20-08-2024 02:22 PM
بقلم : د. فيصل الغويين
هناك الكثير مما يمكن أن يقال حول ظروف نشأة وتطور الأحزاب الأردنية، وحول مجمل تجربتها عبر التاريخ الحديث :
* فقد عرفت التشكيلات الحزبية في الأردن بشكل مبكر، وتنقلت من شكل إلى آخر، وفق تطور الظروف السياسية والاجتماعية, واستمرت في طريقها تبطئ حينا، وتتعثر حينا، وتمضي وتنطلق حينا آخر.
* شكل ضعف البنية المؤسسية للدولة، ورسوخ المكونات التقليدية للمجتمع، معيقات حقيقية لتطور الأحزاب في الأردن، وظلت وحدات الانتماء الأولية مثل العائلة أو القبيلة أو العشيرة ، تسبق أي انتماء سياسي وطني قومي عام، بل وتتجاوزه، فكانت الأحزاب في الغالب تنظيما سياسيا حديثا في بيئة تقليدية.
* إن استخدام مفهوم الحزب السياسي في الحالة الأردنية والعربية، لا يعكس المفهوم العلمي والتاريخي لنشأة وتطورالأحزاب السياسية، ومن هنا يستخدم هذا المفهوم بصورة مجازية.
* هنالك أحزاب تمتلك جذوراً تاريخية وأيديولوجية راسخة، لكنّ شعبيتها وقاعدتها الجماهيرية تراجعت، بفعل تغيرات عالمية واقليمية، وتكتفي قياداتها بلوم السياسات الرسمية في التضييق على الأحزاب، من دون أن تجرؤ على القيام بمراجعة نقدية موضوعية لتحليل حجم الفجوة التي تفصل خطابها السياسي والأيديولوجي عن الشارع، وعن الحياة اليومية والهموم الرئيسة لغالبية المواطنين!.
* وإذا كانت الأحزاب تقدم الإطار الأكثر ملاءمة لتحقيق المشاركة السياسية لأوسع الجماهير، فإن مجرد وجود النظام الحزبي لا يضمن بذاته تحقيق هذه المشاركة، حيث يتم الحد من المشاركة للحفاظ على مكاسب تحالف الفئات الحاكمة وامتيازاتها الاقتصادية ومكاسبها الاجتماعية.
* شهد الأردن فترات نهوض وطني وسياسي تاريخية، لكنها قصيرة، وقام الشعب الأردني بهبات وانتفاضات سياسية واجتماعية، أو ذات جذور اجتماعية، لا يمكن تجاهل آثارها على الحياة الحزبية عموما، وخاصة خلال الفترات ( 1954 - 1957)، (1989 - 1994)، التي عبرت الجماهير من خلالها عن رفضها لمشاريع سياسية غربية كحلف بغداد عام 1955، ومبدأ أيزنهاور عام 1957، وصولا إلى غضبها لتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وعجز الدولة عن تحسين هذه الأوضاع، كهبة نيسان 1989، التي جاءت كرد فعل مباشر على الأزمة الاقتصادية الخانقة، ما عجل بالأخذ بالتعددية الحزبية، وشكل بداية لانفراج سياسي مأمول، مع لبث أن تم احتوائه بالتدريج.
كما جاءت انتفاضة عام 1997، كرد فعل على قرارات اقتصادية مست حياة المواطن في أساسياتها، من خلال رفع الدعم عن سلع أساسية، كالحبوب والأعلاف.
أحزاب التحديث
ثمان وثلاثون حزبا، اعتلت منصة الأحزاب على موقع الهيئة المستقلة للانتخاب، منذ صدور قانون الأحزاب الجديد عام 2022، بعضها كان موجودا، وصوب أوضاعه في ظل الشروط الجديدة، التي نص عليها القانون، وضمت هذه القائمة أحزابا يسارية وقومية وإسلامية ووسطية، إضافة إلى أحزاب جديدة تشكلت على عجل، ينتمي جلها إلى التيار اليميني المحافظ والوسطي.
مع ذلك، لا تزال الشكوك كبيرة في مدى قدرة هذه الأحزاب، على التجذّر في المجتمع، وتطوير العمل المؤسّسي، والتماسك الداخلي، وبناء حملاتٍ انتخابية وبرامج مقنعة للرأي العام، والسبب في ذلك تغلب المخاوف والهواجس لدى "مطبخ القرار من نتائج العملية الحزبية.
فعلى صعيد بناء الأحزاب السياسية، كان ملاحظاً الظل الثقيل لدور المؤسّسات الرسمية، وهو أمر لم يخدم هذه الأحزاب، لا على صعيد السمعة الشعبية، ولا حتى على صعيد البناء الداخلي.
إن عملية تطوير الأحزاب إن لم تكن عضوية تنبع من المجتمع بصورة متدرجة، وليس عن طريق تدخلات من هنا وهناك، لن تنجح في نهاية المطاف بإيجاد أحزاب تعتمد على قواعد جماهيرية لاستدامتها وليس على شيء اخر. ما يعني ضرورة عدم التدخل في إنشاء وتوجيه الأحزاب الجديدة، إن أردنا تجسير هوة الثقة، وشعور المواطن أن صوته ممثل ومسموع، عدا ذلك، فإن استخدام الأدوات القديمة للتدخل في إنشاء الأحزاب لن ينجح في حل المشكلات التي تواجهنا بل سيفاقمها.
تجد الأحزاب - وخاصة الجديدة منها - نفسها أمام تحدٍّ حقيقي وكبير في ماراثون سياسي وانتخابي استعداداً لخوض الانتخابات النيابية الأولى، التي ستشهد الامتحان الأول الكبير للمشهد الحزبي في ظل قانون يعطي الأحزاب 35% من مقاعد مجلس النواب، على صعيد القائمة الوطنية، ويتيح لها التنافس أيضاً على صعيد القوائم المحلية على مستوى المحافظات.
في المقابل، هنالك أحزاب أيديولوجية لديها حضور تاريخي (القومية واليسارية)، بالرغم من ضعف مشاركاتها في الانتخابات النيابية، وهنالك عمل مؤسسي أكبر نسبيا، لكن حجم تمثيلها في العملية السياسية، من خلال مجلس النواب، ما زال محدوداً وقليلا.
أما حزب حزب جبهة العمل الإسلامي، فيملك مقومات أكبر مقارنة بالأحزاب الأخرى، على الرغم من الهزات التي تعرض لها، وخروج شخصيات عديدة عملت على تشكيل أحزاب جديدة، وفشل حركات الإسلام السياسي التي وصلت إلى السلطة أو شاركت فيها (مصر، تونس، المغرب). فالحزب يملك أجنحة شبابية ونسوية فاعلة، وتداول للمواقع القيادية، وحضور مستمر في الانتخابات النيابية والنقابية والجامعية، فضلاً عن الانتشار الجغرافي، والاستراتيجيات الإعلامية والاتصالية الفاعلة، إلا أنه مع ذلك، لا يبدو قادرا على تحقيق نتائج لافتة، لأسباب ذكرنا بعضها.
إن التطور السياسي والديمقراطي لا يمكن اختزاله في مجرد دعاوى إجراء انتخابات عامة، لأنها وإن جرت في بيئة وبنية سياسية وقانونية وإعلامية غير مواتية أو مقيدة - كما هو الحال الآن- ، فلن تعكس إلا ما يسمى “بالوضع القائم”، الذي لن يكون بالضرورة متوائما مع روح الانفتاح والحرية التي تستلزمها في النهاية الديمقراطية التعددية.
كما أن الحزب السياسي لا يمكنه التخطيط والعمل دون أيديولوجية تناسبه، وهي إحدى الأدوات الضرورية لتفعيل الحياة الاجتماعية، وتنظيم إدارة الحكومة وشؤون الدولة، وهنا لا بد من التفريق بين أيديولوجية الحزب والحزب الأيديولوجي، وهو فرق ينبغي أن يرتقي إلى مستوى الخلاف الجوهري بين حرية الفكر والعقيدة المقدسة.... يتبع
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-08-2024 02:22 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |