26-06-2024 09:39 AM
بقلم : د. صلاح جرّار
ما يرتكبه الاحتلال الصهيوني من جرائم في غزّة والضفّة الغربية لعلّه الأعظم بشاعة ووحشيّة وهمجيّة في هذا العصر إن لم يكن عبر القرون الخالية، والسكوت عنه يضفي عليه صفة الأعمال العادية. وقد آن الأوان لعمل مدوّنة تضمّ صنوف هذه الجرائم وتسمّيها بمسمياتها وتسرد كلّ الحالات التي تندرج تحت كلّ صنف منها، وذلك كي نتغلب على ضعف ذاكرتنا ونحرص على إنعاش الذاكرة لدى الأجيال القادمة كي لا تنسى، لأننا إن كنّا عاجزين اليوم لأسباب كثيرة عن وضع حدّ لهذا الإجرام الصهيوني والغربيّ بحقّ فلسطين أرضاً وشعباً فإنّ من واجبنا أن لا نحجب عن الأجيال القادمة حقّ محاكمة المجرمين ومحاسبتهم على جرائمهم بكلّ الوسائل الممكنة.
إنّ كلّ صورة من صور الممارسات الإجرامية التي يرتكبها هذا الاحتلال بدعم أمريكي وغربيّ تقوم عليها آلاف الشواهد والأدلّة والحالات المروّعة، وكلّ حالة من هذه الحالات تكفي بمفردها ليس فقط لإدانة العدوّ المجرم، بل لملاحقته وتجريمه ومعاقبته بمثل ما يرتكبه من الجرائم، وهذه المعاقبة ينبغي أن لا تصدر عن الفلسطينيين أصحاب الحق فقط ولا عن العرب والمسلمين وحدهم بل عن جميع الدول التي تؤمن بالعدل والحقّ والحرية والقانون الإنساني، فكيف إذا كان الإجرام الصهيوني متعدّداً ومتنوّع الصور والأشكال ويتخذ عشرات بل مئات الصور.
إنّ الصورة الأكبر والأوسع والأكثر شمولية للجرائم الصهيونية في غزّة هي ارتكاب الإبادة الجماعيّة، وليس في الشرائع العالمية والقوانين الدولية ما هو أعظم إجراماً من الإبادة الجماعية، مع أنّ هذا المصطلح الذي تردّده وسائل الإعلام صباحاً ومساءً فقد لدى الناس عرباً ومسلمين وغيرهم معناه وأثره في النفوس والمشاعر وأصبحت تجترّه الألسن كأنّه خبرٌ عاديٌّ. ولذلك لا بدّ لمن يقومون على وضع مدوّنة الإجرام الصهيوني أن يتوقفوا طويلاً عند أعمال الإبادة هذه ووصفها بكلّ تفاصيلها وأبعادها، والحديث عن القتل العشوائي للمدنيين من نساءٍ وأطفال ومسنّين وذوي احتياجات خاصّة وقصف المنازل بصواريخ وقنابل ذات قدرة تدميرية عالية، وتفجير مربّعات سكنية كاملة، وقصف مخيّمات النازحين بالطائرات وإحراقها على من فيها، وعمل مقابر جماعية ودفن الناس وهم أحياء، وارتكاب مجازر يوميّة وأحزمة نارية يذهب ضحيّة كلّ منها عشرات بل مئات الشهداء بحيث يعجز المسعفون والمنقذون عن انتشال الجثث من تحت الركام والأنقاض. ويتبع ذلك كلّه ما لحق ويلحق أهل غزّة من التشريد والتهجير والملاحقة بالقصف والقتل من حيّ إلى حيّ ومن شارع إلى شارع ومن مدينة إلى مدينة ومن مخيم إلى مخيّم.
ومن أبشع صور الجرائم التي يرتكبها الصهاينة ضدّ أهل غزّة التجويع والتعطيش ومنع دخول الغذاء والدواء والوقود كي يموتوا جوعاً وعطشاً ومرضاً، ويتّصل بذلك اغتيال لجان العشائر التي توزع المساعدات، وتدمير المخابز، وقصف المنظمات الإغاثية ومنع وصولها إلى غزّة واستهداف المدنيين الذين ينتظرون وصول المعونات والطرود واستهداف الشاحنات التي تحمل موادّ الإغاثة وتسليط المستوطنين عليها لمنعها وتخريبها.
ومن هذه الصور أيضاً اقتحام بيوت الآمنين في أوقات متأخرّة من الليل والعبث بمحتوياتها وتخريبها واعتقال الشباب والنساء والأطفال والقيام بإعدامات ميدانية بدم بارد والتمثيل بجثث الشهداء ودوسها بالعربات العسكرية وتقطيعها إلى أشلاء.
ومن ذلك أيضاً تدمير البنى التحتية في المدن والمخيمات وتخريب الشوارع بالجرافات المجنزرة وتخريب شبكات المياه والمجاري والكهرباء والمواصلات وآبار المياه.
ومن صور الجرائم الموغلة في الوحشية والبشاعة مداهمة المستشفيات وقصفها على رؤوس المرضى والطواقم الطبية وقتل من فيها ودفنهم أحياء واعتقال المرضى والأطباء والمسعفين واستهداف عربات الإسعاف ومنعها من الوصول للمصابين الذين ينزفون حتى الموت.
ومنها كذلك استهداف الصحفيين ووسائل الإعلام وعدم التردد في قتلهم ومنع طواقم الإسعاف من الوصول إليهم وقصف منازل أهاليهم.
ومن صور الجرائم الوحشية التي يرتكبها الصهاينة سرقة الأموال والمجوهرات من المنازل التي يقتحمونها ومن المصارف التي يداهمونها.
ومنها أيضاً نبش المقابر وسرقة الجثامين ونقلها إلى الكيان المحتلّ، وكذلك سرقة أعضاء المعتقلين والشهداء.
ومنها تدمير المساجد والمدارس والجامعات والكنائس وملاحقة أساتذة الجامعات واغتيالهم، بالإضافة إلى تدمير المعالم الأثرية التاريخية العريقة، ومن ذلك أيضاً التفنن في تعذيب المعتقلين وتركهم بلا علاج أو دواء وقتلهم داخل المعتقلات، فضلاً عن إذلالهم بتجريدهم من ملابسهم وإطلاق الكلاب المسعورة عليهم ومنع أهالي الشهداء من إقامة بيوت العزاء، وسرقة مواشي الفلسطينيين واقتلاع أشجارهم وحرق مزروعاتهم، وغير ذلك من الصور التي لا تعدّ ولا تحصى لكثرتها.
إنّ كلّ صورة من هذه الصور تحتاج إلى مجلّدات ضخمة عديدة لاستيعاب الحالات والممارسات التي تندرج تحتها، كما تحتاج إلى أعداد كبيرة من المؤرّخين والباحثين والإعلاميين والقانونيين والمؤسسات العلمية والبحثية للقيام بها وتدوينها. وهنا يأتي دور المثقفين والكتّاب وأساتذة الجامعات وخبراء القانون ورجال السياسة الذين لا عذر لأحدٍ منهم في التقاعس عن القيام بواجبه في فضح هذه الجرائم الصهيونية والمطالبة بالتصدّي لها ومحاسبة كلّ من كانت له يدٌ في ارتكابها.
Salahjarrar@hotmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-06-2024 09:39 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |