.
وما كان بناء الأردنّ ليتمّ ويتعزّز استقلاله، إلا بقيادةٍ رشيدةٍ وعت منذ أن أطلق بلفور وعده المشؤوم، ما يحاك لأمتنا ويُدبّر لوطننا الكبير من تجزئةٍ وهيمنةٍ، فكان لزامًا على الأردنّ قيادةً وشعبًا أن يجتاز حقول ألغام، لا حقلًا وحسب، فتتكامل الأدوار بنهجٍ سياسيٍ وسطيٍ يفتح للأردن خطوط تواصلٍ مستدامةٍ تُعزز حضوره السياسي إقليميًا ودوليًا، وإرثٍ تاريخيٍ يقوده سليل العترة النبوية، وحسٍ سياسيٍ أدرك من خلاله الأردني أن وطنه مستهدفٌ، وأن لا سبيل للخروج من دائرة الاستهداف إلا بالالتفاف حول العرش والذود به، وعنه، وفي ذلك قصصٌ تُروى، ودروسٌ وعبرٌ، تستوجب من جيل اليوم قراءتها، والتعرف من قربٍ على رجالات الاستقلال وروّاد بناء الوطن.
وفي ذلك لا ريب، ما يحفّزنا على الانتباه لما يجري حولنا اليوم، فنحن نتوسط وطنًا أكبر، لم يلتئم فيه بعد، جرح فلسطين، بل زاد نزيفه في غزة، وأُريق الدّمُ حتّى أوجع من في أقصى الأرض، فتتشابك الأيادي في العالم تضامنًا مع فلسطين وقضيتها، في صحوة ضميرٍ أدرك حجم المأساة والظلم الذي لحق بشعبها، فيما نحن على العهد، قابضون على جمر دعم إخوتنا ونصرتهم، وجمر الذود عن حمى الأردنّ في وجه من يُضمر العبث بأمنه واستقراره، استمرارًا لنهج الاستهداف ذاته، وإن تغيرت الأدوات.
هذا غيضٌ من فيضٍ نستحضره اليوم في اليوبيل الفضي للجلوس الملكي على العرش، وما يزال كثيرٌ منا يردّد نشيد اليويبل الأول: " معه وبه إنّا ماضون، فلتشهد يا شجر الزيتون..." فنبقى على العهد، والوعد ببناء الوطن الأجمل...
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-06-2024 01:14 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |