25-08-2024 08:21 AM
سرايا - أثار تصنيف الأردن كـ"أول" دولة فقيرة عالميا بالمياه، وفق التصريحات الأخيرة لوزير المياه والري رائد أبو السعود، تساؤلات إزاء كيفية إنقاذ المملكة مما يداهمها من أخطار شح المياه، وذلك مقابل مدى جدوى إجراءات وإستراتيجيات تنفذها وزارة المياه والري على أرض الواقع.
وفي الوقت نفسه، طرحت هذه التصريحات جدلا حيال كيفية احتساب حصة الفرد من المياه، والتي أشار الوزير إلى وصولها لـ61 م3 سنويا، وسط تحديد المؤشرات العالمية لخط الفقر المائي لاستهلاك الفرد السنوي من المياه بـ500 م3 سنويا، ما يعني أن حصة الفرد السنوية من المياه في الأردن، تقل بنسبة 88 % عن خط الفقر المائي، إذ بات الأردن يترأس قائمة الدول الأفقر مائيا في العالم بعد أن كان في المرتبة الثانية.
وبين خبراء في قطاع المياه، أن "ندرة المياه المتوافرة ذات كلفة مبرمجة وغير كافية لتلبية الطلب على المياه"، ما يتطلب "اللجوء لحلول المياه غير التقليدية، والتي تعد مصادر ذات تكاليف استخراج عالية".
وعن تصريحات أبو السعود أخيرا، الذي قال فيها إن الأردن أصبح أفقر بلد في العالم من حيث الوضع المائي، فالأرقام العالمية تتحدث عن أنّ البلد الذي يستهلك الفرد الواحد فيه 500 م3 سنويًا، هو بلد فقير، فيما تصل حصة المواطن من المياه لـ61 م3 فقط، مشيرا هنا إلى أن أي منزل في الأردن تصله المياه ليوم واحدا في الأسبوع جراء نقص المياه.
وأوضح أنّ الأردن يفتقر كثيرا للمياه السطحية، كالبحيرات والبحار والأنهار، وأقرب مصدر مياه سطحية هو في البحر الأحمر، برغم أنّ الكثافة السكانية تتجمع في مناطق الشمال والوسط، ما يتطلب تحلية مياه البحر الأحمر (خليج العقبة) ونقلها إلى القطاعات الصناعية والزراعية والسكانية.
وبين الوزير أن أي مشروع يزيد كميات المياه بمقدار م3، مشروع مهم للأردن؛ فكيف بمشروع مهم يحل المشكلة المائية حتى العام 2050 كمشروع الناقل الوطني للمياه؟، منوها إلى أنّ الأردن وصل في "الناقل الوطني" لاختيار المستثمر، وهو ائتلاف شركات فرنسية لها تجاربها الناجحة مع الأردن حاليًا، كمطار الملكة علياء، ومحطة السمرا للمياه.
إلى ذلك، أكد مختصون في "المياه" أنه برغم جهود قطاع المياه الأردني "الجبّارة" في إدارة هذا القطاع عبر إعداد الإستراتيجيات، ومكافحة المخالفات المائية من اعتداءات على مصادر المياه، وفتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في مشاريعها وساهمت بوصول المياه لمعظم السكان، إلا أن التحديات التي يواجهها القطاع "والتي لا سيطرة على معظمها"، كعواقب أزمات اللجوء المتتالية، وانعكاسات التغير المناخي، ما تزال إدارة القطاع في مواجهتها مستمرة نحو البحث عن حلول أخرى، تساعد بتحقيق الأمن المائي بآليات ومفاهيم أخرى، مستفيدا من آليات تمويلية جديدة، مثل تمويل المناخ.
من جانبه، أكد الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إياد الدحيات أهمية "الاستقرار المائي"، باعتباره مكوّنا رئيسا في النمو الاقتصادي والعيش الكريم للمواطنين، وهو "مُدخل أساس في القطاعات والاستثمارات الصناعية والتعدينية والزراعية في المملكة"، لافتا الى مجموعة مؤشرات عالمية يستند عليها بتقييم وضع البلدان، بما فيها الأردن مائيا، وأهمها (Water Stress Index)، و(Water Scarcity Index)".
وقال الدحيات إن "مشروع جر مياه الديسي، زوّد الأردن بـ100 مليون م3 منذ العام 2013 وهي كمية ممتازة، وللأسف تصادف تشغيل المشروع في ذلك العام، مع وجود أكثر من مليون لاجئ سوري معظمهم في المجتمعات المستضيفة وخارج المخيمات، وبالتالي لم تغيّر هذه الكمية التزويد المائي جذريّاً للمواطنين عبر برامج التوزيع الأسبوعية، ولكنها كانت مهمة للمحافظة على مستويات التزويد المائي".
ودعا الأمين العام الأسبق لـ"المياه" إلى ضرورة "تطوير إجراءات العمل التي تخصّ موضوع كشف وتحديد الاعتداءات على مصادر المياه التي اعتمدت منذ إطلاق حملة إحكام السيطرة في العام 2013، لتكون بالشكل الذي يقلل اعتمادها على العامل البشري، ويعزّز من استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والأنظمة الحديثة وأنظمة الدرون، بالشراكة مع القطاع الخاص والشركات المتخصصة"، مضيفا أنه "يجب تطوير برامج التوعية بهذا الخصوص، ونشر نتائج الحملة دوريا وأسباب الاعتداءات لإطلاع كافة الشركاء والمواطنين".
وشدد على ضرورة الاستعجال بتنفيذ مشاريع قصيرة ومتوسطة الأمد لتطوير مصادر مياه وتحسين التزويد المائي في المحافظات الفترة المقبلة، وقبل وصول مياه "الناقل الوطني" لتحلية المياه، سيما وأن الأولوية في الأعوام السابقة، تمثلت بإطلاق إستراتيجيات وسياسات مائية مهمة ومتعددة، اذ كان آخر مشروع لتعزيز مصادر المياه؛ تنفيذ مشروعي جر مياه وادي العرب (2) في العام 2019 وجر مياه الديسي في العام 2014.
وأكد الدحيات، أهمية الاستعجال في المفاوضات المباشرة بين لجنة الشراء الخاصة والائتلاف المفضّل على المتطلبّات الفنية والمالية والعقدية لـ"الناقل الوطني"، وهو المشروع ذو الأولوية للوصول إلى أمن التزويد المائي، ووضع جدول زمني مستعجل لتنفيذ المشروع من هذا الائتلاف بمرافقه كافة، بما يشمل إمكانية التزويد المبكر لجزء من كميات مياه المشروع الكلية البالغة 300 مليون م3 وقبل انتهاء مدة التنفيذ البالغة 4 سنوات، وإعادة توزيع مخاطر المشروع ولكافة مرافقه الرئيسة للطرف الأقدر على إدارتها بكفاءة.
وذلك إلى جانب طرح فرص استثمارية للقطاع الخاص وبالشراكة لاستكشاف المياه الجوفية العميقة، وتحمّل مخاطر التمويل والحفر والتطوير وتكنولوجيا المعالجة، والتشغيل بالكميات والنوعية المطلوبة، وإيصالها الى مرافق المياه الرئيسة في المملكة بالآلية الناجحة نفسها التي اتبعت سابقاً مع مشروعي جر مياه الديسي و"الناقل الوطني".
كما دعا إلى أهمية الاستمرار بتخفيض فاقد المياه الذي ما يزال يشكّل نحو 50 % من كميات المياه المضخوخة في المحافظات كافة، ووضع مؤشرات أداء ملزمة للاستمرار بتخفيضه بما تتعزّز معه ثقافة المحاسبة والحوكمة الرشيدة، لتعزيز التزويد المائي للمواطنين.
من ناحيتها، تساءلت الخبيرة الدولية في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي عن المقصود بحصة الفرد السنوية وكيف تحتسبه، موضحة أن هذا الرقم يتعلق بالمياه التقليدية المتاحة، وتشمل المياه السطحية والجوفية، والتي تقسم قيمتها على عدد السكان، وتخرج برقم يمثل حصة الفرد السنوية.
"وكون الأردن، هو الأفقر أو من أفقر الدول، لا أملك أي أرقام في العالم لأقارنها بها، ولكن برأيي هي من أفقر الدول ذات الموارد القليلة، مقارنة بدول الخليج مثلاً، إذ المتوافر منها قليل، ولكنها دول غنية تعوض النقص في المياه التقليدية بتحلية المياه. ومثال آخر فلسطين المحتلة وقطاع غزة، فوفقاً لاتفاقية أوسلو، ففلسطين المحتلة ليس لها سيطرة على مواردها التقليدية، إذ إن ما هو تحت الأرض يعود للدولة المحتلة حسب الاتفاقية، وبرأيي هي أيضاً من أفقر الدول"، وفق الزعبي.
وعودة لتصريحات وزير المياه، أوضحت الزعبي "برأيي أنه يقصد بهذه الحصة القليلة، أن المياه المتوافرة ذات الكلفة المجدولة قليلة وغير كافية لتلبية الطلب على المياه، وبالتالي نحن دولة أكبر مشاكلها المائية هي ندرة المياه، ويريد الإشارة إلى أن الحل هو اللجوء للمياه غير التقليدية، وهي مصادر ذات تكاليف استخراج عالية، على عكس التقليدية، كبناء السدود واستكشاف الآبار العميقة وإعادة استخدام المياه المستخدمة بأنواعها، وتحلية المياه التي بدأنا بها بالفعل بتحلية مياه آبار المسوس وحاليا مياه البحر".
وذلك إلى جانب "ضعف الملاءة المالية لسلطة المياه، ليس فقط بسبب دعم التعرفة وعدم كفايتها لتغطية تكلفة توفير التكلفة، بل أيضا ضعف كفاءة إنتاج المياه وإدارة التزويد، والأسباب لذلك كثيرة، وأهمها ارتفاع نسبة المياه غير الربحية، والمياه المستخدمة غير المدفوعة، ولحل هذه المشكلة لجأت الوزارة للاقتراض، وأيضا للمشاركة مع القطاع الخاص وسمحت بالاستثمار فيه، ما جعل هذا النوع من الشراكة مكلفا لإنتاج المياه، لكنه من ناحية أخرى أكثر كفاءة، كمشاريع محطة تنقية السمرا، والديسي، وحاليا مشروع تحلية البحر الأحمر".
وتابعت الزعبي أن "الرسالة هنا، هي الحذر يا أردنيين، فتكلفة المياه الواردة عالية، ومن واجبنا الحفاظ عليها والعمل معا لضمان استدامتها، سواء بدفع تكلفتها وعدم اللجوء للاستخدام غير المشروع، وضرورة ترشيد الاستهلاك لإدارة الطلب على المياه".
أما بالنسبة لجهود وزارة المياه في إدارة هذا القطاع عبر إعداد الإستراتيجيات ومكافحة المخالفات المائية وفتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار بمشاريع المياه، أكدت الخبيرة أنها "جهود جبارة تشكر عليها، وهي مفيدة بالتأكيد، ولولاها لما وصلت المياه إلى كل بيت أردني تقريبا في ظل التحديات التي يواجهها القطاع، والتي لا سيطرة لها على معظمها، وعلى سبيل المثال: الهجرة القسرية لأشقائنا العرب من حولنا وعواقب التغير المناخي".
وتابعت "ما يزال القطاع يبحث عن حلول أخرى تساعد بتحقيق الأمن المائي بآليات ومفاهيم أخرى، مستفيداً من آليات تمويلية جديدة، مثل تمويل المناخ، وهي الأموال المتاحة للراغبين بالاستفادة منها في مشاريع التكيف أو التخفيف من آثار التغير المناخي، على سبيل المثال المشروع الذي قدمته وحصلت على تمويله، منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، بتكليف من الحكومة لصندوق المناخ الأخضر، كونها جهة معتمدة لدى الصندوق، ضمن مشروع "بناء القدرة على التكيف مع التغير المناخي في الأردن عبر تحسين كفاءة استخدام المياه في القطاع الزراعي".
كذلك بحث جدوى إنشاء سدود المياه الجوفية في الأردن، مستفيداً من تجربة تركيا في هذا المجال التي توافر السدود بتكاليف أقل وبمعدل تبخر منخفض، عبر مبادرة السلام الأزرق التي تهدف لبناء شراكات وعلاقات تعاون بين الدول الأعضاء للاستفادة وتبادل الخبرات.
من ناحيته، أكد خبير مياه، فضل عدم ذكر اسمه، أهمية اتخاذ الحلول التي تمضي وفق تنفيذ "الناقل الوطني"، بحيث سيتحول حينها التزويد إلى التزويد المستمر، ويصبح من السهل حينها مراقبة "الفاقد من المياه"، وبشكل متواز مع الحلول التي تمضي بخفض الفاقد.
وقال الخبير، إن فاقد المياه حسب التعريف العالمي؛ هو المياه التي "لا تؤتي دخلا"، وبالتالي أي تخفيض في فاقد المياه، يجب أن ينعكس بالنسبة نفسها على زيادة دخل سلطة المياه، "وهو ما لم يجر تحقيقه بعد".
وأشار الخبير إلى أهمية الحفاظ على كامل كميات المياه الناجمة عن "الناقل الوطني" والمقررة بنحو 300 مليون م3، دون خسارة أي فاقد مائي منها وهدرها دون دخل، سيما وأن فاقد المياه يشمل عنصرين؛ وهما عنصر فاقد المياه من الشبكات وهو الفاقد الفيزيائي، والعنصر الثاني هو إدارة العدادات وإدارة مشتركي المياه والاعتداءات على مصادر المياه.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-08-2024 08:21 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |