بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
"النجاح اليوم يعتمد على المواهب والكفاءات والقدرات البشرية، والأردن غني بطاقاته الشبابية"، توقّفتُ كثيرًا عند هذه العبارة التي وردت في الخطاب الأخير لجلالة الملك بمناسبة اليوبيل الفضي، وهي عبارة تحتاج إلى الانتباه من عقل الدولة الأردنية، لتبنيّها والبناء عليها، وترجمتها فعليًا على أرض الواقع، في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والصناعية والزراعية والصحية والثقافية.

ولأنّني من المهتمّين والمطّلعين على المشهد الثقافي الأردني، فسأتوقّف عند المجال الثقافي فقط، حيث الأردن مليء بالكثير من الطاقات الإبداعية، التي أثبتت حضورها المحلي والعربي، عبر حصول العديد من مبدعيه على جوائز عربية، صار لها حضورها الطاغي على المشهد الثقافي العربي، وصار الأردني يزاحم بقوة في حضوره العربي، في لجان التحكيم وفي المراكز المتقدمة للفائزين.

في ستّينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت عواصم الشرق العربي حواضن كبيرة للثقافة والإبداع، ومع مرور الزمن وتوالي الأحداث السياسية تراجعت هذه العواصم، وتقدّمت العواصم الخليجية لتحتل المركز الأول في احتضانها للمشاريع الثقافية، وصارت جوائزها الكبرى محط اهتمام معظم الكتّاب والمبدعين العرب والمهتمّين بالشأن الثقافي بشكل عام.

هنا يثور التساؤل الكبير : الأردن الوسطي يحظى باحترام الجميع، فلماذا لا يوجد على أجندة الدولة الأردنية برنامج ثقافي محلي عربي، ولماذا لا يفكّر عقل الدولة الأردنية في إيجاد جوائز محلية وعربية (أدبية وإبداعية وإنسانية وحتى علمية) تكون الأردن فيها محط نظر واهتمام الجميع من أردنيين وعرب ؟؟ وتعكس الإرادة الحقيقية في ترجمة الرؤية الملكية إلى واقع ملموس ؟؟ وتساهم في التبادل الثقافي الجاد بين الشعوب العربية ؟؟ وتؤكد على حضور الإبداع الأردني بقوة وثبات ؟؟

لماذا جوائز الدولة الأردنية ما زالت خجولةً وفي حالة تراجع ؟؟ جائزة الدولة التقديرية التي كانت من أهم وأعظم الجوائز الأردنية، صارت مجرد جائزة عادية، تحدث في احتفال خجول، ولقاء مكافأة مالية أشبه ما تكون بالرمزية.

لماذا غابت جوائز الدولة التشجيعية ؟؟ لماذا ما يزال على المبدع الأردني الحصول على جائزة عربية من خارج الأردن، لكي يتمّ تكريسه كمبدعٍ حقيقي ؟؟ مع أنّ بالإمكان أن تمنح الأردن مثل هذا التكريس لمبدعيها، ولغيرهم من العرب !!

ربما الفرصة مواتية الآن لأن يكون لدينا جوائز دولة حقيقية، تكون نقطة مضيئةً في فضاء الثقافة، ترفع من سويّة الإبداع والثقافة الأردنية والعربية، بتكاليف معقولة لا تؤثر على ميزانية الدولة، مع إمكان إلحاق الاحتفاء بها في المناسبات الوطنية الكبرى، أو في معرض انطلاق مهرجان جرش، وبظنّي أنّ الدولة إن تبنّت مثل هذا المشروع، ستكون قد ترجمت الرؤية الملكية إلى واقعٍ ملموس، وفتحت آفاقًا ومفاهيم جديدة في الثقافة العربية الجادّة والحقيقية، خاصةً إن وُجِدت ضمانات حقيقية لشفافية ونزاهة الجوائز، بعيدًا عن الاعتبارات السياسية والجغرافية التي تحدث في غير جائزة.