27-06-2024 09:28 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
أحالت الهيئة المستقلة للانتخاب قبل أيام إلى الإدعاء العام قضيتين جزائيتين تتعلقان بشبهات التأثير على إرادة الناخبين بالمال وارتكاب جريمة شراء الأصوات، حيث يعتبر هذا الإجراء تكريسا للولاية العامة للهيئة في الإشراف على جميع الشؤون المتعلقة بالانتخابات النيابية وإدارتها في كافة مراحلها، وذلك بما يتوافق مع أحكام المادة (67) من الدستور.
وقد أثار هذا القرار تساؤلات قانونية حول الإطار الزمني لارتكاب جريمة شراء الأصوات، خاصة وأن مرحلة الدعاية الانتخابية للقوائم المحلية والوطنية لم تبدأ بعد. فالبعض يعتقد أن جريمة شراء الأصوات ترتكب فقط أثناء فترة الدعاية الانتخابية، وهي المرحلة التي لم تصلها الهيئة المستقلة للانتخاب بعد.
إن جريمة شراء الأصوات قد اختلفت طريقة معالجتها في قانون الانتخاب الحالي عنه في القوانين السابقة وذلك من حيث الأشخاص الذين يتم ملاحقتهم بارتكاب هذا السلوك الجرمي، ووقت ارتكاب هذه الجريمة والتبعات السياسية المترتبة على ثبوتها.
فمن خلال استعراض أحكام المادة (63) من قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم (4) لسنة 2022 نجد بأنها تنص على أن «يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين كل من أعطى ناخبا مباشرة أو بصورة غير مباشرة أو أقرضه أو عرض عليه، أو تعهد بأن يعطيه مبلغا من المال أو منفعة أو أي مقابل آخر من أجل حمله على الاقتراع على وجه خاص أو الامتناع عن الاقتراع، أو للتأثير في غيره للاقتراع أو الامتناع عن الاقتراع».
فما يستفاد من هذا الحكم التشريعي أن جريمة شراء الأصوات لا يقتصر نطاقها الزمني على فترة الدعاية الانتخابية التي تبدأ بقبول طلبات الترشح، وإنما يمكن ارتكابها في أي مرحلة من مراحل العملية الانتخابية، وذلك بدء من تحديد موعد إجراء الانتخابات النيابية من قبل مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب حتى يوم الاقتراع. فالفاعل من جريمة شراء الأصوات لم يشترط القانون أن يكون مترشحا أو أن يتم ارتكابها خلال فترة الدعاية الانتخابية، وإنما جاء النص التشريعي مطلقا بأن اعتبر كل من أعطى ناخبا أو أقرضه أو عرض عليه مبلغا من المال ?و منفعة مادية أو معنوية مرتكبا لجريمة شراء الأصوات وذلك لغايات الملاحقة الجزائية.
هذا على خلاف الحال في قوانين الانتخاب السابقة حتى عام 2016 التي كانت تنص صراحة على أنه «يحظر على أي مرشح أن يقدم للناخبين من خلال قيامه بالدعاية الانتخابية أي هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية أو غير ذلك من المنافع، وبأنه يحظر على أي شخص أن يطلب لنفسه أو لغيره أي هدايا أو تبرعات أو مساعدات أو الوعد بها من أي مرشح».
فهذا التوسع في وقت ارتكاب جرم شراء الأصوات في قانون الانتخاب الحالي يتوافق مع الصور المتعددة للسلوك الجرمي الخاص بهذه الجريمة، والتي لم تعد تقتصر على إعطاء الناخب مالا أو منفعة مادية لدفعه للتصويت بشكل معين، وإنما اتسع نطاق هذا السلوك ليشمل تقديم المال أو المنافع للناخبين لحملهم على عدم المشاركة في عملية الاقتراع.
ومن الدلائل التشريعية الأخرى على أن قانون الانتخاب الحالي قد توسع في الإطار الزمني لارتكاب جريمة شراء الأصوات أنه قد نص في المادة (20) منه على أنه «بعد إعلان الهيئة عن موعد الاقتراع يجوز للراغب بالترشح الافصاح عن نيته تلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط، إلا أنه يُحظر عليه ممارسة أي أنشطة انتخابية أو دعائية مدفوعة الأجر أو ذات كُلَف مالية، أو تقديم أي نوع من الهبات أو المعونات أو المساعدات بعد هذا الإفصاح».
وعن النتائج السياسية المترتبة على ثبوت ارتكاب المترشحين لجريمة شراء الأصوات، فقد أعاد قانون الانتخاب الحالي حكما ايجابيا كان موجودا في قوانين الانتخاب القديمة يتمثل بحرمان المترشح الذي يُدان بجريمة شراء الأصوات من حقه في الترشح في الدورة الحالية أو التي تليها بحسب مقتضى الحال.
فهذا الحكم كان موجودا في قانون ذيل لقانون الانتخاب للمجلس التشريعي لعام 1928 الذي كان يعاقب كل من يعرض نقودا على الناخب لإغرائه على التصويت أو الامتناع عن ذلك بالحبس، مع حرمانه من تاريخ إدانته ولمدة ست سنوات من أن يسجل كمنتخِب أو أن يصوت في أي انتخابات في شرق الأردن.
كما كانت المادة (37) من قانون الانتخاب رقم (9) لسنة 1947 تعاقب كل من يقوم بإغراء أو تهديد أو إكراه الناخبين على التصويت على وجه خاص أو استعمال الغش والخداع لتضليلهم بالحبس، مع حرمانه من حق الانتخاب لمدة خمس سنوات من تاريخ الحكم عليه.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-06-2024 09:28 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |