05-09-2024 11:29 AM
بقلم : يوسف رجا الرفاعي
تاكيداً لنهج الصين الذي لم يتغير منذ الاف السنين اثبتت هذه الحرب الدائرة اليوم خسارة المراهنين على روسيا والصين معاً ، ولا نعلم المقصد من اصرار اولئك الذين اشغلوا بعض المتابعين لهم بأن روسيا والصين هما الزعيمان القادمان بدلاً من الأمريكان .
لا اعتقد انها من قبيل المبالغة فيما لو قال احدهم ان روسيا والصين ربما يتمنون لو بامكانهم صب مزيداً من الزيت على نار هذه الحرب المشتعلة لتبقى اطول زمن ممكن وتدمِّر كل مقدرات المشاركين والداعمين لها ليس طمعاً بهزيمة امريكا صاحبة الزعامة والرعاية لهذه الحرب ولا رغبةً في انتصار المظلوم الذي يدافع عن ارضه ودينه وعرضه فلا يهمهما هذا او ذاك فكلاهما لا يتطلعان الى زعامة العالم كقوة عسكرية كزعامة امريكا حالياً فهذا ليس في اجندتهما
ولا يسعيان لها ولو قُدمت لهما على طبق من ذهب .
لم تُقدِّم الصين نفسها في هذه الحرب التي هي اكبر بكثير من وصفها بأنها حربٌ على غزه او على مجموعة مِن المقاومين فهذه حرب كبرى مفصلية على مستوى لا اقول الشرق الأوسط بل على المستوى العالمي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ،
لم تقدم الصين نفسها على غرار ما قدمت نفسها امريكا اثناء الحرب العالمية الثانية حين دخلت كزعيم للعالم له كلمة الفصل عندما استخدمت السلاح النووي ضد اليابان معلنةً بذلك عن وجودها الحاسم على مستوى العالم،
لم تفعل الصين شيئا ينبئ عن نيةٍ او توجهٍ لان يكون لها دور ولو على مستوى وسيط ( نزيه او غير ذلك )
بل هي تفقد في كل يوم يمر من ايام هذه الحرب اي ثقةٍ ربما كانت قد تشكلت تجاهها في يومٍ ما وتفقد ايضاً ثقة الذين راهنوا عليها كزعيمة مرتقبة .
الاحداث وخاصة الكبرى هي التي لها قوة الكشف الطاغية على المشهد الذي تصنعه تلك الاحداث وتكشف عن مُغيَّبات لم يكن لاحد امكانية التنبؤ بها على الاطلاق ، فها هي اوروبا التي روجَّت لنفسها انها راعيةً وحاملةً لواء الحرية والانسانية والديمقراطية والمساواة والعدالة قد انكشفت على حقيقتها وبانت كل عوراتها وانفضح امرها وثبت بما لا يدع مجالاً للشك انها عدوٌ لكل المعاني السامية والاخلاق الحميدة وانها بعيدة كل البعد عن العدالة والمساواة والحرية وانها عوجاء من اولها لاخرها ويعود الفضل في هذا الكشف المخجل عنها لهذا الطوفان الذي لن يَغيضَ ماؤه إلا بعد ان يكشف عن كل ما تم التعمية عليه من جور وظلم وخيانة وفساد واستبداد.
قمة طموح الصين ان تكون التاجر الاول للعالم اجمع وان تكون الصانع والمُصَنِّع الاوحد لكل ما تحتاجه البشرية كما يقال بالعامية "مِن الابرة الى الصاروخ " وغايتها القصوى ان تستطيع تامين بحرها الجنوبي وحماية طرق وممرات سفنها وقوافلها الى جهات الارض الاربع ولا شيء غير ذلك ،
ان الجينات والذهنية الصينية المتوارثة منذ الاف السنين لم تخرج عن سياستها التي تعكس نهجها الى يومنا هذا وإنَّ اقصى ما تم الخروج عليه من هذا النهج هو الانفتاح الباهت على العالم منذ أعوام قليلةٍ مضت بانضمامها الى منظمة التجارة العالمية ،
بعد هذا الصمت والبعد عن مسرح الاحداث التي تجري حالياً وبِغضِّ النظر عن النتيجة التي ستؤول لها هذه الاحداث لن تستطيع الصين ولن يكون مقبولاً ان تقدم نفسها للعالم بعد ان تنجلي غبار هذه الحرب على انها دولة عظمى لها القدرة على المحاسبة او المدافعة او الآمرة الناهية وكل هذه العوامل هي من صفات ومقومات الدولة التي تستطيع أن تتربع على قمة القيادة العالمية وللحقيقة ايضاً هي ليست بوارد هذا كله ولم يكن يوماً هدفاً لها.
لقد ذهب الرئيس الروسي بالبقية الباقية من اثار هيبة الاتحاد السوفييتي المندثر وجاءت الحرب الاوكرانية لتكشف عن هشاشة الدولة الروسية وعن الضعف السياسي والعسكري المخجل ولا داعي للتذكير بأن روسيا تمتلك من السلاح النووي والذري والصواريخ الفرط صوتيه وكلها لم تستطع ان تحفظ لروسيا مكانة تستطيع من خلالها فرض اي واقع او تغيير اي مسار في خضم ما يجري من احداث جسام على الخارطة الدولية ، ناهيك انها تائهة في حربها الدائره مع اوكرانيا والتي فتحت الباب واسعاً لتساؤلات جوهرية مرعبة حول حقيقة قوتها العسكرية بناءً على نتائجها المريبه،
ان الوضع الروسي البائس في سوريا يغنيك عن الغوص في تحليل وتمحيص وتقدير وتقييم لمكانتها إن على الساحة الاقليمية او الدولية او العالمية عندما تعلم انها اصبحت دولة مُستأجَره تعمل حارساً على مصالح معسكر كانت في يوم من الايام نداً له عندما كانت تُسمَّى بالاتحاد السوفيتي.
لا يشك عاقلاً بان ما يجري الان من احداث سوف يكون لها نتائج على الصعيد العالمي وان التغيير حاصل لا محالة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلى مستوى التحالفات والقوى والنفوذ والمصالح وسوف يعاد صياغة الهيئات والمنظمات والمؤسسات والمجالس الدولية تبعاً لإفرازات هذه الحرب وما يرافقها من احداث وتحولات ، وربما لن تبقى اوروبا كلها من اولها لاخرها تدور في فلك الامريكان وربما يتبعها في ذلك كوريا والهند واليابان ،
بكل الظروف والأحوال لن يكون في نهاية المطاف خاسر واحد بل الخاسرون كثُر وفي المقدمة الاثنين الكبار روسيا والصين والخسارة الكبرى للامريكان .
يوسف رجا الرفاعي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-09-2024 11:29 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |