29-08-2024 02:08 PM
بقلم : د. عُريب هاني المومني
تتّجه الأنظار اليوم نحو الانتخابات النيابيّة لمجلس النواب العشرين وسط توقّعات وتكهّنات حول نسبة المشاركة بها، فتحظى هذه الانتخابات بأهميّةٍ خاصة؛ كونها تُعتبر أول انتخابات نيابيّة بعد مخرجات اللجنة الملكيّة لتحديث المنظومة السياسيّة، وأهمّها قانون الانتخاب لمجلس النواب وقانون الأحزاب.
تُؤثر عدّة عواملٍ على نسبة المشاركة في أيّ انتخابات، ومنها مدى ثقة الناخبين في العمليّة الانتخابيّة؛ فتُعتبر الثقة في نزاهة وشفافيّة الانتخابات من أهمّ العوامل التي تدفع الناخبين للتوجّه إلى صناديق الاقتراع. كما أنّ الأوضاع الاقتصاديّة تلعب دوراً كبيراً في تحديد نسبة المشاركة؛ ففي ظلّ تدهور الأوضاع الاقتصاديّة وارتفاع معدلات البطالة والفقر، قد يشعر المواطنون بعدم جدوى المشاركة في الانتخابات كوسيلةٍ للتغيير، ممّا ينعكس سلباً على نسبة المشاركة.
كما أنّ للتعبئة السياسيّة التي تقودها الأحزاب السياسيّة ومؤسسات المجتمع المدنيّ ومختلف وسائل الإعلام دورٌ هامٌّ في تحفيز الناخبين على المشاركة السياسيّة؛ فالحملات الانتخابيّة الناجحة التي تُركّز على قضايا تهمّ المواطن، وتوعية المواطنين بأهميّة المشاركة الفاعلة، قد تُساهم في توجيه الرأي العام ورفع نسبة المشاركة.
من جهةٍ أخرى فإنّ للعوامل الجيوسياسيّة والحراك السياسيّ المُترتّب على الأوضاع الإقليميّة والدوليّة أثرٌ في تحديد توجّهات الناخبين، فالتوتّرات السياسيّة ومستوى الاستقرار السياسيّ في المنطقة ينعكس على مستوى المشاركة السياسيّة ومنها المشاركة في العمليّة الانتخابيّة.
أمّا بخصوص الانتخابات النيابيّة لمجلس النواب العشرين في الأردن فإنّه من المتوقّع زيادة نسبة المشاركة في هذه الانتخابات مقارنةً بالانتخابات النيابيّة لعامي 2016م و2020م؛ وذلك لعدّة عوامل يقع في مقدّمتها عمليّة التحديث السياسيّ التي عاشتها الدولة الأردنيّة في أعتاب المئوية الثانية للدولة، والتي تمخّض عنها إقرار مجموعةٍ من القوانين أهمّها قانون الانتخاب لمجلس النواب وقانون الأحزاب السياسيّة، وما ارتبط بهما من أحكامٍ أُقرّت بنظامٍ أو تعليمات، وذلك بهدف اعتماد نظام انتخابيّ يتوافق وظروف المجتمع الحالي، وتعزيزاً للديمقراطيّة التي تُعدّ أحد مرتكزاتها وأركانها دوريّة الانتخابات.
بالإضافة إلى أنّ قانون الانتخاب الجديد اعتمد نظام انتخابيّ يشتمل على عمليتيّن انتخابيّتين، فقد منح القانون لكل ناخبٍ صوتين. وقد أظهرت الدراسات في هذا المجال أنّه كلما زادت عدد عمليّات الاقتراع بموجب قانون الانتخاب زادت نسبة المشاركة في عمليّة الاقتراع. وتُعدّ عمليّة الاقتراع لانتخابات مجالس المحافظات والمجالس البلديّة التي تضمّنت ثلاث عمليّات انتخابيّة لرئيس مجلس المحافظة وأعضاء المجلس وكذلك المجالس البلديّة قرينةً على هذه النتيجة وفقاً لنتائج الانتخابات المُتعاقبة والمنشورة على الموقع الإلكترونيّ للهيئة المستقلة للانتخاب.
علاوةً على تعديل تقسيم الدوائر الانتخابيّة المحليّة، فقد نظّمت المادة (8) من قانون الانتخاب لمجلس النواب تقسيمات الدوائر الانتخابيّة على اعتبار أنّ كلّ محافظةٍ تُشكّل دائرة انتخابيّة، باستثناء العاصمة عمّان إذ تمّ تقسيمها إلى ثلاث دوائر، ومحافظة إربد قُسّمت إلى دائرتين انتخابيتين، على الرغم من أنّ النظم الانتخابيّة لعاميّ 2016 و2020 قد خصّصت عدد دوائر انتخابيّة أكثر، إذ كانت العاصمة عمّان على سبيل المثال تتكوّن من خمس دوائر انتخابية ومحافظة إربد تتكوّن من من أربعة دوائر انتخابيّة. وجرى تخصيص (97) مقعداً للدوائر الانتخابيّة المحليّة في مجلس النواب العشرين، بينما خُصّص لها في الدورات السابقة (130) مقعداً، وعليه فإنّ تخفيض عدد المقاعد على مستوى الدوائر الانتخابيّة المحليّة سيؤدي إلى رفع وتيرة التنافس وزيادة حدّتها بين التكتّلات والتجمّعات العشائريّة في كلّ دائرة، وهذا يدفع الناخبين للتوجّه إلى صناديق الاقتراع، وزيادة الإقبال على المشاركة في العمليّة الانتخابيّة؛ فكلّ تكتّل يرغب بوصول مُرشّحه إلى المجلس النيابيّ العشرين.
وعلى الرغم من الفرص المُشار لها والتي من المتوقّع أن تزيد من نسبة المشاركة في عمليّة الاقتراع، إلّا أنّ اعتماد سجلات الناخبين وفقاً لمكان إقامة الناخب الفعليّ استناداً لقيود دائرة الأحوال المدنيّة والجوازات قد أدّى إلى انخفاض أعداد الناخبين في بعض الدوائر الانتخابيّة التي تُشكّل تجمّعات عشائريّة، وهذا سينعكس بشكلٍ سلبيّ على نسبة المشاركة العامّة، حيث لُوحظ من خلال جداول الناخبين نقل العديد منهم إلى دوائر خارج المحافظة التي كانوا مُسجّلين بها في الانتخابات السابقة، ومن المُمكن أن يكون لهذا أثرٌ أو انعكاسٌ على ارتفاع نسبة المشاركة في كلّ من دائرة العقبة الانتخابيّة والزرقاء ودوائر العاصمة عمّان.
وفي الختام، تظلّ نسبة المشاركة المُتوقّعة في الانتخابات النيابية لمجلس النواب العشرين مرتبطةً بشكلٍ وثيقٍ بالظروف الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة التي يمرّ بها الأردن. ولتحقيق نسبة مشاركة مرتفعة، يجب على الجهات المعنية تعزيز الشفافيّة والنزاهة في العمليّة الانتخابيّة، وتكثيف حملات التوعية للمواطنين حول أهميّة المشاركة الفعّالة في صنع القرار السياسيّ.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
29-08-2024 02:08 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |