حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,22 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 3248

ثقافة الاختلاف أم ثقافة الإلغاء

ثقافة الاختلاف أم ثقافة الإلغاء

ثقافة الاختلاف أم ثقافة الإلغاء

16-07-2024 08:36 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
تتميّز المجتمعات المدنيّة بقبولها لفكرة الاختلاف بين أفرادها وجماعاتها، لتنتج بذلك حالةً صحيّة تسمو بفكرة البناء إلى أرفع درجاتها، وتقلّلُ من عمليات الهدم إلى حدّ التلاشي، لأنّ الاختلاف يُوجد حالة ذهنيةً تدفع إلى المراجعة وإعادة التفكير، للخروج بفكرة جامعة، وإن لم يحدث ذلك، يظلُّ الاختلاف على الأقل، فرضيةً قابلةً لإثبات إحدى وجهات النظر في المستقبل القريب لأحد المختلفين.

يرتبط الاختلاف جدّا بحرية الرأي والتعبير، التي وصفها فولتير بقوله (إنّني أختلف معك في كل كلمةٍ تقولها، لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في قول ما تريد)، أو كما وصفها الشافعي حين قال (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، وهذا بطبيعة الحال يعني الاعتراف بالآخر وعدم إلغائه مطلقًا.

إلغاء الآخر، احتكار الحقائق والمبادئ، إلصاق التهم الجاهزة، المعلّبة، والمعبأة بصناديق الذات المتضخمة، التي لا ترى في الآخر وجودًا وكينونةً، مشكلة كبرى، تستدعي من صاحبها النزول من برجه العاجي، ليرى الناس على طبيعتهم وليروه هو على طبيعته، فكم من أشقّاء وأصدقاء خسروا بعضهم لأجلِ جدل لا ناقة لهم فيه ولا جمل، أو على قضيةٍ لا تعني أيّا منهم بشكلٍ مباشر، لأنّ كلًا منهم يرى أنّ الحقيقة المطلقة إلى جانبه، غاضًا البصر عن زوايا الحقيقة الأخرى التي لا يريد رؤيتها، تطبيقًا للمثل القائل (عنزة ولو طارت).

حين يختلف بعض أبناء المجتمع الواحد على أمرٍ ما دون أن يتقاطعوا على نقاط اتفاقٍ بينهم - هذه النقاط التي يرونها ويشيحون بأنظارهم عنها - فإنّنا نكون أمام حالةٍ لا يمكن وصفها إلّا بالبحث عن الشعبويات، مهما كانت الأسباب والمبرّرات التي يسوقونها، حتّى وإن كانت محقّة في بعضها، ذلك أنّ للآراء المخالفة أيضًا ما يبررها، وينطبق عليها أيضًا وصف (الشعبويات)، حتى ولو كانت هي الأخرى محقّة في بعضها.

إلغاء الآخر، وإقصائه، شيمة الضعفاء، لأنّ القويّ لا يخاف من الأفكار المخالفة، لا بل ربما يتبّنى بعضها إن رأى فيها شيئا من الحق والحقيقة، أمّا الضعيف فلا سبيل أمامه سوى إعلاء الصوت والصراخ، والتشكيك بكل مخالف، ليواري ضعف حجّته ومنطقه، أو اغتيال شخصية المخالف بالتهم الجاهزة المعلّبة.

أول المُطالبين بقبول الآخر والاعتراف بوجوده، وتقبّل حقيقة الاختلاف باعتبارها طريقًا للحوار للوصول إلى الحقيقة، هم المثقفون قادة الرأي، والذين أكثرهم في واقع الأمر، وبكل أسف، أول من يمارس ثقافة الإلغاء وإقصاء الآخر المخالف.

الشاعر المحامي أكرم الزعبي
الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين








طباعة
  • المشاهدات: 3248
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
16-07-2024 08:36 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم