13-06-2024 09:55 AM
بقلم : د. بسام الساكت
عنوان فرض نفسه عليّ. لقد لبيت دعوة، لحضور لقاء علمي ميداني نظمته فئة مهنية محترمة هي «رابطة الطبيبات العربيات»، في المركز الثقافي الملكي، حول الصحة النفسية في بلدنا وإقليمنا، عرضت فيه نتائج دراسات ميدانية، بها أشواك، تعاظمَ ألمها لديَّ حين تصورت ربطْها بالعلل الاقتصادية والمالية.
وتميّزت في هذا اللقاء طبيبات، أردنيات، أشد على أيديهن، منهن الطبيبة ميسم عكروش، وزميلتها الطبيبة المتفانية، حنان الريحاني.
وباعتزاز أرفع جبيني عاليا بذكر اسميهما، ذلك لعلو شأنهما المهني والإنساني. فكلتاهما متخصص في شؤون طب الباطنية. لقد بادرتا وزميلات لهن برعاية هذه الرابطة الطبية العربية، فأقاموا منصة للصحة النفسية هي موقع مميز، ومرجع للمعلومة والإرشاد.
وأكتملَتْ نجاعة اللقاء، زميلات لهن متخصصات ممارسات في حقل الطب النفسي، أذكر منهن الطبيبة الواعده، لانا هلسة، مع المعذرة ممن سهوت عن ذكرهن.
كما حضر اللقاء فتيات وشباب نفخر بهم، من الخدمات الطبية الملكية، الصرح الطبي الذي نعتز به جميعاً. لكنه غاب عن الباحثين، ربط موضع الصحة والعلّة النفسية بثقل آثار عوامل الاقتصاد والمال عليها،سببيا ووقائيا، وعلاجيا.
أقول هذا من باب الاقتراح لا النقد، ذلك لتكملة فهم الظاهرة و الدراسات وفتح أبواب واسعة للمشاركة المهنية من علوم أخرى في معالجة الظاهرة والعلّة الطبية.
وتركز اهتمام اللقاء على حرب إسرائيل على الفلسطينيين في غزة والضفة وابعادها النفسية على الشباب والناس في الأردن والاقليم (ناهيك عن أهلنا في فلسطين والضفة). فآثار الحرب ومشاهد توحش إسرائيل على الإنسان العربي والفلسطيني، وتواطؤ مسانديها، وصور القتل الدموية ودمار العمران، والمنظومة الصحية، وتدني تفعيل القيم الإنسانية، وضعف ردات الفعل الأخرى الدولية والإقليمية لإيقاف التوحش، جميعها تُولِّد أعباء نفسية، طويلة المدى، على الاسرة والطفل والشباب والأجيال، والاقتصاد الوطني: من صدمات نفسية وقلق وتوتر Stress, وإكتآب An?iety, ومعاناة ثقيلة Depression, قد تعشعش في نفوس الفرد والطفل، وتُذْهِب بطاقاته، وتخفّض من إنتاجيته Productivity، وتشغله طويلا، وقد تُحبِطُه.
لقد تبين في الدراسة الميدانية المعروضة أرقامًا مقلقة عن إصابات نفسية عند الأفراد. فأجاب أشخاص ممن هم بأعمار 18 سنه وأكبر، أن 61.3%، أجابوا «أنهم أصيبوا بالتوتر النفسي» جرّاء الاحداث، و55.8% أصيبوا بالقلق، و81% أصيبوا بالإكتئاب. منهم 2%، فقط، لجأ للعلاج والإرشاد النفسي Counseling.
كما وتبيّن أن الأكثر إصابة ومعاناة منهم،فئة النساء. ولم أفاجأ في اللقاء، بمداخلات نوعية لسمو الأمير المثقف، الحسن بن طلال المعظم، حين لخص سموه وجهة نظره،ومن خبرته العميقة: فعبَّر عن الضرر والإبعاد للحروب وضعف تفعيل القوانين الأممية والإنسانية. وأنعش الذاكرة الوطنية «بالتشريع الإنساني» النبيل القديم عندنا, الذي كان شاغله الحفاظ الوقائي والعلاجي على المجتمع والوطن: «أن الدستور العربي عام 1918 ركَّز على استيعاب فئات الوطن والتنوِّع وقواسمها المشتركة. وثقٌَل من وزن قيم إنسانية تعلو بها الامم والأفراد والاقتصاد? إيمان وأخلاق وعلم وعمل».
أعود فأقول: إن ما شاهدناه من توحش العدوان وجلافته وغزوه واحتلاله لأرض فلسطين، وأن أكثر من أربعين الفاً قد استشهدوا في غزة فقط، ناهيك عن المفقودين، كل تلك الأرقام الشائكة،تصبح أكثر بشاعة، لو أضفنا اليها تقديرات عن المفقودين، وآثار العلل النفسية، طويلة المدى على المصابين الأطفال والكبار والمشاهدين... الخ. فالحرب هي امتحان للامة بمالها ونفسها وأرضها وعِرضِها.
ولو أدخلنا عنصر الاقتصاد والعسر المالي والفقر والبطالة عوامل ثقيلة على الفرد والأسرة العربية، في الدراسات الطبية هذه: من قلة فرص العمل وفقر وبطالة للشباب، وسوء التدبير في الاستهلاك، وسوء التوزيع للموارد، والاستثمار، وقلة حيلة مالية الآباء والأسر، فإن محصلة الوضع النفسي على الفرد، حتما أكثر مرارةً، وسيتضاعف ويطول أثره إن أُهْمِل،خاصة في بيئة طبية في الأردن، 1%فقط من الاستثمار الصحي في الموازنة العامة،ينفق على الصحة النفسية، ولدينا فقط 90 متخصصا في هذا الحقل!
إن موضوع واهتمام رابطة الطبيبات العربيات والطبيبات الأردنيات عندنا بالصحة النفسية، هو إهتمام مبرر وعالمي، ومبادرة تستحق تخصيص إهتمام وتمويل أكبر في موازنة قطاع الصحة، لتقويم أبعاد الصحة النفسية الشمولية، للعناية بالأجيال والأطفال، رأسمالنا الوطنيّ الاجتماعي والاقتصادي.
واستذكر أثراً نبيلا يُعْلِي لديَّ باستمرار، الاعتزازَ بموروثنا الثقافي- «العقل السليم في الجسم السليم». بل أُكمِلُه بالقول: «صحة الأوطان من صحة العقول والأبدان».
الرأي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-06-2024 09:55 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |