بقلم : سمير بينو
التقينا عند أحد الأصدقاء، نتسامر ونتحدث والحديث ذو شجون، وقد طغى موضوع الانتخابات النيابية على باقي المواضيع الأخرى، فقام أحد الأصدقاء بطرح سؤال يتعلق بتكاليف بعض الحملات الانتخابية، لم يكن من السهل الإجابة عليه من دون استخدام الآلة الحاسبة، ولكن أحدهم قدم الإجابة كأنه يحفظها عن ظهر قلب، مما آثار إعجابي وحماسي ودعاني للاعتراف له عن ضعفي في الرياضيات، فأجابني أن هناك ضعف عام لدى الطلبة في الأردن في مجال الرياضيات وأن الطلبة الأردنيين الذين يشاركون في مسابقات الرياضيات الدولية لا يحققون نتائج متقدمة.
تحول تركيزنا نحو الرياضيات، لتصبح محور نقاشنا، كونها من العلوم الأساسية التي تُدرَّس عالميًا، مما يجعلها معياراً دولياً لقياس المستوى التعليمي والمعرفي للأفراد والمجتمعات. كما يُستخدم الأداء في الرياضيات غالباً كمؤشر على جودة التعليم ومستوى التحصيل الأكاديمي في بلد ما، حيث يُعتبر التفوق فيها دليلاً على قدرة الطلاب على التفكير المجرد والمعقد.
أحد الحضور قال أنه عندما كان على مقاعد الدراسة لم يكن في مناهجنا الدراسية مادة دراسية اسمها "الرياضيات"، بل كان يتم تدريس مادة "الحساب"، ولكن مع تطوير المناهج الدراسية استبدلت بمادة الرياضيات المعاصرة.
والفرق بينهما أن مادة "الحساب" هي فرع من الرياضيات تركز على العمليات الأساسية مثل الجمع والطرح والضرب والقسمة، وتتعامل مع الأعداد الصحيحة والكسور والأعداد العشرية، وتعتبر الأساس الذي تُبنى عليه الفروع الأخرى من الرياضيات، حيث بتم التركيز على المهارات الأساسية التي يحتاجها الطلاب في الحياة اليومية والعملية.
بينما "الرياضيات" هو علم أوسع وأشمل، يتناول العديد من الفروع والمفاهيم المتقدمة مثل العلاقات والاحتمالات، والهندسة، والتحليل الرياضي. وهذا يعكس التحول في رؤية المناهج الدراسية التي أصبحت تهتم بإعداد الطلاب لمجالات أكثر تعقيداً في الحياة العملية والأكاديمية،
قبل أن تنتهي سهرتنا النقاشية كان هناك إجماع على أن الرياضيات ليست مجرد مادة دراسية، بل هي أداة تُستخدم في الحياة اليومية لحل مشاكل متعددة، ذات علاقة بالتخطيط والتنظيم، والهندسة وغيرها. بالإضافة إلى أن الحكومات تعتمد على النماذج الرياضية والإحصاءات في تطوير السياسات العامة واتخاذ قرارات مستنيرة في مجالات حساسة مثل الاقتصاد، والصحة العامة. كما تُعتبر أيضًا معياراً أساسياً لقياس مستوى ذكاء وثقافة الشعوب، وتعكس قدراتها في الابتكار والتقدم. حيث أن الدول المتفوقة في مجال الرياضيات غالباً ما تتصدر المشهد في البحث العلمي والتطور التكنولوجي، مما يعزز مكانتها في المجتمع الدولي.
غادرت وبقي الحوار حاضراً في ذهني، وبينما كنت أتساءل كيف يمكن تحسين مخرجات تعليم هذه المادة؟ أوقفتني إشارة قف على مفترق طرق، ولفت انتباهي حجم الدعاية الانتخابية وبدأت استعرض القوائم والأسماء والمسميات والصور والشعارات، بدا واضحاً أن العديد من هؤلاء المرشحين قد تعلموا الرياضيات، وبعضهم ربما أتقنها. ولكن الحاجة اليوم الى إتقان الحساب قد تكون أشد، لأنه إذا كان الجمع بشفافية والطرح دقيقاً والقسمة واضحة والضرب مؤدِباً فان الحسبة يمكن أن تكون (مية بالمية)، وحتى من دون رياضيات.