08-09-2024 08:51 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
لم يعد يفصلنا عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة سوى يومين، حيث تزداد حمى المنافسة بين المترشحين على مستوى الدوائر المحلية والدائرة الانتخابية العامة للفوز بثقة الناخبين ودفعهم للتصويت لهم، وذلك لتحقيق حلمهم في الوصول إلى مجلس النواب العشرين.
وهذا السباق الانتخابي الذي يأخذ شكل الدعاية الانتخابية قد أشرف على نهايته، حيث انتهى المترشحون من تعليق صورهم ويافطاتهم الشخصية على الأعمدة وفي الأماكن العامة، وافتتاح مقراتهم الانتخابية لاستقبال المؤازرين الداعمين لهم، بشكل لم يختلف عن أي انتخابات نيابية سابقة، ذلك على الرغم من التغيير الجوهري في شكل النظام الانتخابي الذي يجري تطبيقه لأول مرة.
وتبقى الظاهرة المجتمعية الأبرز التي ترافق الساعات الأخيرة قبل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع ما أصبح يُعرف إعلاميا وشعبيا بالعنف الانتخابي، والذي يُقصد به استخدام القوة أو التهديد بها بقصد التأثير على إرادة الناخبين ودفعهم للتصويت على نحو معين. ويتجسد العنف الانتخابي بأشكال متعددة، أهمها الاعتداءات الجسدية على الناخبين أو المترشحين، والترهيب والوعيد بالقيام بأعمال جسمانية بقصد التلاعب بنتائج الانتخابات والتأثير على مجرياتها.
ويهدف العنف الانتخابي إلى منع الناخبين من المشاركة في العملية الانتخابية والتصويت بحرية واختيار ممثليهم عن قناعة تامة، وبالنتيجة تقويض الممارسة الديمقراطية والتأثير سلبا على الثقة الشعبية بصندوق الاقتراع.
ونظرا لخطورة ظاهرة «العنف الانتخابي»، فقد تضمن قانون الانتخاب الحالي لعام 2022 مجموعة من الأحكام التشريعية التي تضمن المحافظة على مجريات الانتخابات النيابية أثناء مرحلتي الاقتراع والفرز، وحتى الانتهاء من احتساب الأصوات وإعلان النتائج بصورتها النهائية. فالحماية التي وفرها المشرع الأردني للعملية الانتخابية تجاوزت مفهوم العنف الانتخابي التقليدي لتشمل تجريم مجموعة من التصرفات التي قد يأتي الفرد على ارتكابها أثناء فترة الاقتراع وداخل مراكز الاقتراع والفرز وخارجها، والتي ترتكب من خلال استخدام القوة البدنية أو بدونها، وبشكل أوسع من مفهوم «العنف الانتخابي» الذي يشترط لتحقيقه استعمال القوة الجسمانية بأي شكل من الأشكال.
فمن السلوكيات التي اعتبرها القانون مجرمة والتي تشكل القوة البدنية عنصرا منها، حمل السلاح الناري وإن كان مرخصا أو أي أداة تشكل خطرا على الأمن والسلامة العامة في أي مركز من مراكز الاقتراع والفرز يوم الانتخاب، والعبث بأي صندوق من صناديق الاقتراع أو الجداول الانتخابية أو الأوراق المعدة للاقتراع أو سرقة أي منها، أو الدخول إلى مراكز الاقتراع والفرز بقصد التأثير على إرادة الناخبين والقيام بأي عمل بقصد المساس بسلامة إجراءات الانتخاب وسريته.
في المقابل، فإن قانون الانتخاب يجرّم أفعالا شخصية قد يأتي بها الناخب أو أي شخص آخر لا تحتاج بطبيعتها إلى استخدام القوة البدنية وبالتالي تخرج عن مفهوم «العنف التقليدي» الذي يتداوله البعض. فالمادة (61) من قانون الانتخاب تفرض عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنة واحدة مع الغرامة على كل من ارتكب أفعالا جرمية من شأنها أن تؤثر على نزاهة الانتخابات لا تدخل القوة كركن من أركانها، أهمها الاحتفاظ ببطاقة شخصية عائدة لناخب آخر دون حق أو الاستيلاء عليها أو إخفائها أو إتلافها، أو انتحال شخصية الغير واسمه بقصد الاقتراع، أو استعمال الفرد لحقه بالاقتراع أكثر من مرة واحدة.
كما أحسن المشرع الأردني عندما توسع في نطاق تجريم الأفعال التي من شأنها أن تؤثر على سلامة العملية الانتخابية، سواء احتاجت لجهد عضلي وبدني من عدمه، لتشمل ما قد يقوم به الأشخاص الذين جرى اختيارهم أعضاء في لجان الانتخاب المعينين بموجب أحكام قانون الانتخاب. فالمادة (62) من القانون تعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات مع الغرامة كل من قام من أعضاء اللجان المشكلة متعمدا بإدخال اسم شخص في جداول الانتخاب لا يحق له أن يكون ناخبا، أو تعمد حذف أو عدم ادخال اسم شخص إلى تلك الجداول يحق له أن يسجل فيها ناخبا وفق أحكام القانون.
كما تشمل العقوبة المقررة في القانون من أخّر دون سبب مشروع بدء عملية الاقتراع عن الوقت المحدد لها أو أوقفها دون مبرر أو تباطأ في أي إجراء من إجراءاتها بقصد إعاقتها أو تأخيرها، ومن استولى على أي وثيقة من الوثائق المتعلقة بالانتخاب بغير وجه حق أو أخفاها أو ارتكب أي تزوير عليها، ومن قام بقراءة ورقة الاقتراع على غير حقيقتها وبصورة تخالف ما ورد فيها، ومن قام بتوجيه الناخب للتصويت لصالح مرشح أو قائمة بعينها، ومن امتنع عن تنفيذ أي حكم من الأحكام المتعلقة بعمليات الاقتراع وإجراءاته أو فرز الأصوات.
إن التوسع في تجريم العنف الانتخابي ليشمل السلوكيات والأفعال التي تحتاج إلى قوة بدنية من عدمها، يؤكد حرص المشرع الأردني على الالتزام بالمبادئ الدستورية التي تقوم عليها الانتخابات النيابية والمتمثلة بالسرية والنزاهة والحيادية.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-09-2024 08:51 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |