01-09-2024 09:36 PM
بقلم : جوان الكردي
في مجتمعنا اليوم، يبدو أن قيمة الفرد لم تعد تُقاس بقدرته أو كفاءته، بل بمدى اتساع شبكة علاقاته ووجود "واسطة" تساعده على تحقيق ما يطمح إليه. ومن الواضح أن من ليس له واسطة في هذا البلد، يكاد يكون محكوما بالفشل في العثور على وظيفة أو التقدم في حياته المهنية.
تلك الواسطات، التي باتت معيارا للنجاح، تسببت في إهمال الكفاءات وأصحاب الضمائر الحية، ما ينعكس سلبا على المؤسسات والمجتمع بأسره. الموظف الذي يعمل بأمانة ويحرص على أداء مهامه بإتقان غالبا ما يجد نفسه متخلفا عن الركب، بينما يصعد الآخرون بفضل علاقاتهم لا بفضل جهدهم.
هذا الواقع المؤسف أصبح يثقل كاهل الكثيرين ممن يسعون لتحقيق أهدافهم بالاعتماد على كفاءاتهم وجهودهم الشخصية. وبدلاً من أن يكون العمل الشريف مفتاح النجاح، بات من "يكون على كرسيه ومنصبه" هو من يحظى بالترحيب والاحترام. وبعد أن يغادر منصبه لا يجد من يقول له صباح الخير. وهذا يخلق بيئة عمل مشوهة، حيث تُكافأ السلوكيات العدوانية بدلاً من الجهود النزيهة.
هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على الأفراد، بل تمس النسيج الاجتماعي بأكمله. فعندما تصبح "الدنيا مع الواقف"، يفقد المجتمع قيمه الأساسية مثل العدالة والمساواة. وعندما يصبح من له "ظهر" هو العمود الفقري للعمل، يتلاشى الأمل في بناء مجتمع يستند إلى الكفاءة والنزاهة.
إن تزايد الاعتماد على الوساطة وتغلغلها في مختلف الأوساط وتهميش الكفاءات الحقيقية لا تقف عواقبه على الجانب الاقتصادي وما يؤديه من تقليل الحافز للعمل بجد، وتنامي الانتهازية وبالتالي تراجع الإنتاجية والجودة في المؤسسات، وعرقلة التقدم المؤسسي والازدهار.
وإنما سينسحب ضرره الأكبر على الجانب الاجتماعي، إذ سيؤدي بالضرورة إلى تآكل القيم الاجتماعية والأخلاقية، وسيجعل المجتمع يواجه مخاطر التفكك وتفاقم مشاعر الإحباط والظلم بين الأفراد والسخط على النظام الاجتماعي السائد ويولد اليأس والشعور باللاجدوى.
وسينمو لدينا جيل، أو أجيال، ناقمة على بيئتها ومجتمعها غير عابئة ولا مؤمنة بالانتماء لمجتمعها ووطنها، وجلّ ما يعنيها هو الهجرة بلا عودة إلى أي مكان يجدون فيه فرصة ليس للعمل فقط وإنما للشعور بالعدالة والمساواة والتقدير لجهودهم ولذواتهم.
ويبقى السؤال: كيف يمكننا كسر حلقة الواسطة وضمان إعطاء الفرصة للجميع على أساس الكفاءة والعمل الجاد؟ وكيف نستعيد ثقة الشباب بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة؟
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-09-2024 09:36 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |