14-08-2024 10:26 AM
بقلم : د. عدلي قندح
شهدت العملات المشفرة، وعلى رأسها البيتكوين، تحولاً جذرياً في العقد الأخير، حيث انتقلت من كونها أداة تجريبية ومحدودة الانتشار إلى عنصر مهم في المشهد المالي العالمي. هذا التحول كان نتيجة للعديد من العوامل، بما في ذلك تطور التكنولوجيا وتزايد قبولها في التعاملات المالية الدولية، إلى جانب توجهات الدول الكبرى والمؤسسات العالمية.
اتخذت الولايات المتحدة الأميركية وروسيا مواقف متباينة تجاه العملات المشفرة. في الولايات المتحدة، أصبح البيتكوين والعملات المشفرة جزءًا من الاقتصاد الرقمي المتنامي، مع تزايد القبول من قبل المؤسسات المالية الكبرى والشركات التكنولوجية. بل وتعدى الأمر إلى السماح بتداول العقود الآجلة للبيتكوين في البورصات الأميركية، ما يعزز الشرعية التي تحظى بها هذه الأصول الرقمية. أما روسيا، ففي البداية كانت أكثر تحفظًا، حيث اتخذت خطوات لتنظيم هذا القطاع من خلال فرض قيود على تداول العملات المشفرة واستخدامها، مع التركيز على تطوير عملة رقمية سيادية قد تعزز من سيطرتها على الاقتصاد الرقمي. إلا أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وقع قانونين حول تعدين العملات المشفرة واستخدامها في التجارة الخارجية والتداولات. وتم نشر الوثائق حول هذين القانونين على البوابة الرسمية للحكومة الروسية حيث يدخل قانون تعدين العملات المشفرة الجديد بما في ذلك «البتكوين»، في روسيا حيز التنفيذ انطلاقا من نوفمبر المقبل والقانون الآخر يفسح المجال أمام استخدام العملات المشفرة على أساس تجريبي في التجارة الخارجية وفي التداولات، وتم تكليف البنك المركزي الروسي بتنظيم هذه العمليات. ويذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقع في يوليو الماضي قانونا حول إطلاق الروبل الرقمي في البلاد، بالإضافة إلى إطلاق منصة إلكترونية للعملة الرقمية الروسية، حيث يعتزم البنك المركزي الروسي «بنك روسيا» السماح للبنوك الأجنبية بالعمل بالروبل الرقمي اعتبارا من العام 2025.
كما شهدت تكنولوجيا تعدين العملات المشفرة تحسنًا كبيرًا، ما أدى إلى زيادة كفاءة التعدين وتقليل تكلفته. هذا التحسن ساهم في زيادة عرض البيتكوين في الأسواق، ما رفع من عدد المستثمرين والمتداولين فيه. كما أن انتشار التعدين على نطاق واسع عزز من لامركزية شبكة البيتكوين، مما زاد من صمودها أمام محاولات السيطرة أو الإغلاق من قبل الحكومات أو المؤسسات المالية التقليدية.
تزايد قبول البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى كوسيلة للدفع في العديد من الدول، كما بدأت بعض الشركات الكبرى في اعتمادها كأداة تسوية في التجارة الدولية. هذا القبول المتزايد يعكس تغيرًا في نظرة المجتمع الدولي نحو العملات المشفرة، حيث لم تعد تُعتبر مجرد أصول مضاربة، بل أصبحت وسيلة حقيقية لتنويع وسائل الدفع والتخفيف من الاعتماد على النظام المالي التقليدي.
وتشكل العملات المشفرة تحديًا كبيرًا للسيولة النقدية العالمية، حيث أن تداولها لا يخضع لنفس القيود التي تخضع لها العملات الوطنية. هذا يزيد من القدرة على تحويل الأموال عبر الحدود دون تدخل البنوك المركزية أو السلطات المالية، مما يعزز من تدفق رأس المال على مستوى عالمي.
السؤال المحوري هو: هل يمكن للبنوك المركزية والحكومات فرض رقابة فعالة على العملات المشفرة؟ في ظل الطبيعة اللامركزية للبيتكوين والعملات المشفرة الأخرى، يصبح من الصعب فرض رقابة شاملة. ومع ذلك، تعمل العديد من الدول على تطوير إطار قانوني وتنظيمي يمكن من خلاله مراقبة النشاطات المرتبطة بالعملات المشفرة، بما في ذلك فرض ضرائب على الأرباح ومكافحة غسل الأموال. فيما يتعلق بالتضخم وعرض النقد، فإن تداول العملات المشفرة قد يؤدي إلى تقليل الطلب على العملات الوطنية، مما يؤثر على السياسات النقدية التقليدية. هذا قد يؤدي إلى تغييرات في استراتيجيات البنوك المركزية، مثل تعديل أسعار الفائدة أو تبني سياسات جديدة لمراقبة عرض النقد.
في الأردن، أصدر البنك المركزي مذكرة بتاريخ ٢٠ شباط ٢٠١٤ تمنع التعامل بالعملات المشفرة، بما في ذلك البيتكوين، وذلك استنادًا إلى مخاطرها العالية وتقلباتها وعدم خضوعها لأي جهة رقابية. هذا القرار يعكس حرص البنك المركزي على حماية الاقتصاد الوطني والحفاظ على استقرار الدينار الأردني. ولكن مع التحولات الكبيرة التي شهدتها الولايات المتحدة الأميركية، خاصة بعد القبول المتزايد للبيتكوين والعملات المشفرة الأخرى، قد يكون من الضروري إعادة تقييم هذا القرار. خاصة وأن الدينار الأردني مرتبط بالدولار الأميركي، والسياسة النقدية الأردنية مرتبطة بشكل وثيق بالسياسة النقدية الأميركية. أي تحولات كبيرة في موقف الولايات المتحدة تجاه العملات المشفرة قد تدفع البنك المركزي الأردني إلى مراجعة موقفه وتقييم ما إذا كان من الممكن تبني نهج أكثر مرونة، يسمح بالاستفادة من فوائد هذه الأصول الرقمية مع الحد من المخاطر المحتملة.
تشكل العملات المشفرة تحولا كبيرا في النظام المالي العالمي، مع تزايد قبولها وتحسن التكنولوجيا المتعلقة بها. إلا أن هذا التحول يثير تحديات كبيرة تتعلق بالسيولة النقدية والمراقبة الحكومية وتأثيرها على التضخم. في نهاية المطاف، ستحدد كيفية استجابة البنوك المركزية والحكومات لهذه التحديات مستقبل العملات المشفرة ودورها في الاقتصاد العالمي.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-08-2024 10:26 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |