23-07-2024 08:59 AM
بقلم : حسني عايش
النفاق هو المنتج الأول والدائم للديكتاتورية أو الحكم المطلق، فهما يتوقعانه ويطلبانه، فينمو ويزدهر، لأنهما يغرفان من خزينة الدولة دون حساب ويغدقان الأموال ويمنحان الامتيازات للمنافقين. وهو لذلك يتناسب طردياً مع شدة الاستبداد وإنعدام الشفافية وحرية التعبير. النفاق يضخم “أنا” الديكتاتور/ الحاكم المطلق، وينفخ أوداجه كالهرّ مختالاً يحكي صولة الأسد. وبه يتحول المنافق إلى زيت في ماكينة الديكتاتور/ الحاكم المطلق بعد إدمانه على النفاق، فيبتزه المنافق وكأنه ألعوبة بيديه.
والنفاق تكسُّب وارتزاق وانتهازية ووصولية إلى المال أو المركز أيضاً. هكذا كان هدف كثير من الشعراء والأدباء في الدولة العربية الإسلامية طيلة العصور. كانوا يسمونه مديحاً. وكان المتنبي أحد أعظم الشعراء العرب في التاريخ أبرز ممارسيه لسيف الدولة الحمداني ثم عند كافور الإخشيدي، علّه ينال مركزاً في دولة كلاً منهما ومع هذا لم يحصل عليه.
قال صالح بن عبد القدوس في منافق:
قل للذي لستُ أدري من تلّونه : أناصح أم على غشٍ يداجيني
تذمني عِندَ اِقوام وَتَمدحني : في آخَرينَ وَكل منك يَأتيني
والمنافقون نوعان: نوع صاحبه ينافق ليكسب لأن مؤهلاته مقصرة عن بلوغ ما يريد، وهو بمثابة رشوة معنوية للديكتاتور/الحاكم من المنافق، يتوقع حصول المنافق بها على مقابل مكسب مادي أو امتياز... ونوع يخدع المنافق بالنفاق المُنافَق له ليتخذ القرارات اللازمة تلبية لغاية في نفسه. وبما أن كل واحد يحب أن يُقدر فإن النفاق يجعله يشعر بالارتياح لاعتقاده بأن ما يوصف به صحيح، أو ينطبق عليه تماماً. يقول بليز باسكال (1623 - 1662): أنك تستطيع تملك أي إنسان بقولك له: إنه ذلك النوع من البشر الذي لا يمكن تملّقه.
والنوعان يزوّران الواقع وبالتالي التاريخ، فعندما تقرأ الأجيال التالية هذا التاريخ تعتقد أن الخليفة الفلاني أو الحاكم العِلاني كان بطلاً مغواراً، وأن انتصاراته على الأعداء طالت عنان السماء مع أنه لم يشارك في حرب، وأن هارون الرشيد كان يغزو سنة ويحج أخرى، مع أنه لم يكن لديه وقت لذلك لانغماسه في اللهو والمجون مع الغلمان والإماء والجواري والشاعر الشعوبي الغِلماني أبي نواس. وأن المعز لدين الله الفاطمي هو الواحد القهّار. هل كان سيف الدولة – مثلاً– بالفعل بطلاً خارقاً كما وصفه أبو الطيب المتنبي؟ لا تعرف. وعليه فإن النفاق خُلق صغير وشرٌّ مستطير وآفة فتاكة بالصدق والأمانة والعدالة والحقوق الفردية والعامة.
أي إن المنافق سواء أكان راشياً أو خادعاً شخص كذاب يظهر خلاف ما يبطن في كل ما يقول ويفعل ويكتب وينشد أي أن له شخصيتان، والدليل عليه نفاقه بالمبالغة نفسها وباللغة نفسها للديكتاتور الجديد، وإنكاره للديكتاتور السابق عند أول صياح للديك الجديد.
قال صلى الله عليه وسلم: “آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان”.
يقول مفكر: مشكلة كثير من البشر للأسف أنهم يفضلون أن يتذمروا بالنفاق على أن ينجو بالنقد، بل أن بعضهم يفضل أي إشادة به سواء كانت صادقة أو غير صادقة على نقدٍ صحيح مفيد. ولكن الناس – للأسف – يشعرون بالارتياح بالنفاق إليهم لأنهم يعتقدون أنهم يستحقونه كما يقول المفكر والمربي الأميركي وليم جيمس. ويضيف آخر: كل إنسان يحب ان يُعجب به وحتى كاتب هذه السطور وأنت القارئ لها كما يقول المفكر الفرنسي بليز باسكال (1623-1662).
أما المجاملة أو الثناء على الإنجاز فليس من النفاق في شيء، فالمجاملة تصرف منطوٍ على تهذيب أو لياقة أو مراعاة لقواعد السلوك، والثناء والتقدير بمثابة اعتراف بالجهد أو المثابرة أو الإبداع، كما أن الجوع إليه “مصدر كل الآداب والفنون والبطولة” كما يقول أحد المفكرين.
***
“يشتغل الناس في البلدان المتقدمة في الإنتاج. أما الناس في البلدان المتخلفة فينشغلون في بعضهم بعضا”.
***
مثلما قضى الهاتف الخلوي على التلفون الثابت، قضى على الغربة أيضاً، فأنت أينما كنت بعيداً عن أهلك وبلدك لست مغترباً (بالمعنى القديم) ما دمت تتحدث معهم وتراهم عندما وكلما تريد.
***
“يواجه العالم اليوم تحديات وأخطاراً لا تستطيع الدولة الواحدة أن تواجهها وحدها مثل التلوث، والأمن الغذائي، والأمن المائي، والأزمة المالية، والاضطرابات، والحروب الأهلية، والإرهاب، والتوزيع غير العادل للموارد”.
***
“أمنا الطبيعة مريضة ومخطرة وأبناؤها وبناتها لا يعتنون بها. إنهم يلوثونها ويتركونها تموت ولا يدركون أنهم يموتون معها”.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-07-2024 08:59 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |