11-06-2024 10:35 PM
سرايا - ألقى رئيس الوزراء الأسبق، نائب رئيس مجلس الأعيان، رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية المنتهية أعمالها سمير الرفاعي محاضرة بعنوان (الأوضاع الراهنة محليا وإقليميا) في جامعة الحسين التقنية بدعوة من جمعية الخريجين الأردنيين لمنح تشيفننغ البريطانية، أدارها الوزير الأسبق فارس بريزات.
وفي المحاضرة التي تلاها حوار مع الحضور قال الرفاعي:
* أشكر جمعية خريجي تشيفننغ الأردنيين، وخريجي آيزنهور وفلبرايت، وأشكر أيضا جامعة الحسين التقنية، ليس لاستضافتنا فحسب بل لما تبذله من جهود للنهوض بالمسيرة التعليمية الوطنية، ودورها الريادي في تشبيك طلابها وخريجيها مع سوق العمل، وهو أمر نتمنى تعميمه بين مختلف المؤسسات الأكاديمية.
* وشكرا للحضور الكريم الذين يمثلون نخبة ممن أثبتوا جدارتهم علميا وعمليا بالحصول على هذه المنحة التي تفتح الكثير من الأبواب لشباب وشابات وطننا.
* بداية لا بد أن أهنئكم جميعا ونحن في خضم ثلة من الاحتفالات الوطنية بين عيد الاستقلال، واليوبيل الفضي لتسلم جلالة الملك سلطاته الدستورية وجلوسه على العرش وصولا إلى يوم الجيش وذكرى ثورة العرب ونهضتهم الكبرى التي قام على مبادئها وطننا الحبيب.
* وكلها مناسبات متصلة متكاملة، فحول راية الثورة العربية الكبرى التف رجالات الأردن، فأسسوا تحت لواء الهاشميين هذه الدولة وأخلصوالعرشها القائم على أسس من العدل والمبادئ السامية، وهم ذات الرجال الذين أسسوا الجيش العربي ليحمل مبادئ الثورة ويحمي منجزات الوطن ويكون جدارا منيعا حول الشعب والعرش.
* هذا العرش بما يقوم عليه من مبادئ وما يمثله من حماية للشعب والوطن،هو أثقل أمانة يمكن أن يحملها إنسان، وبحمد الله فقد أكرمنا الله بأحفاد خير خلقه، ومن حملوا الأمانات وأدوها منذ ما قبل عهد النبوة حتى يومنا هذا.
* ولعل خير شاهد على أدائهم الأمانات بحقها، أننا ندخل المئوية الثانية من عمر هذه الدولة التي أسسها الملك عبدالله الأول طيب الله ثراه، وتنعم اليوم في عهد الملك عبدالله الثاني أطال الله في عمره.
* ورغم شح الموارد وصعوبة الظروف المحيطة، بنى الأردنيون مؤسسات قوية كانت وما زالت عماد ما نتمتع به من استقرار داخلي، وديمومة للخدمات العامة، وثبات لمؤسسات وأجهزة الدولة، وأعمدتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
* وقد تمكنا من إدامة ذلك على مدى أكثر من مئة عام، وبجهودكم وبالسعي نحو النماء والتنمية المستدامة سنبني على ما تم إنجازه لمئة عام أخرى.
* مئة عام من عمر الأردن، مر ربعها تحت قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني،في ظروف إقليمية وعالمية أقل ما يقال عنها أنها غير مستقرة، وفي أحيان كثيرة كانت صعبة ومعقدة.
* ولعل هذا هو قدرنا، فالناظر في تاريخ الأردن منذ نشأته، يدرك بسهولة أنه ولد في عين العاصفة، ولم يعرف الهدوء إلا لحظات قليلة مقارنة بسنوات عمره.
* وما يزيد ثقل هذه الظروف، أن وطننا بالكاد يمتلك أي موارد طبيعية، ولا رهان له إلا على أبنائه وبناته من أمثالكم، ولأنه دائما مرتبط ارتباطا وثيقا بمحيطه الإقليمي والعالمي فهو عرضة للآثار الجانبية لأي وكل أزمة، فمن حرب إلى حرب ومن تهجير الى هجرة، لكن تظل أبوابه مفتوحة لكل محتاج.
* وأحدث هذه الأزمات هي الحرب الغاشمة على أهلنا في غزة وفلسطين المحتلة، والتي عدا عن آثارها النفسية المؤلمة على كل منا، وتبعاتها السياسية التي ندفع ثمنها نتيجة لالتزام الأردن بعروبته وصموده على مواقفه، أثرت أكبر تأثير على اقتصادنا بصورة كبيرة، ومع ذلك بقينا على موقفنا وفيما نحن نجلس هنا الآن يعقد جلالة الملك مؤتمرا دوليا من أجل غزة على بعد كيلومترات قليلة منا.
* وهنا نعيد التأكيد إن الأردن ماض بسياسته الواضحة تجاه فلسطين وهي دعم الحل العادل والشامل وصولا إلى دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية، والأهم الحفاظ على الأردن، وتقوية جبهته الداخلية، وتحسين الوضع الاقتصادي، وفتح فرص للشباب الأردني، وبما يخفف من وطأة الآثار المباشرة وغير المباشرة لهذه المأساة دون إفراط أو تفريط.
* فمن الآثار المباشرة للحرب على غزة تراجُع أرقام السياحة بشكل كبير قل أن نشهد مثله، وأيضا على النمو، وعلى ميناء الشاحنات، وعلى الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ومن آثارها غير المباشرة عزوف الناس عن كثير من الأنشطة الحياتية التي تشكل جزءا هاما من الدورة الاقتصادية نتيجة لشعورهم بالألم والذنب تجاه ما يرونه من مجازر.
* لكن، وكما أشار سمو ولي العهد في مقابلته الأخيرة، فإن علينا أن نتعامل مع هذه الأزمة بحكمة، ونحفظ التوازن في جميع النواحي، لأن فلسطين تحتاج إلى أردن قوي منيع.
* من هنا جاءت الرؤية الملكية السامية بضرورة الالتزام بخط التنمية الشاملة المستدامة، فوضع جلالته مبادئ الإصلاح والتطوير الشمولي السياسي والاقتصادي والإداري، الذي أصبح اليوم في عهدة المجتمع المدني والقوى السياسية، والحكومة وأجهزة الدولة، وتقع مسؤولية الالتزام به والرقابة على إنجازه على كاهل كل منا.
o فسياسيا لن تكون التجربة ناجحة دون مواطن واعٍ... واعٍ لو اختار أن يكون فاعلا حزبيا وجزءا نشطا من العملية السياسية، فيختار حزبه على أساس البرامج لا الأشخاص، ويخوض العمل السياسي سعيا وراء الخدمة العامة لا للمواقع والمناصب. وأحزاب تركز في بداية المرحلة على وضع برامج واضحة وقابلة للتطبيق والقياس قبل النظر للمواقع والمناصب خارج البرلمان.
o ومواطن وواعٍ كناخب يختار على أساس البرنامج الأصلح، ويراقب أداء من اختارهم بعين الناقد الذي يقدم المصلحة العامة على أي حسابات فئوية أو جهوية.
o وأدعو القوى السياسية إلى عدم استغلال أحداث خارجية في المعادلة الداخلية وجعل هذه الأحداث بديلا عن برامج عمل سياسيةاقتصادية إدارية، فنعود الى تغليب الشعارات على البرامج الحقيقية.
o أعلم أن جزءا من السياسة قد يجعل اللاعب السياسي يلجأ للعاطفة لإقناع الناس، لكن هذا سيكون قصير الأمد، وعلى الناخب تغليب العقل والاعتماد على البرنامج الذي يراه مقنعا ويدرسه بعناية. وللتوضيح، فعلى سبيل المثال أن ينظر الناخب في: كيف ينوي هذا الحزب توسعة الطبقة الوسطى؟ كيف ينظر للمشاريع الكبرى؟ كيف ينظر لنظام الخدمة المدنية؟ كيف ينظر لعودة خدمة العلم؟ كيف ينظر لامتحان التوجيهي؟ ما هي الأفكار لتوظيف أبنائنا.. وهذه أمثلة قليلة.. فالبرنامج يجب أن يشمل كل محور من محاور حياتنا.
o هذا سيصل بنا إلى المطلوب فعليا، وهو الوصول المتدرج إلى برلمان حزبي برامجي يقود بتدرج إلى حكومة حزبية برامجية، لذا وضعت اللجنة الملكية قاعدة 30% 50% 65%. في الانتخابات الثلاثة المقبلة كمقاعد محجوزة للأحزاب.
o والقفز عن هذه القاعدة هو قفز في الهواء، والاستعجال في تشكيل حكومة حزبية بعد الانتخابات القادمة سيجهض جوهر التحديث السياسي، والعودة إلى أحزاب الأشخاص أيضا سيجهضها، وبالتأكيد قيام أي حزب في المرحلة الحالية بطرح قياداته لمواقع وزارية او لرئاسة الحكومة هو استعجال غير محمود.
o لكن أتوقع وأتمنى أن تكون الأحزاب الناجحة في الانتخابات القادمة جزءا من مشاورات تشكيل أي حكومة وربما جزءا منها.
o أما اقتصاديا فيجب أن نعترف جميعا بالاختلالات العديدة في السوق المحلي، وعجلة الاقتصاد الوطني، والتي يتحمل المواطن جزءا منها، بالإصرار على الاستمرار بالتوجه نحو التعليم الأكاديمي على حساب التعليم المهني والتقني، الذي يشكل أساس الطبقة الوسطى ومحرك الاقتصاد.
o وتتحمل الحكومات المتعاقبة مسؤولية الكثير من هذه الاختلالات، وتتحمل الشعبويات الآنية الكثير منها أيضا، وكذلك البيروقراطية المزعجة وعدم النظر لشراكة حقيقية بين القطاع العام والقطاع الخاص.
* وهنا يجب أن نتعلم درسا ضروريا من العالم والإقليم بأن الصمود أمام عواصف اقتصادية كبرى يحتاج وجود صناعات وطنية إنتاجية حقيقية، وكيف يتوجه اليوم جيراننا في الخليج العربي نحو الاقتصاد الإنتاجي رغم ما يتمتعون به من ثروات طبيعية.
* هذا لإدراك الدولة والمواطنين هناك أن قدر منطقتنا مع عدم الاستقرار السياسي يحتاج إلى مجابهته بالاستقرار الاقتصادي. وعدم تغيير المسار عن الأهداف الاستراتيجية، فعندما يحصل ذلك تصبح الاستراتيجية تكتيك ويصبح التكتيك بعدها تسليك.
* ولا يجوز أن يظل اقتصادنا يعتمد على الآخر قبل الاعتماد على الذات، فالأكيد هو الذات وليس غيرها.
* إن التغيير هو الثابت الوحيد في عالمنا، وقد تقع الأزمات وتشتعل الحروب في أي بقعة من العالم في أي لحظة، جاعلة كل طرف في هذه الأزمة أو تلك يتخلى عن أي مسؤولية تجاه الأصدقاء والحلفاء مقابل مصالحه الوطنية.
* وقد رأينا هزات عديدة في أكبر الدول والكيانات الاقتصادية التي كادت أن تطيح بها.
* ورأينا تغير التحالفات السياسية والعسكرية التاريخية في لحظات، وها نحن اليوم نرى الحرب في أوكرانيا وهي تشكل خط تماس مشتعل بين معسكرين قد يلجأ أي منهما إلى ما لا تحمد عقباه في أي لحظة.
* وهي عجلة مستمرة استمرار التاريخ، وعلينا أن نتعلم من دروسها، ونحتاط لتقلباتها، وندرك أن لا بديل عن الاعتماد على الذات، والمنعة الوطنية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وأن لكل منا دور في ذلك ليس من حقه أن يتخلى عنه، أو يجيّره إلى غيره، أو ألا يؤمن بضرورته.
* هاجسي الأول على الدوام هو تحسين نوعية الحياة لكل مواطن ومواطنة في هذا البلد" هذا ما قاله الملك في افتتاح خطبة العرش قبل عشرين عاماً، فالأردن الذي يطمح له سيدنا يعيش فيه المواطن حياة كريمة، وهذا الأردن الذي يريده بهمتكم وعزمكم وفكركم، الأردن الذي يحتضنالإبداع، وينمي الابتكار ويعزز الفرص، ويحد من التحديات، ويواجه الصعوبات، أردن مزدهر باقتصاده وطاقاته وسواعد شبابه، أردن للجميع، قوامه سيادة القانون، وعماده العمل الجاد والخدمات الجيدة ورفاهية المجتمعات، وأساسه شعبٌ واعٍ بمسؤولياته وواجباته وحقوقه،ومؤسسات أكثر ديناميكية مع واقع متطور متسارع، أردن مرن بابتكاراته التكنولوجية الخلاقة، التي لا تعرف للحدود مكاناً، ولا للطاقات انتهاءً ولا للعلياء سقفاً، وشباباً فاعلاً قادراً على إعادة تموضع وطنه في مصاف الدول المتقدمة.
* فهذه رؤية جلالة الملك والتي هي جعل الأردن بوابة للمنطقة في مجالي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتجارة الالكترونية، وتحويل الأردن إلى مجتمع معلوماتي يتمتع بكل ما تتطلبه تحديات الاقتصاد المعرفي العالمي من إمكانيات وقدرات.
* واليوم فإن الكرة في ملعبنا، وعلينا أن نكمل ما رسخه جلالته باحترام المستثمرين وتذليل العقبات أمامهم ووضع المحفزات لهم، وأن نستثمرهم لنمو اقتصادنا ليكون من اقتصادات الدول المتقدمة، ولا تستمعوا لكلام الذين لا يؤمنون بالأردن لا وطناً ولا اقتصاداً.
* ورغم أننا سنستورد الاستثمار إلا أننا سنصدر ما يصنعه الأردن بسواعد أبناءه، وعقول شبابه، وأفكار مبدعيه، وإيمان ودعم جلالة الملك وولي عهده، ما يصدره الأردن ليس فقط موارد بشرية، ولكننا اليوم بتنا رقماً صعباً في قطاعات المعادن الطبيعية والتكنولوجيا والابتكار، وهذا لا يكفي بل أرى أن المجال أوسع لنكون رقما صعبا أيضا في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والتكنولوجية. وأن نستمثر ما لدينا من موارد بالطرق المثلى وأن نركز على أن نكون شركاء مع دول الخليج ودول الجوار ومكملين لاقتصاداتهم ونستثمر موقعنا الجغرافي وأن نركز على الصناعات التحويلية والخدمات المالية والريادية والسياحية للذكر وليس وللحصر.
* لا يمكن اليوم أن ننهي حديثنا دون التأكيد على أهمية الجهود التي يبذلها سيدنا على المستوى الدولي، والتي حافظت على أمن الأردن وجعلته ملاذاً آمناً وحضناً دافئاً لكل ملهوف، فأصبح استقرار الأردن ونفوذه الدبلوماسي أكثر أهمية من أي وقت مضى. تحت قيادة الملك عبدالله الثاني، حيث برز الأردن كوسيط موثوق وصوت محترم في الشؤون الإقليمية والعالمية.
* لاحظ المجتمع الدولي التزام الأردن الثابت بالسلام والأمن والتعاون، حيث إن المستثمرين وشركاء التنمية والقادة العالميون جميعهم أدركوا قيمة التعاون مع أردن يقوده ملك يضع الرؤية الاستراتيجية والدبلوماسية الإقليمية ورفاهية شعبه على رأس أولوياته.
العالم ينظر لنا بعين الإعجاب الكبير، وجميعكم تمتلكون تجارب داخلية وخارجية، وقد رأيتم ماذا يقول العالم عن دولة صغيرة على الخارطة، كبيرة في قلوب شعبها وعظيمة في عملها وتطورها، وراسخة في إقليم ملتهب. جميعاً نؤمن أن أردننا، في ظل القيادة الهاشمية،وبحكمة جلالة الملك، وعنفوان شباب ولي العهد، وحولهم الأردنيون والأردنيات سيظل وطنا للعز وعنوانا للفخر.
وأخيراً قبل أن أختم كلامي دعوني أنظر في عيونكم المحبة للأردن، والمؤمنة بالمضي قدماً مستندين على تراكمية الإنجاز.
* سنبقى كما كنا وأكثر، واثقين الخطى، نمشي أردنيين منتمين لأرضنا ومبايعين للعرش الهاشمي، فجميعنا يرى في ملكنا وولي عهده، أطال الله في عمرهما، أنهما حماة الحمى عند مصلحة الأردن، ونرى فيهما القيادة التي استطاعت، وستعمل بلا أدنى شك، للعبور بأردننا من قلب العواصف والتحديات، وكما عاهدنا جلالة سيدنا أن يبقى الأردن حرا عزيزا كريما آمنا مطمئناً، نقول له أن الأردنيين يثقون بك، وأنك ضمانةالاستقرار، ونحن جميعا خلفك واثقون بحكمتك ومؤمنون برؤيتك