22-06-2024 12:36 AM
سرايا - في معرض هجومه على الجيش الإسرائيلي قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن "إسرائيل دولة لها جيش وليست جيشا له دولة". جاء ذلك التصريح بعد نحو شهر من تصريحات وزير الدفاع يوآف غالانت التي أعلن فيها معارضة توجيهات نتنياهو بشأن قطاع غزة ما بعد الحرب، قائلا إنه سيعارض أي حكم عسكري إسرائيلي للقطاع، لأنه سيكون دمويا ومكلفا وسيستمر أعواما.
ليأتي بعدها بأيام الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري وينسف السردية الإسرائيلية عن العدوان على قطاع غزة في مقابلة مع القناة الـ13 الإسرائيلية (نتنياهو يعتبر أن القناة محسوبة على اليسار الإسرائيلي المعارض له) حين اعتبر أن "حماس هي حزب وفكرة مغروسة بين الناس ومن يظن أن بإمكاننا اجتثاثها مخطئ".
ليرد عليه مكتب نتنياهو بأن "الكابينت الأمني السياسي برئاسة رئيس الوزراء نتنياهو حدد أن أحد أهداف الحرب هو تدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية"، و"الجيش ملتزم بذلك".
تلك التصريحات المتناقضة والتي جاءت في وقت يشن فيه الاحتلال حربا هي الأطول في تاريخه، كشفت تصاعد الصراع بين المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية والأمنية.
وعلى الرغم من مسارعة الجيش لتوضيح تصريحات هاغاري وتأكيده على الالتزام بأهداف الحرب التي حددها المجلس الوزاري المصغر، فإنها أعطت مؤشرات على أن الخلاف بين المؤسستين السياسية والأمنية بات أوسع، كما يرى المراقبون.
الخبير الإستراتيجي والعسكري حاتم كريم الفلاحي يرى أن "هاغاري لم يتكلم بصورة شخصية، بل بلسان الجيش وتوجهه في غزة… إذ يرفض الجيش الزج به في محرقة واستنزاف، خاصة أن التحديات كبيرة على الجبهة الشمالية وجبهة الضفة الغربية، ولا يمكن مواجهة كل هذه التحديات في وقت واحد".
فيما رأت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن الجيش يملك الآن أسبابا واضحة لإلقاء اللوم على نتنياهو الذي لم يكن يفوّت فرصة خلال الشهور الماضية لإلقاء اللوم على كبار قادة الجيش والاستخبارات بخصوص ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي حين شنت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس معركة طوفان الأقصى.
ولطالما سعى قادة الجيش لإقناع نتنياهو ومجلس الحرب بتزويدهم بإطار إستراتيجي منذ بداية القتال، لكنه رفض طلبهم كل مرة، مما دفع هيئة الأركان العامة لتشكيل فريقها الخاص لمحاولة صياغة أفكار إستراتيجية خاصة بها.
في حين اعتبر الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أشرف بدر أن حديث هاغاري يشير إلى أن الجيش يريد أن يصفي حسابات مع نتنياهو تمتد إلى أكثر من 20 عاما حكم نتنياهو خلالها البلاد وكان يهمش مؤسسة الجيش التي كانت تتحكم في مفاصل القرار في الدولة وأصبح يعين من يشاء ويفصل من يشاء من موقعه.
القلق على جيش الاحتلال ومستقبله والخوف من تفككه لم يكن وليد الحرب على غزة؛ إذ ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية في يوليو/تموز الماضي أن رئيس الأركان هيرتسي هاليفي سلّم نتنياهو وغالانت وثيقة ركزت على سياق تماسك الجيش وفقدان ثقة الإسرائيليين والعاملين في الجيش، بسبب سعى الحكومة للتصويت على قانون المعقولية وتقليص صلاحيات المحكمة العليا.
جاءت حرب غزة بعدها بأشهر لتزيد مخاوف قادة الجيش مما قد يتعرض له بسبب الخسائر التي تكبدها على يد المقاومة في القطاع.
ففي 11 يونيو/حزيران الجاري قالت القناة الـ12 الإسرائيلية إن هاليفي أبلغ القيادة السياسية بحاجة الجيش إلى 15 كتيبة جديدة، بحجم فرقة عسكرية تضم 4500 جندي حتى يتمكن من القيام بمهامه على عدة جبهات. وحذر مما سماه النقص الحاد في القوى البشرية داخل الجيش الإسرائيلي لتحقيق الأهداف المطلوبة.
وفي تحليله للمشهد العسكري في غزة، ذكر الخبير الإستراتيجي الفلاحي في تصريحات للجزيرة أن الجيش الإسرائيلي يرسم أهدافا مغايرة لأهداف حكومة نتنياهو التي تطالب بنزع قدرات حماس العسكرية والحكومية، وقتل قياداتها، إضافة إلى استعادة الأسرى الإسرائيليين في غزة عبر الضغط العسكري.
مسار الحرب في غزة ونتائجها حذر منه لواء الاحتياط بالجيش الإسرائيلي إسحاق بريك في مايو/أيار الماضي حين ذكر أن الجيش لا يملك القدرة على إسقاط حركة حماس حتى لو طال أمد الحرب، مشيرا إلى أن إسرائيل إذا استمرت في الحرب ستتكبد خسائر جسيمة تتمثل في انهيار جيش الاحتياط الإسرائيلي خلال فترة وجيزة.
كما يقول عاموس هارئيل المحلل بصحيفة هآرتس إن "سلسلة من المناقشات أجريت الأسابيع القليلة الماضية مع شخصيات رفيعة المستوى في مؤسسة الدفاع تشير بشكل متزايد إلى أن إسرائيل تتجه نحو فشل ذريع متعدد الأبعاد".
الخلاف بين الجيش من جهة ونتنياهو والأحزاب اليمينية المتحالفة معه من جهة أخرى، لم يكن وليد المرحلة الحالية بل هو خلاف متجذر.
فنتنياهو يعتبر أن قادة الجيش منافسون له على منصب رئاسة الحكومة، إذ وُجد تقليد في إسرائيل أن قادة الجيش يدخلون معترك السياسية بعد تقاعدهم.
وهو تقليد جعل القادة الحاليين والمتقاعدين خصوما محتملين لسواهم من السياسيين غير العسكريين كنتنياهو.
فقد اعتبر نتنياهو أنه خسر انتخابات العام 1999 بتأثير من الانتقادات اللاذعة من قبل حزب الوسط، الذي شارك في قيادته رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق أمنون ليبكين شاحاك، إلى جانب الهجمات التي شنها زعيم حزب العمل في ذلك الوقت إيهود باراك، وهو نفسه رئيس سابق للجيش الإسرائيلي.
ومنافسه الآن رئيس الأركان السابق بيني غانتس الذي استقال من الحكومة والمجلس الأمني المصغر احتجاجا على مسار الحرب وانتقد نتنياهو بشدة عقب الاستقالة.
أما الأحزاب اليمينية، فوفقا لعوفر شولح من معهد أبحاث الأمن القومي، فقادة اليمين الديني يرون أن النسبة المتزايدة لأفراد جمهورهم ومؤيديهم بين الجنود الميدانيين القتاليين والضباط الشباب في الجيش، يجب أن تنعكس أيضا في هيمنة أكبر لقيمتهم كما يرونها، وهو ما يتطلب أن تكون القيادة الأمنية مقربة منهم ومن توجهاتهم.
ويعتقد المحلل العسكري للإذاعة الإسرائيلية آيال عليمه أن اليمين الحاكم أبدى معارضة منح غالانت وهاليفي صلاحيات تعيين الضباط والقادة العسكريين الجدد، بذريعة أنهما يتحملان مسؤولية الفشل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ويعكس هذا الطرح لليمين -برأي عليمه- تطلعات بعض الوزراء للإشراف على التعيينات للضباط والقيادة العسكرية بالجيش، مما يعني التوجه نحو تعيين ضباط محسوبين على معسكر اليمين "بغية أن يفضي ذلك إلى تغيير جوهري في هوية الجيش".
ولفت إلى أن أوساطا كثيرة في الائتلاف الحكومي ومنهم نتنياهو، يسعون لاستغلال حالة الفراغ والاستقالات المرتقبة في جهاز المخابرات، من أجل اختيار وتعيين شخصيات تحمل أفكار وأجندة اليمين، وتكون موالية للأحزاب الشريكة بالحكم، وبالتالي الهيمنة والسيطرة على كافة مؤسسات ومفاصل الحكم.
مهما كان ما ستسفر عنه المواجهة بين نتنياهو وقادة الجيش فإن هذا المستوى من الخلاف والصراع إذا أضيفت له الخلافات داخل أوساط الحكومة والأحزاب بشأن القوانين المثيرة للخلاف (تجنيد الحريديم وقانون الحاخامات) إنما يعكس "الفشل الذريع في تحقيق أهداف الحرب واستمرار الخسائر في غزة" وفق ما يقول المحلل ياسر الزعاترة.
ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية فراس ياغي أن قيادة جيش الاحتلال ورؤساء الأجهزة الأمنية في "أضعف حالاتهم ولا يستطيعون فرض متطلباتهم على المستوى السياسي"، بل على العكس يحاولون إثبات قدرتهم على جلب الأمن للإسرائيليين. لذلك "نرى حجم المجازر والإبادة والتطهير العرقي، وهذا ضمن مفهوم سياسة الأمن القومي غير المعلنة".
ووفقا لياغي فالحرب على غزة ذاهبة "إلى مزيد من التصعيد ومزيد من المقاومة".
وإذا حصل إقدام على فتح جبهة لبنان فستكون بمثابة "انتحار جماعي بقيادة 3 أشخاص هم نتنياهو وغالانت وهاليفي الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه؛ لذلك يراهنون على مصير البلاد ويأخذونها بأكملها معهم إلى الهاوية"، وفقا للواء الاحتياط بالجيش الإسرائيلي إسحاق بريك.