25-08-2024 08:24 AM
بقلم : د. رعد التل
التمويل متناهي الصغر (Microfinance) إحدى الأدوات الاقتصادية المهمة التي تلعب دورا رئيسيا في دعم الفئات المحرومة اقتصاديا، وخاصة في الدول النامية، فقد نشأ هذا النوع من التمويل في الأصل لتقديم خدمات مالية للأشخاص الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى النظام المصرفي التقليدي بسبب محدودية دخلهم أو عدم وجود ضمانات كافية.
ومع ذلك، يتجاوز دوره مجرد خدمة محدودي الدخل، حيث يمكن أن يلبي احتياجات مالية صغيرة لمختلف الفئات، بغض النظر عن مستوى دخلها. لكن هناك سؤالا مهما، هو كيف يجمع التمويل متناهي الصغر بين هذين الهدفين وكيف يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
فالتمويل متناهي الصغر مصمم أساسا لدعم الأفراد ذوي الدخل المحدود والفقيرين في المجتمع، وخاصة في المناطق الريفية والمجتمعات النائية، ويهدف إلى تمكين هؤلاء الأفراد من تحسين مستوى معيشتهم من خلال تقديم قروض صغيرة تمكنهم من بدء مشاريع صغيرة أو توسيع أنشطتهم الاقتصادية. على سبيل المثال، يشير تقرير "Microfinance Barometer 2022" إلى أن هناك أكثر من 140 مليون شخص حول العالم يستخدمون خدمات التمويل متناهي الصغر، بإجمالي قيمة قروض تبلغ حوالي 124 مليار دولار أميركي.
واحدة من السمات البارزة للتمويل متناهي الصغر هي تركيزه على النساء. حوالي 80 % من المستفيدين من هذه البرامج هم من النساء، وهو ما يعكس أهمية هذا النوع من التمويل في تمكين المرأة اقتصاديا وتعزيز دورها في المجتمع. علاوة على ذلك، أظهرت دراسات متعددة أن التمويل متناهي الصغر أسهم في خفض معدلات الفقر بنسبة تتراوح بين 20 % و30 % في العديد من الدول النامية، من خلال دعم المشاريع الصغيرة وخلق فرص عمل.
وبالرغم من أن التمويل متناهي الصغر موجه في الأساس لمحدودي الدخل، إلا أنه يمكن أن يخدم مجموعة واسعة من الاحتياجات المالية الصغيرة. حيث يُعد هذا التمويل مرنا للغاية من حيث نوعية الخدمة المقدمة وحجم القرض، مما يجعله مناسبا لتلبية الاحتياجات المالية المتنوعة التي قد تكون لدى الأفراد أو المؤسسات الصغيرة، ويمكن أن تشمل هذه الاحتياجات تمويل شراء المعدات الصغيرة، تغطية التكاليف التعليمية، أو حتى تلبية نفقات طارئة. ومن خلال توسيع نطاق خدماته لتشمل جميع من يحتاجون إلى تمويلات صغيرة، يمكن أن يسهم التمويل متناهي الصغر في تعزيز النمو الاقتصادي. يُظهر القطاع نموا سنويا مركبا بمعدل 10 %- 15 % خلال العقد الماضي، مما يعكس زيادة الطلب على هذه الخدمات وانتشارها عالميا.
لا شك بأن التمويل متناهي الصغر يحقق توازنا دقيقا بين خدمة محدودي الدخل وتلبية الاحتياجات المالية الصغيرة، ويُظهر هذا التوازن من خلال معدلات السداد المرتفعة، حيث تتراوح عادة بين
95 % و98 %، مما يدل على نجاح هذه البرامج واستدامتها. وفي بعض البرامج، لا تتجاوز نسبة القروض المتعثرة 2 %- 5 %، مما يعكس كفاءة إدارة المخاطر لهذه البرامج، حتى في الفئات ذات الدخل المنخفض.
علاوة على ذلك، ساهم التمويل متناهي الصغر في توسيع الوصول إلى الخدمات المالية، ففي جنوب آسيا، إحدى المناطق التي استفادت بشكل كبير من هذا النوع من التمويل، ارتفعت نسبة الأشخاص الذين لديهم حسابات مالية رسمية من 32 % في عام 2011 إلى
70 % في عام 2021، وفقا للبنك الدولي، جزء كبير من هذا الارتفاع يعود إلى انتشار التمويل متناهي الصغر.
يمكن القول ان التمويل متناهي الصغر يمثل أداة قوية لتحقيق التمكين الاقتصادي للفئات الأكثر ضعفا في المجتمع، وفي الوقت نفسه يلبي احتياجات مالية صغيرة لمختلف الفئات. من خلال تقديم خدمات مالية مرنة ومخصصة، يساهم التمويل متناهي الصغر في تحسين مستوى المعيشة، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتحقيق الاستدامة الاجتماعية. تحقيق التوازن بين خدمة محدودي الدخل وتلبية الاحتياجات المالية الصغيرة هو ما يجعل التمويل متناهي الصغر أداة فعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-08-2024 08:24 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |