31-08-2024 03:13 PM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
ما تزال فكرة الدولة القومية بزعيم واحد وحدود مفتوحة من المحيط إلى الخليج حُلمَا يراود غالبية أبناء الوطن العربي، ارتكازًا إلى ماضٍ يبدو الآن بعيدًا عنّا، وظروفٍ وأحوالٍ مختلفة كثيرًا، ولا سبيل إلى تكرارها، وقد وصل الأمر إلى أن تتبنّى بعض الجهات اليسارية مقولة أنّ "الدولة القُطرية تطبيع"، والقبول بـ "حدود سايكس بيكو تطبيع"، ولكن، وبعيدًا عن الانفعالات العاطفية فإنّ الأمر يحتاج إلى تحليلٍ مبدئيٍ بسيط.
تعلّمنا في المدارس أنّ ركائز الأمّة العربية هي التاريخ المشترك والجغرافيا واللغة والدين والعادات والتقاليد، لكن هل حقًا أنّ التاريخ مشترك !!
التاريخ المصري مثلًا يستند إلى حضارة الفراعنة، وما مرّت به مصر من أحداث تاريخية بعد الإسلام يختلف جدّا عمّا مرّ به العراق مثلًا، الذي يستند إلى تاريخٍ مختلف أيضًا، فحتى في العصر الإسلامي اختلفت المرجعيات وأنظمة الحكم بين القاهرة وبغداد، وهذا ينطبق كذلك على المغرب العربي المختلف ثقافيًا وتاريخيًا عن المشرق العربي، ونستطيع الجزم أنّ تاريخنا الحالي يختلف وسيختلف من بلدٍ إلى بلد، فما يجري من أحداث في فلسطين يختلف تمامًا عمّا يجري في السودان، وأنظمة الحكم في البلاد العربية مختلفة كذلك، فبعضها مستقر، وبعضها يتأرجح، وبعضها يحاول الاستقرار، ما سيؤدي بالنتيجة إلى اختلاف التاريخ والتجربة التاريخية لكل بلد.
الجغرافيا كذلك مختلفة تمامًا حتى داخل الدولة الواحدة، وبالتأكيد أنّ للجغرافيا دورها في العادات والتقاليد واللهجات والثقافة، ما يعطي شيئًا من الخصوصية حتى لأبناء البلد الواحد، فالفلّاح يختلف عن البدويّ، وهما يختلفان عن ابن المدينة، حتى في ظل التكنولوجيا الحديثة، والقرية العالمية، يظلّ التباين واضحًا بين الجميع.
لا يُفهم من كلامي أنّني ضد "القومية"، بل بالعكس تمامًا ما زلتُ معها وفي صفّها، لكن على أن تقف على أرضية واضحة ثابتة، كمثال اتحاد الولايات الأمريكية، أو الاتحاد الأوروبي، أو حتى اتحاد الإمارات العربية، حيث استندت هذه الاتحادات إلى احترام التباين والخصوصية لكل منطقة، وهذا يعني أنّ فكرة الدولة القطرية لا يمكن إلغاؤها بمجرد شطحة قلم، أو حلم طوباوي، فلكل قطر الآن خصوصيته ومرجعياته الثقافية والحضارية المختلفة عن غيره، وعلى سبيل التقريب فإنّ الكيان الصهيوني يحاول بكل ما يستطيع من جهد طمس ومحو الهوية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني من الوجود، وما يزال يحاول سرقة هذا التاريخ ليس فقط من خلال الأكلات الشعبية كالحمّص والفلافل، ولا انتهاءً بالثوب والتطريزة الفلسطينية، وهذا يعني أنّ علينا جميعًا بذل كل الجهود للحفاظ على الهوية القطرية الفلسطينية من الاندثار والزوال – على الأقل لحين تحرير فلسطين – وهذا يقتضي أيضًا ضرورة الانتباه إلى الهوية الأردنية كي لا تكون الأردن وطنًا بديلًا عن فلسطين كما يريد الكيان، ولعلّ فكرة المواطنة تكون الحل، فالفلسطيني مطلوبٌ منه أن يتمسّك بهويته الفلسطينية ما دامت فلسطين تحت الاحتلال، ولكن عليه أيضًا أن لا ينسى أردنيته بحكم المولد والجنسية والحياة الدائمة التي لا سبيل إلى نكرانها ولا العودة عنها، تمامًا كما هو مطلوبٌ من الأردني أنّ يعتز بأردنيّته وأن لا يخجل منها أمام أية هويةٍ أخرى بالمطلق.
إنّ مقولة "الدولة القطرية تطبيع" لم ولن تخدم سوى الكيان الذي يسعى إلى تذويب الهوية القطرية التي صارت أمرًا واقعًا يستحيل العودة عنه، وهي كذلك موجودة قبل قرونٍ ماضية، فالنجدي نجدي، والحجازي حجازي، والحضرمي حضرمي، والشامي شامي، والمصري مصري، والمسلم مسلم، والمسيحي مسيحي، وإذا أردنا أن نكون قوميةً واحدة فإنّ علينا أن نجد الأرضية المشتركة التي تحترم الخصوصية التاريخية والدينية والجغرافية والتي يمكن أن نقف عليها جميعًا، بعيدًا عن العاطفة الشعبية والأحلام مستحيلة التحقيق.
المحامي أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين السابق
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
31-08-2024 03:13 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |