17-07-2024 08:31 AM
سرايا - أ.د. سلطان المعاني - يُعد كتاب «علم الاجتماع ودراسة المجتمعات: من المحافظة والتقليد إلى الابتكار والتجديد»، إضافة قيمة للمكتبة العربية، حيث يتناول تطور علم الاجتماع ودوره في تحليل وتفسير البنى والوظائف الاجتماعية والثقافية.
ويُسلط الكتاب الضوء على أهمية الابتكار في تطوير النظريات والسياسات الاجتماعية، بعيداً عن الاعتماد المفرط على النظريات الكلاسيكية. يتناول الفصل الأول نشوء وتطور علم الاجتماع من خلال مساهمات علماء عرب وغربيين، مثل ابن خلدون وأوغست كونت وإميل دوركايم، وكيفية تأثيرهم في تشكيل هذا العلم وتطوير مناهجه. كما يُظهر الكتاب مساهمة الفكر الاجتماعي العربي بشكل كبير في وضع الأسس الأولية لعلم الاجتماع، بينما استكمل العلماء الغربيون هذه الأسس من خلال مناهج علمية متطورة.
وفي الفصل الثاني، يركز الكتاب على تحليل بنية الظواهر الاجتماعية والقوانين التي تحكم وجودها وتغيرها، مستعرضاً الجوانب المادية والرمزية للظواهر الاجتماعية. ويناقش كيفية تَشَكُّل هذه الظواهر من تفاعلات متعددة العوامل، وكيف تخضع لقوانين تُفَسِّر استمراريتها أو تَغَيُّرَها بمرور الزمن.
يتناول الفصل الثالث نظريات البناء الاجتماعي، كما طرحها علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا، أمثال دوركايم ومالينوفسكي وبارسونز، مع التركيز على مفهوم الوظيفة الاجتماعية. كما يناقش تَشَكُّلَ البنى الاجتماعية من خلال الأدوار الاجتماعية والمؤسسات، وكيف تساهم هذه البنى في استقرار المجتمع ووظائفه المختلفة.
أما الفصل الرابع، فيناقش أنواع العلاقات الاجتماعية وأشكالها المختلفة، مثل العلاقات الرسمية وغير الرسمية، والعلاقات التعاقدية والتطوعية، وتأثير التكنولوجيا الحديثة على هذه العلاقات. ويتم تحليل كيفية تشكيل العلاقات الاجتماعية من خلال التفاعلات اليومية، وتأثيرها على البنية الاجتماعية ككل.
يحلل المؤلف في الفصل الخامس بنية النظم الاجتماعية المختلفة، مثل النظام الاقتصادي والسياسي، ووظائفها الظاهرة والكامنة، ومساهماتها في تحقيق الاستقرار والتوازن الاجتماعي. وفيه يناقش الكتاب تفاعل هياكل متداخلة تشكل هذه النظم لتحقيق أهداف المجتمع.
ويستعرض المؤلف في الفصل السادس نظريات التغير الاجتماعي والتنمية والتحديث، مع التركيز على دور السياسات الاجتماعية في تعزيز النمو والاستقرار. ويوضح أن التغير الاجتماعي يحدث نتيجة لتفاعل العوامل الداخلية والخارجية، وكيف يمكن للسياسات الاجتماعية المبتكرة أن تساهم في توجيه هذا التغير، نحو تحسين الحياة الاجتماعية. يأتي الفصل السابع إلى التطورات المعاصرة في علم الاجتماع، بما في ذلك النظريات النقدية، التي تسعى لتقديم تفسير مقنع للبنى الاجتماعية، وتحليل دور الفاعلين الاجتماعيين.
ويُعنى الكتاب بتقديم رؤية نقدية للاتجاهات التقليدية في علم الاجتماع، مشدداً على أهمية الابتكار في تطوير النظريات الاجتماعية. ويُعْتبر هذا التَّوجه مهماً، خاصة في ظل التحولات الاجتماعية الكبيرة التي تشهدها المجتمعات الحديثة اليوم، والتي تتطلب تجديداً مستمراً في أدوات التحليل والتفسير.
ومن الميزات البارزة لهذا الكتاب هو تنوع الموضوعات التي يغطيها، حيث يتناول مسائل مختلفة مثل: البناء الاجتماعي، والعلاقات الاجتماعية، والنظم الاجتماعية، والتغير الاجتماعي. كما يقدم الكتاب تحليلاً شاملاً لنظريات متعددة لعلماء اجتماع وأنثروبولوجيا متعددين، مما يسمح بفهمٍ أعمق لتطور الفكر الاجتماعي.
ويولي الكتاب اهتماماً خاصاً للواقع العربي، مستعرضاً سبل تطبيق النظريات الاجتماعية على المجتمعات العربية، وتحليل الظواهر الاجتماعية فيها. ويمنح هذا التركيز الكتاب قيمة إضافية للباحثين والطلاب العرب، الذين يسعون لفهم التغيرات الاجتماعية في مجتمعاتهم. ويتضمن الكتاب، أيضاً، تحليلاً نقدياً للنظريات الكلاسيكية في علم الاجتماع، مثل النظريات الوظيفية والبنائية، مشيراً إلى أنها قديمة، ولا تفي بتفسير التغيرات الاجتماعية المعاصرة، ولذلك يدعو الباحث مجد الدين خمش إلى ضرورة تبني نظريات جديدة، تستطيع التعامل مع التحولات?الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في العالم الحديث.
وتأتي أهمية الكتاب، فوق كل هذا، من عدة جوانب، منها التأكيد على الابتكار والتجديد، والتغطية الشاملة لموضوعات اجتماعية متنوعة، والتركيز على الواقع العربي، متناولاً قضاياها بمنهجية منظمة وشاملة، حيث تم تقسيمه إلى فصول يعالج كل منها موضوعاً محدداً بطريقة منهجية.
يعتبر الكتاب حديثاً، في إصداره، وفي تناوله لموضوعات جديدة علم الاجتماع، وهو يعكس فهماً معاصراً للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويواكب التطورات الحديثة في الأدبيات العلمية، من خلال تناوله للنظريات النقدية المعاصرة، وتفاعله المستمر مع الأبحاث الحديثة. كما يعالج الكتاب القضايا الاجتماعية الحديثة مثل تأثير التكنولوجيا، والتغيرات الاقتصادية والسياسية، مما يجعله مرجعاً قيماً لفهم التحولات الاجتماعية الحالية.
وفي البعد المنهجي، يتميز الكتاب بتحليل نظري قوي، يغطي مجموعة واسعة من الموضوعات، وينجح في تقديم تفسيرات شاملة للبنى والوظائف الاجتماعية، ويمنح اهتماماً خاصاً للسياق العربي. ومع ذلك، قد يجد بعض الباحثين أن الكتاب يحتاج إلى مزيد من الأمثلة التطبيقية، التي توضح آلية استخدام النظريات الاجتماعية في تحليل الحالات الواقعية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون بعض الأجزاء النظرية مكثفة للقارئ غير المتخصص، مما يستدعي توفير شرح مبسط ومزيد من الأمثلة في حواشي الكتاب.
ودون أيِّ شكٍّ فإن هذا الكتاب يشكل مرجعية مهمة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية، وذلك بفضل رؤيته النقدية والشاملة، وهو يقدم مساهمة قيمة في تطوير الفكر الاجتماعي في دراسة وتحليل المجتمعات، فهو يتميز بمنهجيته الصارمة وشموليته، وتفاعله مع الأدبيات الحديثة في مجال علم الاجتماع.
يتبع المؤلف منهجية بحث تعتمد على مجموعة متنوعة من الأساليب النوعية والكمية لتحليل الظواهر الاجتماعية، من خلال المنهج التاريخي الاستقرائي، حيث يستخدم المؤلف التحليل التاريخي لمراجعة تطور علم الاجتماع، من خلال مساهمات العلماء العرب والغربيين، كما يركز على تحليل بنية الظواهر الاجتماعية والقوانين التي تحكم وجودها وتغيرها بمرور الوقت، بالاعتماد على البيانات الكمية والنوعية.
ويتضح من النصوص أن المؤلف يستفيد بشكل كبير من المنهج التاريخي، ويحلل الظواهر الاجتماعية زمنياً لاكتشاف القوانين التي تتحكم في وجودها وتغيرها. كما يستخدم نهج التحليل الوظيفي، أيضاً، لفهم كيفية تشكيل الهياكل الاجتماعية، من خلال الأدوار والمؤسسات ذات العلاقة، وكيف تساهم هذه الهياكل في استقرار المجتمع ووظائفه المختلفة. وعلاوة إلى ذلك، يعتمد خمش في كتابه على نهج التحليل المقارن، ومقارنة النظريات الكلاسيكية والحديثة في علم الاجتماع، وتسليط الضوء على الحاجة إلى الابتكار والتحديث في تطوير النظريات الاجتماعية.
وتشمل الأدوات التحليلية المستخدمة في الكتاب الملاحظة التشاركية، حيث يتفاعل الباحث مع المجتمع المدروس لفهم الظواهر الاجتماعية من الداخل. كما تعتمد هذه الدراسة على الاستبيانات والمقابلات للحصول على بيانات نوعية، تساعد في تحليل العلاقات الاجتماعية، وفهم الآثار المتبادلة بين الأفراد والمؤسسات. كما تّم استخدام الطريقة الإحصائية لتحليل البيانات الكمية، مما أتاح فهما أعمق للأنماط والاتجاهات الاجتماعية المبنية على هذه التشاركية.
عند تحليل بنية الظواهر الاجتماعية والقوانين التي تخضع لها، يذكر خمش إن تطور علم الاجتماع جاء من خلال مساهمات علماء مثل ابن خلدون وأوغست كونت. ولتوضيح هذه النقاط بشكل أفضل، يمكن استخدام دراسات حالة واقعية مثل تطور المجتمعات البدوية في الأردن وتأثير التحديث عليها. وعلى سبيل المثال، يمكن تحليل كيفية تأثير السياسات الحكومية في الأردن على بنية القبائل البدوية، وتحويلها من اقتصادات رعوية إلى اقتصادات قائمة على السياحة. وفيما يتعلق بنظريات البناء الاجتماعي ووظائفه، يمكن تطبيق هذه النظريات على حالات مثل تأثير المؤ?سات التعليمية في الأردن على تشكيل البنية الاجتماعية. ويمكن دراسة دور الجامعات في تعزيز أو تقويض القيم الاجتماعية التقليدية من خلال مناهجها التعليمية وبرامجها التعليمية.
أما بالنسبة للعلاقات الاجتماعية وتأثير التكنولوجيا الحديثة عليها، فيمكن استخدام مثال تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الأسرية في المجتمعات العربية. ويمكن تحليل كيفية تأثير استخدام (Facebook) و(X) على التفاعل الاجتماعي بين أفراد الأسرة، مما يساهم في تغيير نمط العلاقات الاجتماعية التقليدية. وعند مناقشة نظريات التغيير الاجتماعي والتنمية، يمكن تقديم دراسة حالة حول تأثير مشاريع التنمية في المجتمعات الريفية الأردنية على التغيير الاجتماعي. كما يمكن تحليل مشروع مثل مشاريع التنمية الريفية، الذي يهدف إلى ت?سين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لسكان المنطقة من خلال خلق فرص عمل جديدة وتحسين البنية التحتية.
يعد دمج النظريات التقليدية والحديثة جانباً مهماً في توفير إطار تحليلي شامل، عوضاً عن التركيز على نقد النظريات الكلاسيكية والوظيفية في علم الاجتماع فقط، كان من الممكن أن يقدم نقداً أعمق للنظريات الحديثة، مثل نظرية ما بعد الحداثة، ونظرية النظم، ونظرية التفاعل الرمزي. وكان هذا سبيلاً لدمج هذه النظريات مع النظريات التقليدية مما يقدم فهما أكثر شمولا للظواهر الاجتماعية المعاصرة، فعلى سبيل المثال، يمكن تحليل كيفية مساهمة نظرية النظم في تفسير العلاقات المتداخلة للمجتمعات الحديثة، بينما تقدم نظرية التفاعل الرمزي فه?ا أعمق للتفاعلات اليومية بين الأفراد. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الاستفادة من نظريات التنمية المستدامة، والتحولات الاقتصادية والسياسية في المجتمعات النامية، مثل نظرية التبعية، ونظرية التنمية البشرية، لتقديم تحليل متكامل للتغيرات الاجتماعية في العالم العربي، وهذا ما يمكن أن يساهم في إيجاد حلول عملية للمشاكل الاجتماعية الحالية، مثل الفقر والبطالة وعدم تكافؤ الفرص.
وقد عزز من قيمة الكتاب تفاعله مع الأدبيات الحديثة، مما يؤهله للسبق في مواكبة التطورات الحالية في علم الاجتماع. كما يوفر مع النظريات التقليدية والحديثة إطارا تحليليا شاملاً أمكن من خلاله فهم الظواهر الاجتماعية، مما يساهم في تقديم حلول مبتكرة للتحديات الاجتماعية المعاصرة.
ويظهر المؤلف اهتماماً كبيراً بتطوير علم الاجتماع في السياق العربي، من خلال تحليل مساهمات علماء عرب. ومع ذلك، يمكن تعميق التحليل من خلال تقديم مقارنة أوسع نطاقاً بين الظواهر الاجتماعية في المجتمعات العربية والمجتمعات الأخرى، وكذلك تحليل تأثير العولمة على المجتمعات العربية، وكيفية تكيفها مع التغيرات العالمية.
وعند مقارنة الظواهر الاجتماعية بين المجتمعات العربية والمجتمعات الأخرى، من المهم فهم الاختلافات والتشابه في السياقات الاجتماعية المختلفة، بما يمكن من التعامل مع موضوع العلاقات الأسرية، على سبيل المثال. ويُذْكَرُ، هنا، أن العلاقات الأسرية في المجتمعات العربية تتميز بروابط قوية ودور مركزي للأسرة في حياة الأفراد. وبالمقارنة، من الممكن دراسة المجتمعات الغربية التي تشهد تغيرات كبيرة في هيكل الأسرة، مثل ارتفاع معدلات الطلاق، وزيادة الأسر ذات العائل الواحد.
يشكل تأثير العولمة على المجتمعات العربية جانبا آخر يحتاج إلى تحليل أعمق، فقد جلبت العولمة معها تحدياتٍ وفرصاً جديدة لهذه المجتمعات. فعلى سبيل المثال، يمكن النظر في تأثير العولمة الاقتصادية على سوق العمل في البلدان العربية؛ ففي دول الخليج العربي على سبيل التمثيل، ساهمت العولمة في تحول اقتصاداتها من الاعتماد على النفط إلى التنويع الاقتصادي، من خلال الاستثمار في قطاعات مثل السياحة والتكنولوجيا. وقد أثر هذا التحول على البنية الاجتماعية، من خلال خلق وظائف جديدة، وجذب العمالة الأجنبية، مما أدى إلى تغييرات ديموغر?فية واجتماعية كبيرة. ويمكن، أيضاً، دراسة أثر العولمة الثقافية على القيم والممارسات الاجتماعية. فقد أثر انتشار وسائل الإعلام العالمية والثقافة الغربية على القيم التقليدية في المجتمعات العربية، مما أدى إلى زيادة النقاش حول الهوية الثقافية، والحاجة إلى الحفاظ على التراث.، وبالمقابل الاقتراب من المواطنة العالمية، ويمكن الاستفادة من أمثلة واقعية مثل تأثير الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي على الشباب العربي، حيث أصبحت هذه الوسائط منصات للتعبير عن الذات والتواصل مع العالم الخارجي، مما يساهم في تشكيل هويات جديدة ت?ماشى مع القيم العالمية.
وينبغي أن يشمل تحليل أثر العولمة أيضا كيفية تكيف المجتمعات العربية مع هذه التغيرات. ويمكن رؤية السياسات الحكومية الرامية إلى تعزيز الهوية الوطنية في مواجهة التأثيرات الثقافية الأجنبية. على سبيل المثال، يمكن دراسة الجهود المبذولة في دولة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز الثقافة الإماراتية من خلال مبادرات مثل عام التسامح وبرامج التبادل الثقافي التي تسعى إلى تعزيز الحوار بين الثقافات المختلفة، والمواءمة بين الهوية الوطنية والهوية في توجهات المواطنة العالمية. ودون شك، فإن هذه المقارنات والتحليلات تساعد على توفي? فهم أعمق لتأثير العولمة على المجتمعات العربية، وكيفية تكيفها مع التغيرات العالمية، مما يعزز قيمة الكتاب، ويجعله أكثر شمولا وفائدة للقارئ، الباحث عن تحليل متكامل للظواهر الاجتماعية في السياقات المحلية والدولية.
أما مؤلف الكتاب فهو الأستاذ الدكتور مجد الدين خمش، أستاذ علم الاجتماع والسياسات الاجتماعية، وعميد كلية الآداب السابق في الجامعة الأردنية. حصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة في علم الاجتماع من جامعة ميريلاند في الولايات المتحدة الأمريكية. شغل عدة مناصب أكاديمية بارزة وشارك في العديد من اللجان العلمية، وقدم العديد من الأبحاث والمنشورات التي تركز على قضايا اجتماعية مختلفة مثل العنف الطلابي والتنمية والتحديث. من بين كتبه المهمة «النظرية الاجتماعية والمجتمع العربي» و«العولمة الثقافية: تحدي الكونية والخصوصية»، وه?ا الكتاب.
(باحث وأكاديمي بالجامعة الهاشمية)
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-07-2024 08:31 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |