بقلم : د. عدلي قندح
الملفت للانتباه هو تغير رأي دونالد ترامب الرئيس الاميركي السابق والمرشح الحالي عن الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة فيما يتعلق بعملة البيتكوين وتبنيه لها ودعمه لها وقبوله التبرعات في شكل رموز افتراضية، والتعهد بإنهاء «حرب الرئيس جو بايدن على التشفير»، والدعوة إلى أن يتم تعدين جميع عملات بيتكوين المستقبلية في أميركا. فهذا يمثل تحولاً كبيراً في موقف المرشح الجمهوري للرئاسة.

فقد كان ترامب قد رفض البيتكوين علناً عندما كان في البيت الأبيض. في يوليو 2019، قال إنه «ليس من محبي» بيتكوين والعملات المشفرة الأخرى. وقال إن الرموز ليست أموالاً، وأن قيمتها «مبنية على الهواء»، وحذر من أن الأصول المشفرة غير المنظمة يمكن أن تساعد في تسهيل تجارة المخدرات، من بين «أنشطة غير قانونية أخرى».

وفي الاونة الاخيرة، يمثل انخفاض قيمة عملة البتكوين المشفرة إلى ما دون 60 ألف دولار تحديًا كبيرًا للمستثمرين الذين اعتادوا على ارتفاعات سريعة وقوية في هذه العملة الرقمية. رغم أن انخفاض العملة قد يبدو مقلقًا، فإن تاريخ البتكوين يظهر قدرة هذه العملة على الارتداد والتعافي بعد مثل هذه الانخفاضات. عوامل مثل دخول مستثمرين جدد، اعتماد المؤسسات الكبرى، والتحسينات التكنولوجية المستمرة في عملية تعدين البيكوين قد تدعم عودة البتكوين إلى مستويات أعلى في المستقبل القريب. ومع ذلك، من المهم أن يأخذ المستثمرون في الحسبان أن التذبذب العالي هو جزء من طبيعة الأصول الرقمية.

علاوة على ذلك فان إقرار تعدين البتكوين في روسيا قد يكون له تأثير مزدوج على العملة. من ناحية، قد يؤدي إلى زيادة المعروض من البتكوين نتيجة لانضمام مُعدنين جدد من روسيا إلى السوق، مما قد يضغط على الأسعار. ومن ناحية أخرى، قد يشير هذا الإقرار إلى قبول أوسع للعملات الرقمية وتبنيها كجزء من الاقتصاد الوطني، وهو ما قد يعزز الثقة في البتكوين ويرفع قيمتها على المدى الطويل.

وهنا لا بد من الاشارة الى تأثير الاضطرابات في الأسواق العالمية على أداء البتكوين، فالبتكوين غالبًا ما يعتبر «ملاذًا آمنًا» من قبل بعض المستثمرين، لذلك فإن الاضطرابات في الأسواق العالمية يمكن أن تزيد من الطلب عليه كأداة تحوط ضد التقلبات في الأسواق التقليدية. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن البتكوين لا يزال مرتبطًا بالأصول التقليدية في بعض الأوقات، وبالتالي قد يتأثر بشكل مشابه للأسهم وغيرها من الأصول في حال حدوث تقلبات حادة أو أزمات اقتصادية عالمية.

من جهة ثانية، فان التدفقات الخارجة الأسبوعية من صناديق ETFs لتداول البتكوين هي الأعلى منذ أيار/ مايو، وهذه التدفقات الخارجة الكبيرة من صناديق ETFs قد تكون إشارة إلى أن المستثمرين الكبار يشعرون بالقلق بشأن مستقبل البتكوين على المدى القصير. وهذا يمكن أن يؤدي إلى ضغوط بيعية إضافية على العملة، مما يزيد من التذبذبات السعرية. قد يكون هذا مرتبطًا بعوامل مثل السياسات النقدية المشددة من قبل البنوك المركزية، أو الخوف من تراجع أكبر في السوق الرقمي.

أما فيما يتعلق بتداعيات عملية التنصيف (التي حصلت في أبريل) على البتكوين حتى نهاية العام الحالي، فانها تؤثر على البتكوين بشكل كبير من خلال تقليل مكافآت التعدين، مما يقلل من المعروض الجديد من العملة. تاريخيًا، أدت عمليات التنصيف السابقة إلى ارتفاعات كبيرة في سعر البتكوين في الأشهر التالية. ومع ذلك، فإن تأثير هذه العملية قد يتأخر أحيانًا، حيث يمكن أن يظهر على المدى الطويل، مع زيادة الضغط على المعروض وزيادة الطلب بسبب الندرة المتزايدة. لذلك، من المتوقع أن يكون لهذه العملية تأثير إيجابي على البتكوين حتى نهاية العام، لكن ذلك يعتمد على عوامل أخرى مثل السياسات التنظيمية والتطورات في السوق العالمي.

في ضوء هذه المعطيات المتعددة والمتشابكة، يبقى مستقبل البيتكوين معلقًا على خيط دقيق من التوازنات الدقيقة التي تتداخل فيها العوامل الاقتصادية العالمية مع التوجهات السياسية والتنظيمية المحلية والدولية. فإن أي تغير طفيف في هذه التوازنات قد يؤدي إلى انعكاسات غير متوقعة في أسواق العملات الرقمية، سواء كانت هذه الانعكاسات باتجاه ارتفاع مفاجئ في قيمة البيتكوين نتيجة لزيادة الطلب من مستثمرين يسعون إلى التحوط ضد التضخم العالمي، أو باتجاه انخفاض حاد بسبب تضافر العوامل التنظيمية الصارمة مع تقلص التدفقات الاستثمارية في هذه الأصول الرقمية. كل هذا يجري في ظل بيئة مالية تتسم بالتقلبات الحادة والضغوط الاقتصادية المستمرة، مما يجعل من الصعب توقع المسار الدقيق الذي ستسلكه البيتكوين في المستقبل القريب.

بالنسبة للأردن، من الضروري العمل على تطوير إطار تنظيمي متكامل لتداول العملات الرقمية بما يضمن حماية المستثمرين ويعزز من استخدام هذه التكنولوجيا بشكل آمن ومستدام. يجب أن يأخذ هذا الإطار بعين الاعتبار التجارب العالمية والتحديات المحلية، مع التركيز على تعزيز الابتكار في القطاع المالي وتشجيع الشركات الناشئة على تبني التكنولوجيا المالية المتطورة بما يسهم في تحسين الأداء الاقتصادي وتحقيق النمو المستدام.