18-08-2024 08:31 AM
بقلم : أحمد الحوراني
قبل أن يكون الدكتور رجائي المعشر نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا وعينا ورجل دولة هو كذلك أب ورب اسرة كريمة، و شاءت الاقدار أن ينفطر قلبه الرقيق برحيل نجله الوحيد صالح ليستقر في هذا القلب حزن مقيم لأننا نعرف تماما أن فكرة تقبل الرجل لغياب فلذة كبده إلى الأبد مسألة ليست سهلة بعدما ملأ حضور الابن صالح نحو نصف قرن في حياة أبيه وعائلته خاصة إذا كان الابن الذي توفاه الله صاحب اطلالة بهية وامتلك في حياته شخصية قريبة من الناس حتى قيل انه كان كينبوع عطاء لا ينضب ومصدر خصب للحب والخير لا يعرف الجفاف.
في بيت عزاء المعشر كما في جنازته اول من أمس كان الحضور لافتا على المستوى الشعبي والرسمي وجميع الذين شاركوا ابو صالح تقديم واجب العزاء او المشاركة في تشييع الجثمان كانوا يلهجون بالدعاء لله بأن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وزد على ذلك أن الحضور كان من مختلف أطياف المجتمع الأردني مسلمين ومسيحيين حتى انك لا تستطيع التفريق بين هذا وذاك (ديانة) حيث التقت الجموع الغفيرة لتقف إلى جانب الدكتور رجائي في مصيبته ولكي تصل رسالة عظيمة المحتوى والدلالات أننا في هذا الوطن كنا وسنبقى الأقرب لبعضنا البعض في شعورنا واحساسنا وفزعتنا ووقفتنا إلى جانب بعضنا في افراحنا وأتراحنا نتبادل الحب بالحب ونحزن لحزن أب ودع ابنه وفجيعة ام لا تصدق انها لن ترى ابنها ثانية ودموع اخت انهمرت على شقيق لها فرق الموت بينها وبينه، وعليه كان من الصعوبة وصف المشهد الوطني الا أن يقال فيه أن هؤلاء هم الاردنيون على قلب رجل واحد وأنهم معا في الضراء كما انهم سوية في السراء.
يقف الدكتور رجائي المعشر بثبات ويستقبل المعزين من كل أنحاء المملكة ويتمالك نفسه برباطة جأش لانه مؤمن بالموت كما هو مؤمن بالحياة، ولئن شاء القدر أن يختطف ابنه صالح ليغادر الحياة وهو في عز العطاء ونضج التجربة ورجاحة الرأي وغير ذلك من المزايا التي جعلته يستحق الاحترام وينال محبة الناس باخلاقه وقربه منهم فإننا أمام الموت لا شك أننا نقف مستسلمين لارادة المولى الذي كتب الموت على عباده كنهاية حتمية لسنوات العمر المقدرة لكننا نعرف تماما أن البقاء من نصيب الكبار في عطائهم وسمعتهم ومكانتهم الإنسانية والعملية والعلمية والاجتماعية ولعل ما ذكر عن الفقيد صالح انه كان شابا طموحا يبادل الناس المودة والتقدير وانه كان ناجحا في مسيرته العملية وقريبا من الناس يجعلنا نقول لوالده انك ربيت فأحسنت التربية وان مصيبتك هي مصيبة كل أردني(شاف) بفقدان نجلك فقدانا لابنه.
نقف إلى جانب دكتور رجائي المعشر ونعرف كم صعبا عليه أن يمتحن قدرته على احتمال ما هو فيه ذلك أن ما يثور في اعماق النفس عند مواجهة حقيقة الموت من مرارة هو أمر معقد لثلاثة أسباب تقديرا اولها أن الجرح يؤلم صاحبه أكثر مما يؤلم غيره وثانيها أن الفراغ الناجم عن غياب الابن كبير ويخلق ثقبا في القلب لا يمكن رتقه وثالثها شعور صاحب الحزن بالضعف أمام هذا القدر المحتوم الذي يشعر معه الإنسان أن لا فداء مهما بلغ قادر على تغيير الاجل او تأجيله وهذا ما استقر في قلب ابا صالح وزوجته وعائلته كان الله في عونهم.
عرفت دكتور رجائي المعشر منذ سنوات وما زلت احظى بشرف لقاءات معه بين الحين والحين واجمل صفاته انه عف اللسان وواسع الحلم، يكظم غيظه ويؤلف بين القلوب ويسعى في الخير ما استطاع اليه سبيلا فضلا عن انه في عداد الرجال الذين يمثلون جيلا متميزا من الاردنيين الذين عرف عنهم عمق الشعور بالمسؤولية والتفاني في خدمة الوطن والمواطن وحصافة النظرة المستقبلية والثبات على المبدأ والتمسك بالقناعات.
للدكتور رجائي صاحب الرأي السديد والمنهج القويم، احر العزاء وكلنا معك ويد الاردنيون فوق يدك ونقول احسن الله عزاكم في موت صالح الذي أمسى تاريخا لا يمحى وذكرى لا ولن تموت.
ahmad.h@yu.edu.jo
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-08-2024 08:31 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |