بقلم : أحمد الحوراني
ودع الأردنيون يوم أمس الدكتور محمد خير مامسر أحد رجالات الأردن المخلصين الذين قدموا للوطن عصارة فكرهم النير وخلاصة جهدهم وسخي عطائهم، فأبو نارت الذي بدأ حياته لاعبا رياضيا ومدربا وتدرج الى ان اعتلى مناصب عليا في الدولة، اجتمعت فيه من السمات والخصال الحميدة ما قلّ ان تجد لها نظيرا في كثيرين، وهو من رواد الحركة الرياضية الاردنية والعربية على حد سواء، وقد عرفته الملاعب الرياضية الاردنية شبلا لكل رياضة، ورياضيا لكل لعبة، » كرة قدم، كرة سلة، كرة يد، كرة طائرة، وجمباز والعاب قوى »، كما عرفته عمان واربد والكرك، ابنا محبا لمجد هذا الوطن، كما عرفته مصر والعراق وسوريا ولبنان والمغرب والجزائر وكل بلاد العرب، سفيرا يمثل حضارة شعب عريق يسابق الزمن ويعرف كيف يؤدي الأمانة.

في العاشر من أيلول من العام ألفين واحد عشر أجريت مع أبي نارت لقاءًا مطوّلًا استغرق لنحو ثلاث ساعات في منزله الجميل ومن دون ان أدري كيف مضت الدقائق، فالرجل » كنز أردني » ومثال لسيرة ومسيرة زاخرة تنوعت مجالاتها بين أكثر من اتجاه وصعيد فصار بيتًا للخبرة ومستودعًا للذاكرة التي نحن اليوم بحاجة إلى نبشها ليعرف أبناء هذا الجيل الكثير عن بدايات دولتهم وكيف كُتبَ لها المضي في البناء وسط تحديات ضارية تقاذفتها من كل حدب وصوب.

مامسر المولود في عمان سنة الف وتسعمائة وسبعة وثلاثين شبّ على حب الرياضة مبكرًا فكان حارسًا لمرمى فريق كلية الحسين ولاعباً في فريق كرة سلة فيها وهو ابن اربعة عشر ربيعَا كما شارك مع منتخب مدارس المملكة في الدورة الرياضية المدرسية العربية التي أقيمت في بلدة بحمدون في لبنان عام 1954، وكانت اول مرة يلعب فيها كرة السلة خارج الاردن، ثم انتقل للعب في النادي الأهلي في حراسة المرمى ثم سافر في بعثة دراسية إلى مدينة الإسكندرية وهناك انضم الى فريق المعهد لكرة السلة رغم انه كان من الصعوبة ان يشارك لاعب غير مصري مع الفرق الرياضية المصرية آنذاك.

بعد حصوله على دبلوم التربية الرياضية من معهد أبو قير في الإسكندرية سنة 1958، تم تعيينه مدرسا في مدرسة بيت حنينا قرب القدس، غير أنه أعيد إيفاده مرة أخرى وحصل على البكالوريوس في التربية من الاسكندرية سنة 1952 وفي العام 1965 حصل على الدبلوم العالي في رعاية الشباب من جامعة نيومكسيكو سيتي بأمريكا، ثم الدبلوم العالي في التربية من الجامعة الأردنية العام 1969، ليكمل ماجستير علم النفس التربوي في تخصص الإرشاد من عام 1970، وهي أول شهادة ماجستير منحت في الجامعة الأردنية، وكان تقديره بدرجة امتياز. وفي العام 1980 حصل على درجة الدكتوراه في » الفلسفة في التربية» من جامعة طنطا وتحول الى الكادر الاكاديمي كعضو هيئة تدريس للفترة 1980-1997.

عين ابو نارت إدرايًا في الجامعة الاردنية بتاريخ 6 -1- 1963، أي بعد إنشائها بثلاثة أسابيع فقط وكان رقمه في سجل العاملين في الجامعة (5) وعمل فيها ما يقارب الأربعين عاماً تسلم خلالها مواقع إدارية عديدة، وفي العام 1966، شكل مامسر فريق كرة سلة نسائي من الجامعة الاردنية، واستمر هذا الفريق باللعب ثم شكل منتخبا نسائيا من كافة محافظات المملكة سنة 1967، وفي عام 1977 عُيّن في جامعة اليرموك وأمضى فيها سنوات حافلة كان خلالها مديرا لشؤون الطلبة، كما أشرف على تأسيس قسم التربية الرياضية، ثم عمل نائبا لرئيس جامعة مؤتة لشؤون الطلبة بين عامي 92-93.

مسيرة العمل السياسي في حياة مامسر تكللت بتسلمه مناصب وزارية إذ حمل حقيبة التنمية الاجتماعية للمرة الأولى في حكومة عبدالسلام المجالي (97-98) ثم في في حكومة دولة الدكتور فايز (98-99) ثم وزيرا للشباب والرياضة في حكومة دولة عبد الرؤوف الروابدة وكانت له أدواره الريادية في نجاح فعاليات الدورة الرياضية العربية التاسعة » دورة الحسين»، وتقديرًا لاسهاماته في خدمة الدولة فقد أنعم عليه الملك الحسين بن طلال بوسام النهضة الاردنية، وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، وسام الكوكب الاردني من الدرجة الأولى، كما أنعم عليه الملك عبدالله الثاني ابن الحسين بوسام الحسين للعطاء المميز.

مات محمد خير مامسر وترك حزنًا في قلوب محبيه وهم كثر وعلى امتداد مساحات وطننا الأردني والعربي الكبير، فالرجل كان محبًا للجميع وقريبًا من الجميع وحظي باحترام العامة والخاصة على حد سواء، وبرحيله يفقد الأردن واحدًا من خيرة رجالاته الأوفياء.

Ahmad.h@yu.edu.jo

الراي