14-08-2024 10:13 AM
بقلم : سائد كراجة
مفهوم الدولة "الوطنية " مفهوم أوروبي بحت ترجم إرادة الشعوب الأوروبية في الانعتاق من حكم الدين والمذاهب إلى حكم الدساتير، وأنهت مفهوم الأمة والإمبراطوريات التي تقوم على العرق، وتبنت مفهوم الدول التي تقوم على المواطنة باعتبارها علاقة تعاقدية تحدد حقوق الأفراد وواجباتهم مستندة لمبدأ سيادة القانون على الجميع، تحمي حق التدين وحقوق الإنسان عموما والسلطة فيها " للأغلبية البرلمانية» مع ضمانة حقوق الأقلية وضمان تداول السلطة بينهم. وقد توج الأوروبيون إرادتهم هذه في معاهدة وستفاليا عام 1648.
بانتهاء الحرب العالمية الثانية وبسبب نتائجها الكارثية؛ اتجهت أوروبا لفكرة التكامل الأوروبي، وأنشأت بموجب معاهدة روما عام 1957 نواة السوق الأوروبية المشتركة، ورغم تمسكها بمفهوم الدولة " الوطنية " إلا انها انطلقت لفضاء " وحدوي» لا يقوم على الشعر ولا على روابط اللغة ولا الدين، بل يقوم على رابطة المصلحة الاقتصادية ورفاه الأفراد، حيث اتاحت للمواطن حرية التجارة والتنقل بين دولها الذي أصبح مصدر ثراء اقتصادي وثقافي عظيمين!
الدول العربية "الوطنية» التي نشأت في الشرق والغرب العربيين كانت مشاريع استقلال برعاية مستعمرها ذاته، وظل استقلالها الاقتصادي والسياسي مرهوناً للغير، وبغض النظر عن مدى اعتمادية كل دولة منها على دولة غربية ومدى ارتهانها لها، فإن لا وفرة المال ولا قلته ساعد على الاستقلال التام للدول العربية عن مستعمريها بحلتهم الجديدة كحلفائها، وأنت اليوم في أي دولة عربية لا تقوى على اتخاذ قرار بمعزل عن ارتهانات الدولة العربية السياسية والعسكرية والاقتصادية!.
تجربة العرب الوحدوية مأساة، فرغم ضرورة وأهمية التكامل العربي لاستقلال الدول العربية، فإن التجارب الوحدوية العربية التي نادت برابطة الدم والدين واللغة والموقع لم تحترم أيا من هذه الروابط، وخلفت تجارب مأساوية أهمها تقديس الطاغية والاستبداد وشق الصف العربي وتحقير الديمقراطية وسيادة القانون.
لا مستقبل للعالم العربي دون الاستقلال عن المستعمر الأنيق "الحليف» ولا إمكانية للاستقلال دون تكامل اقتصادي وسياسي وعسكري عربي، فإن أغلب الدول العربية تواجه تحدياً وجوديا سياسيا واقتصاديا ينبئ بمزيد من التبعية والانقياد!
أقول ما قلت وأنا أتأمل في هذا العالم العربي الخامل التابع الذي فشل في رهان الديمقراطية، وفشل في رهان سيادة القانون وفشل في رهان تكريس المواطنة وهو في أغلب ممارساته يقبع في ذهن وسلوك ما قبل الدولة الحديثة، وتراه اليوم يجلس في مدرجات المتفرجين على اللعبة السياسية في المنطقة حيث الدول تصنع الأحداث والتاريخ، تتفق على مخرجات نزاعاتها - حجم الرد ومعنى الرد وتوقيت الرد - وبالوقت نفسه تتفاوض على مكتسبات وعوائد علاقاتها مع بعضها مع بعض، تنفذ مسرحيات على مسرح الأحداث العالمي بشعارات
" دينية " أو مدنية، وشعبية، وفي الخفاء تجري صفقات عنوانها مصلحتها الوطنية الخالصة، أما هذا العالم العربي فبكل روابط الدم والشعر والدين والعرق فإنه يفشل في وقف حرب دنيئة على أهل غزة، مشهد كئيب جنابك يثبت أن الحصار والاستعمار لا يقتصر على غزة ولا على أهلها !!
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-08-2024 10:13 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |