16-09-2024 08:54 AM
بقلم : محمد يونس العبادي
مسألة الفخر بالتاريخ، هي واحدة من مؤشرات الاعتزاز الوطني، والانتماء للبلد وسيرته، وما قدمه على مدار سنوات عمره.
في بريطانيا، يثور جدل سببه استطلاع للمركز الوطني للبحوث الاجتماعية رصد فيه تراجع نسبة الاعتزاز بالتاريخ الوطني على مدار العقد الأخير، بنسبة 22% وطال جميع المجالات، ولكن أقلها كان في الفن والأدب.
هذا الاستطلاع ثار حوله جدل، وخرج مختصون ومؤرخون وصحفيون للحديث حول أسباب هذا التراجع وكان هناك من عزا أسباب هذا التراجع إلى التنوع الكبير الذي تعيشه بريطانيا اليوم، وإلى إشكاليات في الهوية «البريطانية».
مع فروقات الحالة بين الأردن وبريطانيا، حيث إن للأخيرة تاريخاً إشكالياً يتمثل في الاستعمار، فإن النقاش هناك، وقياس نسبة الاعتزاز بالتاريخ الوطني، تفتح لدينا الباب واسعاً للحديث عن وضعنا نحن في الأردن، ووضع تاريخنا الوطني، من حيث معرفته والاعتزاز به كسيرةٍ وطنيةٍ جامعةٍ مشتركة، وقدم على مدار عقود قيادةً استطاعت أن تأخذ بيد إنسانه، وقدم عدداً من الساسة المخلصين، والكثير مما قدم من سواءً في مسيرته التنموية أو سيرته العسكرية التي استقت دورها من مفاهيم القومية والدين، والواجب والإنسانية.
فالدول بالعادة ما تهتم بالتاريخ كأحد الأجهزة الاجتماعية التي تصوغ الذاكرة المشتركة، وأن المفردات والرموز في هذه السيرة الوطنية بالعادة ما تكون مصدر الإلهام والتحفيز، وبخاصة في ظل انفتاح مصادر المعلومات وسهولة ويسر الوصول إليها مع زمن الثورة الرقمية المعاشة.
فالتاريخ في وطننا ما يزال بحاجة إلى مزيدٍ من الجهد كي يكون مصدراً للاعتزاز الوطني، بخاصة وأننا في دولة لها سيرة مليئة بشواهد الاعتزاز التي تتجاوز حدودها، بما قدمنا لعروبتنا وبما وصلنا إليه اليوم كدولةٍ تسعى لأن تكون «إنموذجاً» في منطقة مليئة بالتحولات التي لا تنتهي.
وأظن ونحن اليوم نعيش هذه التحولات التي أصبحت أكثر عمقاً، وأكثر حدّة.. أننا بحاجة إلى إعادة التاريخ كمادة إلى مكانها في ذهنية النشء، ولكن بأسلوب جديد ورشيق وباستخدام أدوات الرقمنة المناسبة.
فالتاريخ وفهمه وتقديمه للأجيال من الطلبة، هو ما يسهم بصياغة الروح الواحدة، وهو المدخل الذي منه تفهم طبيعة هوية أيّ مجتمع أو همومه، وهو في العمق يتناول جوانب أخرى غير السياسة، بينها الفن والأدب، وحتى النتائج الرياضية وهي كلها منجزات جامعة.
وإذا ما عدنا للاستطلاع البريطاني، فإن نتائجه بالاعتزاز تباينت بين من تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، وبين من تقل عن 35 عاماً، حيث إن من بين الفئة العمرية من بنى مفهومه بالاعتزاز الوطني على أسس عرقية على خلاف الفئة الأولى.
وهذه النسب ليست ببعيدة عما تعانيه بقية المجتمعات في العالم، ونحن بطبيعة الحال جزء منها، إذ إن الانفجار المعرفي الأخير ووسائل التواصل وغيرها.. أسست لمفاهيم جديدة بين شبابنا، والأجيال اللاحقة.
لذا فإننا اليوم مطالبون باستدراك يعيد لتاريخنا الوطني ألقه، ويقدم بشمولية أكبر تتجاوز السيرة السياسية إلى الاجتماعية والأدبية والثقافية والرياضية حتى.. كي نكون أكثر تأصيلاً وقرباً من متغيرات التكنولوجيا والاستفادة منها، بدل البقاء كمتأثرين بها، دون أن نسخرها لنستفيد منها.
لدينا وعلى مدار أكثر من مئة عامٍ من عمر هذا الوطن منجزات جامعة كثيرة، ولدينا قيادة بذلت لأجل هذا الوطن والأمة، وهي كلها جوامع تشكل مصدر اعتزاز بتاريخنا الوطني.. فنحن بحاجة اليوم إلى مشروع كبير يعيد لتاريخنا الوطني مكانته، لنكون أصحاب رواية جامعة مشرقة، محصنة ومصدر اعتزاز.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-09-2024 08:54 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |