15-06-2024 04:19 PM
بقلم : فداء المرايات
(( غراب وطيرناه من سمانا وأراضينا والموت وبعد الموت للعصملي واللي طامع فينا ))
لأول مرة استهل مقالي بصيغة غير رسمية ؛ وأمنح هذه المرة الأولوية على الحروف الفصحى لصالح أهزوجة كانت تُغنى في وقت الثورة العربية حفظتها عن ظهر قلب من جدتي لأمي حيث يكون جد أمي الأكبر الشيخ الكبير ذياب باشا العوران الملقب بزعيم الجبال وشيخ مشايخ الطفيلة ، في ذكرى الثورة العربية الكبرى أعود بذاكرتي للكثير من الحقائق والمعلومات المتواترة بيننا من جيل إلى جيل إضافة على ما دون في بطون الكتب من حقائق موثقة...
في الوقت الذي نجد فيه قلة مارقة تُلقي بجميع الأوزار في ( دنيانا العربية ) على ثورة كانت انطلاقة حرية العرب ، واستعادة لمجدهم وهويتهم بعد ظلام ٍ دامس ٍ أطبق على جميع البلدان العربية لمدة أربعة قرون من الزمن ، أي أربعمائة سنة من الجهل والتجهيل وفرض الضرائب من دون حق واعتقال المثقفين العرب والدخول في حروب لا ضرورة لها ، فبدأ حكم العثمانيين على أعقاب معركة مرج دابق 1517 م ونهاية حكم المماليك والخلافة العباسية التي كانت العصر الذهبي لكل العرب والمسلمين بعد انجاز حافل في كل العلوم والفن والحضارة دام لخمسة قرون متخمة بالمجد والشموخ ، حتى انتصر العثمانيون وبدأ الظلام شيئاً فشيئاً يحل على العرب ، وتُختطف علوم بغداد ودرر الكتب والترجمات وتكون ككعكة مصنوعة بوصفة سرية ، نهبتها الأستانة أولاً وسربت بعضاً منها على استحياء لأوروبا لتخرج تلك الأخيرة من ( عصورها المظلمة ) ، وتنتقل من مقعد المتفرج والمنبوذ بعيداً والمندهش استنكاراً لمجد هارون الرشيد ومن تبعوه من الخلفاء لقرون ، وتدخل في ( عصورها المستنيرة ) وتبدأ ترجمة كتب العلماء العرب والمسلمين على مهل ، ففي الجانب الآخر هناك حيث الشرق العربي تتجمد مشاريع نهضة العلوم في البلاد العربية وتتوقف كليا بأمر من خليفة فاسد أدخل الشركيات إلى خلافته وعاش في كنف الحرملك ، لا الحرملك كان في كنفه ، وأعلن أن الآلة الطابعة أعجمية ولا يمكن ادخالها لبلاد المسلمين ( العربية ) ، فقامت أوروبا بترجمة أمهات الكتب في الخيمياء والكيمياء والجبر والفلك والطب وكل علوم الدنيا التي اكتنزتها الحضارة العربية والإسلامية وبرعت فيها ، وبدأت رياح الجهل تعصف بالدول العربية ، وهذه بعض من مصائب الحكم العثماني التي لا يمكنني اختزالها في مقال ٍ واحد ..
المجتزئون للتاريخ ، تطويعاً لأحقادهم ، يتناسون أو يتقافزون على تلك القرون الصعبة من حياة العرب ، عن ذكر حقائق كثيرة ، أهمها على الاطلاق ، قيام الكثير من العشائر في الأردن بثورات وهجمات على الحاميات التركية سبقت الثورة العربية الكبرى بكثير ، وذلك نتيجة لنظام الضريبة الجائر ، وتزايد تقزيم الهوية العربية ، ومحاولات تحجيم أمراء المناطق والتنكيل والتجبر والمذابح والمجازر ، كمذبحة المواجدة في الكرك وغيرها من الأسباب ، فلا أعلم بصدق كيف يصنع هؤلاء فترة شبحية خالية من صرخات الحرية والمواجهات فقط بهدف خلق حالة من الاسمام في قلوب العامة ( محلياً وعربياً ) ضد دور الأردنيين الهام والمحوري ..
وعلاوة على أن الثورة العربية الكبرى ، سميت بالكبرى لأنها الأخيرة المنتهية بالنصر والكبرى على الاطلاق كما أسلفت ، فهي حدثت بطلب من العشائر لملك العرب ، ومن هنا أنطلق بنقطة محورية جديدة تحظى بتعتيم اعلامي كبير يُراد بهذا التعتيم تكوين هالة سوداء دائمة حول الأردن ، ألا وهي - النقطة المحورية الثانية - أن دخول اليهود لفلسطين حصل قبل الثورة العربية الكبرى بكثير ، فأول مستوطنة يهودية أقيمت على أرض فلسطين تسمى ( بتاح تكفا = مفتاح الأمل ) بأمر من العثمانيين في مدينة يافا ، وكان ذلك في عام 1878 ميلادية أي قبل الثورة العربية الكبرى بثمانية وثلاثين عاماً ، وهذه الحقيقة الموجودة في الكتب العربية والصحف كافية لاثبات صدق نوايا الأردن ، وصدق الثورة التي حدثت .
وكيف أن البداية كانت بمستوطنة زراعية في عهد العثمانيين ، ليبدأ اليهودي المهاجر حياته في ( الوطن الموعود ) بأن يرتبط بالأرض أولا ، وهذه من أخطر أساليب التوطين وأدوات طمس الهوية عبر زرع من لا ينتمي للشيء في مكان ليس بمكانه ليصبح جزءاً لا يتجزأ منه ، وهذه الحقائق تتلاقى مع كل ما ورثناه نحن كأحفاد الثورة العربية الكبرى من حقائق ومعلومات ، فكانت جدتي دوماً تقول : كان ( العصملي ) يريد انتزاع الأراضي من كبار المشايخ ، وبدأ التعامل يسوء باعتقالات الناس دونما مبرر ، وأرادوا في نهاية المطاف ادخال سكة حديد إلى الطفيلة ، ولكن بطبيعة أبناء الصحراء الشاعرية والفطنة المتقدة الأبدية والحكمة الاستباقية ، شعر الشيخ ذياب باشا العوران بخطورة ما يدور ، حتى تم توظيف آلاف الشبان من أبناء الطفيلة ليعملوا ليلا ونهاراً على نظام ( الورديات ) حماية للأراضي ومراقبة للمحاصيل ، حتى علموا شيوخ المشايخ سراً عن نية العثمانيين لادخال ثلاث مستوطنات في شمال الأردن ، فكانت الضربة القاضية بالثورة العربية الكبرى مع رأس الحربة الشيخ عودة أبو تايه ، حيث تواصلوا مع شريف الحجاز وملك العرب للتخلص من نظام حكم زاد منسوب الشر في مفاصله حتى بلغ محاولات العبث بالأراضي ، فانطلقت الثورة في معان وقدمت الطفيلة ثلاثة آلاف فارس بزعامة الشيخ ذياب باشا وكان ذلك رقماً كبيراً في ذلك الوقت ، مع دعمه الكبير لجيش الثورة بالمال والعتاد وكانت تلك الثورة ضربة استباقية مانعة للتوطين .
ومن عجائب التزوير الممنهج للحقائق ضد الأردن ، أجد في سجالات الشبكات وذلك الجدل المجوف انكار وجود الدولة قبل مئة عام ، وفئة أخرى تستنكر الأردن لما هو أبعد من مئة عام ، ولا أعلم هل مخطط الفترة الشبحية هذا الذي يعبث بالتواريخ قد بلغ مبلغه في العبث أيضا بحقيقة الأرض ، فالأردن الحديث اليوم هو اتحاد سنجقين ( ولايتين عثمانيتين ) لأربعة قرون ، الأولى سنجق عجلون وفي فترات أخرى سمي بسنجق حوران ، والثانية سنجق معان وفي فترات أخرى سمي سنجق الكرك ، وكان ذلك التنقل في التسمية يعزى لحركات التمرد العشائرية ، فهذه الخريطة ليست صنيعة جنرال بريطاني ولا غيره انما اتحاد عشائري سابق وجديد ، فعشائر الشمال سنجق عجلون والجنوب سنجق معان اتحدت للثورة وهي ضمن نطاق ولايتين كما أسلفت ، وهذا الاندماج شكل خريطة الدولة الحديثة امارة شرق الأردن - المملكة الأردنية الهاشمية .
استعاد العرب صوتهم وهويتهم ولغتهم التي قوبلت بنهج التتريك الصعب والجائر الذي تزايد بشدة في آخر سنوات الامبراطورية البائدة ( رجل أوروبا المريض ) ، بعد غليان رهيب بدأ في جنوب كل من الأردن والعراق بطلقة جاءت من الحجاز ، لتشتعل المعركة في كل الولايات العثمانية ، فكانت بلاد المغرب العربي تنتظر شعلة الهام ، وبريق أمل يبعث في نفوس الثوار هناك المزيد من نفحات الحرية ، كيف لا وقد كانت الخلافة العثمانية التي سرقت مسميات الخلافة العباسية اسماً وارتدت أخلاق الأعاجم فعلاً ، قد سلمت بلاد المغرب العربي منذ عقود طويلة على طبق من فضة لكل من ايطاليا وفرنسا وعندما وجدت استحالة دخولها المغرب فتحت عليها تلك الثغور الاسبانية ، فكانت الأردن بعشائرها وبدءاً من جنوبها شعلة تحرر قامت من ورائها كل حركات التحرر والاستقلال ، حيث صنعت هزة عنيفة في أوساط الأراضي العربية جميعها ، وزادت الاصطدامات في ليبيا مع الايطاليين وفي تونس والجزائر مع الفرنسيين حتى تحررت تلك الدول العربية الشقيقة وأعلنت استقلالها التام لاحقاً بهوية عربية لا لبس فيها ..
ففي حزيران نحتفل بمجد عربي كبير ، ثورة أجدادنا الذين لا نقل عنهم شجاعة وانتماءً لبلادنا وأرضنا ، وصدقاً ووفاءً لملوكنا الهاشميين الذين بايعناهم حباً وولاءً ، وفي مناسبة اليوبيل الفضي لتسلم جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه للسلطات ، شهدنا حفلاً مهيباً يروي قصة التراث لكل المحافظات ، ويبعث برسائل هامة على الجانب العسكري ، باستعراض مهيب وذي ثقل بأننا هنا في دولة قامت على صرخة عربية مدوية فعلتها قبائل الأردن ، وأشعلت فتيل الحرية في كل بلاد العروبة ، أولئك الثوار الأشاوس كانوا نواة هذا الجيش الأغر من جيل إلى جيل ، فلا مكان بيننا لمن يطمس هويتنا ، أو ينتقص من وجودنا وعزتنا ، والجاهل من يراهن على سقوطنا ، والموت لكل من يسيء لجيشنا وأردننا وهويتنا وشعبنا وقيادتنا ..
فتاريخنا أبعد بكثير من مئة عام ، فإن كان البعض يرفض إدراك وجودنا ، فقمنا وقامت حريتنا وحررنا بلادنا ، والمجد لنا ولليوبيل ولثورتنا العربية الكبرى ولجيشنا العربي المصطفوي الكبير ..
وأختم بما بدأت :
(( غراب وطيرناه من سمانا وأراضينا والموت وبعد الموت للعصملي واللي طامع فينا ))
تلك الأهزوجة حفظتها منذ الصغر ، عندما أخذتني جدتي واشترت لي قماشاً خاصاً وصنعت لي منه ( تِرواكاً : معطف أسود طويل مبطن يعلوه قماش الجبير ) كتقليد مازال حتى اليوم في عائلتنا نرتديه عند المصائب ، تعبيراً عن شؤم الحكم العثماني وتمرد صامت متوارث يُذكرنا بنصرنا الخاص والعام ..
النصر العشائري والوطني ، الأردني والهاشمي والعربي ..
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
15-06-2024 04:19 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |