حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 19489

ما بين زمالةٍ، وصداقةٍ، وصدق .. أسئلةٌ تبحث عن أجوبةٍ.

ما بين زمالةٍ، وصداقةٍ، وصدق .. أسئلةٌ تبحث عن أجوبةٍ.

ما بين زمالةٍ، وصداقةٍ، وصدق .. أسئلةٌ تبحث عن أجوبةٍ.

29-06-2024 05:48 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : السفير قيس شقير
تُعرف مجتمعاتنا العربية بحميمية علاقاتها الاجتماعية وكثرة الترحيب والتأهيل والتشديد على التضييف تأديةً للواجبٍ، وتاصيلًا للعادات والتقاليد الموروثة جيلًا بعد جيلٍ. وصمدت علاقاتنا تلك أمام زحف مدنيةٍ تخلو من قيمنا، حملت إلينا مظاهر اجتماعيةً من غربٍ موحلٍ بالماديات، مولعٍ بتكنولوجيا صلبةٍ باردةٍ أكملت حلقةً لا يبدو الخروج منها متاحًا إلا لمن أراد أن ينزوي بعيدًا في عالمه.

وأين نحن في هذا العالم الذي بات قريةً صغيرةً كما نقول؟ وأين منا قيم الزمالة والصداقة، وحقوقها؟ وأين الصدق الذي اشتققنا منه الصداقة تلك؟ أما زال خلقًا نتحلّى به من وازعٍ دينيٍ وإنسانيٍ، أم أنّ الأمر مضى تحت عباءة قيمٍ مستحدثةٍ عنوانها البراغماتية، أوالواقعية، أو التعاطي المرن مع مستجدات عالمٍ ماديٍ، استهلاكيٍ، تنافسيٍ؟ وزد على ذلك ما شئت من ذرائع.

وهل حقًا أن لا صداقة في العمل؟ وأنّ ما يجمعنا في الزمالة هو مصلحةٌ علينا قضاؤها تحقيقًا لمنفعة طرفيها؟

وإن كانت الزمالة كذلك، فكيف نحسب الوقت الذي نقضيه مع زميلٍ قد يطول سنينًا؟ وقتٌ قد يزيد عمّا يجمعنا ببعض أهلنا، وعشرةً نغلّفها بعباراتنا الدارجة مثل: "صار بينّا عيش وملح"، وبما هو أكثر من روابط الاجتماع على مائدة الطعام، إذ قد نأمن لزميلٍ أن يحفظ لنا خصوصياتٍ لا نشاركها أقرب الناس إلينا. فلم لا تصل الزمالة إلى صداقةٍ حميمةٍ صادقة؟ وأين منّا الصديق الصدوق، وصديقك من صدقك لا من صدّقك؟ أحقًا هو كالعملة النادرة؟ أليس في السؤال هذا ما يشي بتغلغل الماديات في كل شؤوننا حتى اقترنت الصداقة عندنا بالعملة، أي بالمال، وبالمصلحة والمنفعة؟

ما من شكٍ أن مثل تلك الأسئلة متداولٌ بيننا، نثيرها كلما صادفنا موقفًا نلوم به أنفسنا على صداقة زميلٍ خيّب حسن الظن به إذا ما ارتقى في سلّم الوظيفة درجةً، أو إذا قضى الله لنا فافترقنا بحكم وظيفةٍ أخرى، أو ظرفٍ اجتماعي ما.

وبعد، فما زال في الجعبة أسئلة: فهل أحسنّا الإفادة من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لجسر هُوة المسافات بيننا، أم أنها زادت من عزلتنا وأحكمت الطوق على أنانية فرديتنا؟

أما أصبحنا نستعيض برسالة الواتس عن زيارة أخٍ وأختٍ وقريبٍ وصديق؟
أما غدونا نستعيض بالرسالة تلك عن الاتصال الهاتفي على سهولته مقارنةً بما كنا نتكبده من تكلفةٍ ماديةٍ لإجراء اتصالٍ دوليٍ؟ أما غدا همنّا أن نحصي عدد "اللايكات" لما ندوّنه على وسائل الاتصال على حساب صلة الرحم، وإدامة المودة مع من نحب؟ أما غدا معيار التواصل: إن أرسلت لي، أرسلت لك، وإن ابديت إعجابًا بما كتبت، بادلتك الإعجاب، وإلا فلا دوام للصداقة تلك؟

لقد أمسى التواصل الاجتماعي بحلته التكنولوجية المتطورة ثقافةً تعتمد الشكل لا المضمون، ثقافةٌ لا تعكس بالغالب مشاعر حقيقية، فاستسهال التواصل ألزمنا بيوتنا، وعالمنا الذي نحمله بأيدينا؛ بالهاتف النقال الذي بفضله بتنا نتسوّق، ونسدّد ما علينا من فواتيرٍ ومطالباتٍ ماليةٍ أخرى ونحن جلوسٌ في منازلنا، فانطفأت جذوة تواصلنا الملموس باليد والمحسوس بالوجدان، وحال حاجزٌ غير مرئي بيننا، فما عاد التلاقي كما كان حتى داخل الأسرة الواحدة، فكلٌ على هاتفه، الأخ والأخت، والأب والأم، يضمّهم بيتٌ واحدّ، فيما يعيش كلْ منهم في عالمه.

وأختم بسؤالٍ من عدة جُملٍ يلحّ على إجابةٍ: كيف لنا أن نستعيد ما فقدنا من صدق مشاعرٍ وحميمية علاقةٍ، فنستوعب تكنولوجيا التواصل لنستعيد بها ألق مشاعر ما كنّا نضعها في قوالب شكليةٍ فحسب، بل كانت تعتمر وجوهنا، وتسكن قلوبنا، وتتبادلها عيوننا، فتنسج حديث روحٍ لا جسد، قلناه نثرً جميلًا، وشعرًا عذبًا ما غابت عنه لغتنا المحكية البسيطة، بل أبدعت به قولًا؟؟؟











طباعة
  • المشاهدات: 19489
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
29-06-2024 05:48 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم