25-08-2024 08:37 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
أصدرت المحكمة الدستورية قبل أسابيع حكمها رقم (6) لسنة 2024، الذي أعلنت فيه عدم دستورية نصوص تشريعية في قانون الزراعة الأردني رقم (13) لسنة 2015 تمنح صلاحيات قضائية للحاكم الإداري بالفصل في المنازعات المتعلقة بتطبيق القانون.
فالمادة (39) من قانون الزراعة تعطي موظف الحراج والمراعي والأشخاص المفوضين من الوزير صلاحية تنظيم ضبط بحق أي شخص يخالف أحكام القانون وإحالته إلى القاضي أو الحاكم الإداري لمحاكمته، كما تنص المادة (40) من القانون ذاته على أن تنظر دعاوى الحراج والمراعي أمام محاكم الصلح أو الحكام الإداريين، ويتم البت فيها بصفة الاستعجال.
وقد استندت المحكمة الدستورية في قرارها بعدم دستورية المادتين السابقتين فيما يخص الصلاحيات القضائية المقررة للحاكم الإداري، إلى النصوص الدستورية التي تعطي القضاء النظامي الولاية العامة في الفصل في المنازعات بين الأفراد، حيث جاء في قرار المحكمة القول «إن كل تشريع يتعرض لاختصاص القضاء انتقاصا أو تعديا أو إحالة لجهة غير قضائية يعتبر تشريعا مخالفا للدستور، وأن النصوص المطعون بعدم دستوريتها قد استحدثت قضاء موازيا للقضاء الأصيل الذي أنشأه الدستور، وأعطى للحُكّام الإداريين على قدم المساواة مع القضاء النظر في دعاوى الحراج والمراعي».
إن هذه الحماية التي قررتها المحكمة الدستورية للحق في التقاضي وتكريسه بشكل كامل أمام المحاكم النظامية يثير تساؤلات حول مصير العديد من التشريعات الوطنية التي تسلب القضاء حق الفصل في المنازعات، وبالأخص فيما يتعلق بدعاوى إزالة الشيوع في القانون الأردني.
ففي ضوء صدور قانون الملكية العقارية رقم (13) لسنة 2019، جرى نزع الاختصاص في الفصل في دعاوى إزالة الشيوع من المحاكم النظامية ممثلة بمحاكم الصلح التي يقع في دائرتها موقع العقار، وتحويلها إلى لجنة خاصة تسمى لجنة إزالة الشيوع في العقار، والتي تتشكل بقرار من المدير العام في كل مديرية من مديريات تسجيل الأراضي والمساحة.
وقد حدد القانون تشكيل هذه اللجنة بأن يرأسها أحد موظفي الدائرة من الفئة الأولى الذي لا تقل درجته عن الثالثة، وعضوية اثنين من موظفي مديرية التسجيل أحدهما حقوقي والآخر مساح. بالتالي، تعد هذه اللجنة من حيث تشكيلها إدارية بطبيعتها وليست قانونية، مما يثير تساؤلات حول دستوريتها ومدى وتوافقها مع المبادئ الأساسية للحق في التقاضي التي رسمتها المحكمة الدستورية في قرارها الأخير الخاص بعدم دستورية صلاحيات الحاكم الإداري ذات الطبيعة القضائية.
وقد يدفع البعض بدستورية لجنة إزالة الشيوع في العقار على أساس أنها لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي؛ فهي تتمتع بصلاحيات قضائية واسعة تتمثل بانتخاب الخبراء للفصل في النزاع المعروض أمامها، وإصدار قرارات فاصلة في طلب إزالة الشيوع، والتي تكون قابلة للطعن أمام محكمة البداية المختصة خلال (30) يوما من تاريخ صدورها إذا كانت وجاهية ومن تاريخ تبليغها إذا كانت غير ذلك.
إن اللجان الإدارية ذات الطبيعة القضائية قد اعترفت بها المحكمة الدستورية في قرارها رقم (4) لسنة 2017 عندما قضت بدستورية لجنة تقدير الأتعاب في نقابة المحامين الأردنيين، على اعتبار أن قراراتها تخضع للرقابة القضائية التي توفرها محكمة الاستئناف، وهي محكمة موضوع، في وزن الأدلة بالقسطاس المستقيم وبالنتيجة الرقابة على القرارات الصادرة عنها.
كما أن إضفاء الصفة القضائية على لجنة تقدير الأتعاب في نقابة المحامين جاء استمرارا للنهج القضائي الذي خطته محكمة التمييز في حكمها رقم 27 لسنة 1977 بالقول «إن الشارع قد أضفى على لجنة تقدير الأتعاب ومجلس نقابة المحامين فيما يتعلق بقضايا تحديد أتعاب المحاماة الصفة القضائية بحيث يعتبر القرار الصادر عن أيهما كأنه صادر عن محكمة».
في المقابل، فقد اعترفت محكمة التمييز الأردنية للجنة إزالة الشيوع بالصفة القضائية، حيث قضت في قرارها رقم 4326 لسنة 2021 بالقول «إن لجنة إزالة الشيوع وفق المستفاد من طريقة تشكيلها واختصاصاتها وإجراءات عملها المبينة في المادة (104) من قانون الملكية العقارية تعتبر هيئة إدارية ذات اختصاص قضائي، وقراراتها النهائية قابلة للطعن لدى محكمة البداية التي تقع قطعة الأرض موضوع الطعن ضمن دائرة اختصاصها المكاني».
ومع ذلك، يبقى التساؤل قائما حول مدى إمكانية الاستفادة من قرار المحكمة الدستورية الأخير الذي قضى بعدم دستورية الاختصاص القضائي للحاكم الإداري باعتباره جزءا من السلطة التنفيذية للطعن بعدم دستورية لجنة إزالة الشيوع في دوائر الأراضي والمساحة، وذلك استنادا لطبيعة تشكيلها بأنها لجنة حكومية تضم في عضويتها موظفين عموميين يتبعون للسلطة التنفيذية.
وتجدر الإشارة أخيرا إلى أنه كانت هناك محاولات في عام 2023 لتعديل قانون الملكية العقارية وإعادة الاختصاص في طلبات إزالة الشيوع إلى محاكم الصلح، إلا أن هذه المساعي لم تنجح وجرى إقرار قانون معدل لقانون الملكية العقارية رقم (23) لسنة 2023 دون التطرق لمسألة اختصاص لجنة إزالة الشيوع في العقار.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-08-2024 08:37 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |