01-07-2024 05:44 PM
بقلم : د. رياض الشديفات
" على قد لحافك مد رجليك "
تعرضت المجتمعات المعاصرة إلى غزو ثقافي متعدد الأبعاد، ومن هذه الابعاد الغزو المتعلق بنمط الحياة المتمثل بالثقافة المادية وما يرافقها من ثقافة الاستهلاك دون ضوابط مع العلم أن المنطق البسيط الذي تعلمناه من الآباء والأمهات " على قد لحافك مد رجليك " فالنفقات يجب أن تكون منسجمة مع مستوى الدخل ، فإذا كانت النفقات أكثر من الدخل حدث العجز ، ومع غياب هذه المبادئ البسيطة تحول المجتمع إلى مجتمع استهلاكي بامتياز ، يستهلك كل شيء ولا ينتج شيء من حاجاته مما وضع الأفراد أمام ضغوط اقتصادية ونفسية واجتماعية هائلة لم يعد يسلم منها أحد .
ومن خطر الحياة الاستهلاكية أنها زادت من الضغوط الحياتية كالضغوط النفسية وكثرة الأمراض بسبب متطلبات الحياة، فالنمط الاستهلاكي في مجتمعاتنا ركز على المظاهر والقشور والركض واللهث خلفها مما أفقد الحياة جوهرها وبهجتها، وتحول كثير من الناس إلى عبيد للمظاهر ظناً منهم أنها تجلب لهم الراحة والسعادة رغم كلفتها الباهظة من الضغوط والأزمات المالية والاجتماعية وعدم قدرة غالبية أفراد المجتمع على مجاراتها.
ومن الخطورة بمكان أن يكون الاستهلاك على حساب الإنتاج، فقد كانت الأسرة في بلادنا تنتج غالب ما تحتاج إليه وتعرف قيمة العمل، أما اليوم بفعل ثقافة الاستهلاك فنحن نستهلك كل شيء ولا ننتج شيء، فدرجة الإفراط في الاستهلاك دخلت جميع مفاصل الحياة في البيوت والأثاث وتجديده وتبديله، وفي السيارات وموديلاتها، وأجهزة الاتصالات مع الصغير والكبير وتتبع سرعتها وذكائها ونوعيتها، وفي المناسبات الاجتماعية لدرجة الإدمان الاجتماعي.
وفي اللباس وموضات الأزياء ، وزراعة الشعر والأسنان والأظافر ، وفي استهلاك المياه والكهرباء والنت ، وفي الطعام والشراب والحلوى ، وفي التعليم والصحة لدرجة المشابهة والمجاراة في المظاهر التعليمية والشهادات ، مما أدى إلى الاقتراض من البنوك واللجوء إلى التسهيلات البنكية ، هذه السلوكيات حولت المجتمع إلى رهائن لهذه الثقافة ليتباهى الأفراد بما لديهم من مظاهر وخدمات ، ووصل الأمر ببعض الطفرانين جلب الخادمات والشغالات كمظهر اجتماعي ، وفي المحصلة المواطن العادي يدفع ضريبة هذا النمط ديون متراكمة وتدمير ممنهج لقيمنا ليبيع الأرض والصوت الانتخابي ، والمزمار والربابة والشبابة ، فالاستهلاك المفرط يهدد سلامة المجتمع وبنيانه ، فهل نعيد النظر في نمط الاستهلاك ؟ والمطلوب تذكر المحرومين والمعوزين والجياع والمحاصرين، فلا تدري ماذا تخبئ لك الأيام. والله المستعان.
د. رياض الشديفات /1/7/2024م
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-07-2024 05:44 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |