بقلم : د. هبة أبو عيادة
مع بداية عامٍ دراسيٍ جديد وعودة الطلبة إلى المقاعد الدراسية وإشراق مدارسنا فرحًا بطللبتها في ظل ما نعيشه من تسارع في عالم التقدم العلمي والتكنولوجي، باتت الحاجة ماسة إلى أجيال جديدة تمتلك عقولاً متعطشة للمعرفة لإنتاج وتوليد المعرفة وليس مجرد استهلاكها وحفظها وتلقينها، أجيال قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية. فكيف يمكننا تربية هذه العقول؟ وما هي الأسرار التي تكمن وراء تطوير العقل التنموي؟ وما هو العقل التنموي؟.

أبدأ من تعريف بسيط ومختصر للعقل التنموي بأنه أكثر من مجرد امتلاك قدرة على الحفظ والتذكر؛ إذ أنه القدرة على التفكير النقدي والإبداعي وحل المشكلات واتخاذ القرارات بشكل مستقل. إنه العقل الذي لا يكتفي بقبول المعلومات كما هي، بل يسعى إلى فهمها وتقييمها وتحليلها.

ومن أهم أسرار تربية العقل التنموي: تحفيز الفضول: الفضول هو الشرارة التي تشعل شمعة المعرفة لإثارة الدافعية والحماس والشغف لدى الطلبة. شجع طلبتك على طرح الأسئلة والاستكشاف وتوسيع آفاقهم. والتشجيع على القراءة المستمرة: القراءة هي غذاء العقل. شجع الطالب على القراءة في مختلف المجالات، فهي توسع مداركهم وتثري لغتهم، لا بد أن يقرأ الطلبة كتابًا أسبوعيًا ليثري فكره وعقله بالمعرفة والعلم. ونؤكد على أن القراءة ليست مجرد قراءة عادية إنما تأملية للفهم والاستيعاب. والتشجيع على التفكير النقدي: لا تقبل الإجابات الجاهزة. شجع الطلبة على التفكير بشكل نقدي وتحليل المعلومات وتقييمها. التحفيز على حل المشكلات: لا بد من السماح للطلبة بإبداء رأيهم ووجهة نظرهم واقتراح الحلول لتجاوز التحديات وحل المشكلات، فهذا يعزز قدرتهم على التفكير الإبداعي واتخاذ القرارات سواء كانت صائبة أو غير ذلك، المهم أن يخوض التجربة ويحاول ويكتسب الخبرة للتعلم من الأخطاء: شجع الطلبة على التعلم من أخطائهم وعدم الخوف من الفشل. فالفشل هو جزء طبيعي من عملية التعلم. ودعم التعاون والعمل الجماعي: شجع الأطفال على العمل مع الآخرين وتبادل الأفكار، فهذا يعزز مهاراتهم الاجتماعية ويساعدهم على تطوير حلول إبداعية. وبناء بيئة جاذبة وآمنة تدعم التعلم المستمر: شجع الطلبة على التعلم مدى الحياة، فالعالم يتغير باستمرار والتعلم المستمر هو الضامن للنجاح من خلال توفير بيئة محفزة: وفر بيئة مليئة بالتحفيز والتشجيع، حيث يشعرون بالأمان والقدرة على التعبير عن أنفسهم. مع التأكيد على ضرورة التوازن بين الحياة الأكاديمية والأنشطة الأخرى: شجع الأطفال على ممارسة الهوايات والأنشطة المختلفة، فهذا يساعد على تطوير مهاراتهم المختلفة. وأهم وأول سر لتربية العقل التنموي هو المعلم القدوة الحسنة والأنموذج والموجه ومربي أجيال المستقبل وأذكر هنا رسالة كتبتها المعلمة ريم توفيق مع بداية العام الدراسي الجديد ((المعلمون والمعلمات منكم المبتدأ، ومنكم المنتهى، وعليكم الحمل، وأمام الله ستسألون، لا عن قلب واحد، ولا عقل واحد، بل عن اجيال، وآمال، وأمة، الله وحده يعلم إلى أين تذهبون بها، اعلم ان اكتافكم الضئيلة أنهكها حمل كل هذا، لكنكم أنتم أنتم)) وتذكر أيها المعلم أولاً إن الملائكة لتصلي على معلم الناس الخير ثانيًا، سنمضي وتمّحي رسومنا واسماؤنا وموادنا أيضاً لكنهم سيذكرون ابتساماتكم، رفقكم، ما تذكرونه انتم الان من معلميكم، و وقفاتكم معهم، طلابكم ليسوا في الصفوف التي تدرسونها فقط: المناوبة والاشغال و المراقبة تخيلوا كم عينا! كم قلباً! كم روحاً! كم عقلاً! سأخبرك سرا: المعلمات الجديدات في المدرسة يرينك معلمة لهن ايضا، وتخيلي: ستكونين معلمة المعلمات ويقول مولاي ومولاك:((و قفوهم إنهم مسؤولون)) فأنتم أيها المعلمون ورثة الأنبياء: كثيراً من الرفق! كثيراً من الحزم! كثيراً من الفضول! وكثيراً من الحلم!.

إن تربية العقل التنموي ليست مجرد هدف، بل هي استثمار في المستقبل. فالأفراد الذين يمتلكون عقولاً متطورة هم أكثر قدرة على الابتكار والإبداع وحل المشكلات المعقدة. وهم القادة الذين سيقودون مجتمعاتنا نحو مستقبل أفضل.

في الختام، تربية العقل التنموي هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الأسرة والمدرسة والمجتمع ككل. فبزرع بذور المعرفة والفضول في عقول أطفالنا، نضمن لهم مستقبلاً مشرقاً ومزدهراً.

الراي