16-09-2024 04:10 PM
بقلم : رايق المجالي /ابو عناد
سامح الله ذلك الشخص الذي أول مرة وصف الإنتخابات البرلمانية بالعرس الديمقراطي لأن هذا الوصف أو التشبيه تحول لثقافة أردنية في مسألة الانتخابات تبنى عليها غالبية المواقف الفردية والجماعية فالناخبون ينظرون إلى المرشحين ذات النظرة التي ننظر بها إلى العريس عند حضورنا أحد الأعراس الأردنية ، فنبحث عن مواصفات معينة في الشكل ونعرف سلوكيات تدلنا على العريس وإن لم نرى صورته قبل ذلك.
هذه هي الذهنية المسيطرة على الانتخابات البرلمانية في الأردن فنبحث عن مواصفات العرسان الشكلية (شاب،ابن ناس ،قوي البنية 'محترم، بشوش, حسن المظهر, لديه دخل جيد قادر على تأسيس بيت وأسرة) ولكننا لا نفكر للحظة لأننا غير معنيين بصفاته الأخرى كمدعوين للمشاركة في عرسه فقط والمباركة ،فلا يعنينا ما هي صفاته ،وطباعه ، وثقافته ،ومفاهيمه عن الزواج وتكوين أسرة ، وحتى من خطبها ومن أعطوه العروس هم أيضا لا يتوقفون إلا عند مواصفات العرسان في الظاهر.
الطبيعي أن جميع من يتقدمون للترشح للأنتخابات يمتلكون مواصفات العرسان فجميعهم (محترمون وأبناء ناس, ولديهم أعمالهم وخبراتهم في مجالات معينة ،وطبيعي أنهم اجتماعيون ويجيدون الابتسام والمجاملة ، ويعرف كل منهم جغرافيا وطنه أو منطقته إلى حد مقبول ،وكلهم بالتأكيد قادرون على الإنفاق على بيوتهم وببذخ وأيضا قادرون على إقامة الولائم والحفلات بمناسبة أو بدون مناسبة) فجميعهم يمتلكون مواصفات العرسان بإمتياز فلا يترشح من لديه نقص في هذه المواصفات فهي مطلوبة مجتمعة.
ولكننا ولأننا قد ترسخ لدينا أن الإنتخابات عرس وعريس فتتركز اهتماماماتنا على مظاهر العرس فتبدأ أحكامنا تنطلق بناء على ما يقدم صاحب العرس من فعاليات وما يقدم حسب الجودة من مظاهر الفرح من أطعمة وحلويات وشراب وكذلك ما يمتع الحضور من فقرات الغناء والرقص ونبدأ أيضا في ملاحظة أناقة العريس وازيائه وابتسامته والجميع طبعا يقدمون له التحية ويقابلونه بالابتسامات والقبلات ويبدون فرحتهم وثقتهم بأن العريس سيشرف أهله أمام انسبائه وأمام الناس في هذه العرس والأهم سيشرفهم ليلة الدخلة ، ولا احد يفكر في اليوم الثاني بعد الدخلة وبقية أيام هذه الأسرة الجديدة ولا احد يعنيه كيف ستكون هذه الأسرة وكيف سيتعامل العريس الزوج رب الأسرة مع زوجته وبيته وأسرته في المستقبل بعد أن يمن الله عليه بالخلف..!!!
لقد اخترت هنا إسما لرجل من عشيرتي ترشح عن دائرة الكرك ( صايل متعب المجالي) لكنه لم يحالفه الفوز بالرغم من أنه تفرد وتميز عن كل أقرانه من المرشحين المحترمين بأشياء أبعد وأعمق وأكثر من مواصفات العرسان ،وقد اجتهد وثابر وحاول وبقوة أن يخاطب العقول لا القلوب وكان أبعد ما يكون عن اللعب على أوتار المشاعر والنزعات من كل نوع وهو الذي فاز قبل هذا ومثل الكرك في مجلس المحافظة عضوا ورئيسا لأربعة سنوات.
لقد تميز وتفرد أولا بأن البعد الأخلاقي كان همه الأول في حملته فأعلن أن العلاقات بين الأهل في الكرك أهم وأولى من أي نتيجة أو فوز وكان ذلك بمنشور كتبه على صفحته ونشره بعد أن كان ذلك المنشور توجيه لجميع من التفوا حوله وشكلوا لجان العمل لمؤازرته ولإدارة حملته، والأهم أنه الوحيد الذي قدم لدائرته بيانا انتخابيا حقيقيا وصفه بنص البيان بأنه برنامجه وخارطة طريقه إذا ما وصل البرلمان ،وقد تضمن هذا البيان خلاصة دراسته لأحوال الكرك المحافظة إبان عضويته ورئاسته لمجلس المحافظة فيها.
وقدم في بيانه الحلول العملية لأبرز الاختلالات الرئيسية التي بسببها تراكمت المشاكل والهموم العامة ، ووضع تصورا واضحا وبأفكار واضحة ومحددة لما يجب أن يكون عليه نواب الكرك وممثليها ووضع أيضا إصبعه على الخلل الرئيس في عمل الجهات التمثيلية للمحافظة وهي (النواب ،مجلس المحافظة ،اعضاء مجالس البلديات) فبين أهمية إيجاد آلية تنسيق وانسجام بين هذه الجهات من أجل تمثيل الكرك وأهلها وتحقيق الأهداف حقيقة وفعليا التي وجدت من أجلها هذه الجهات الممثلة للدائرة وأهلها.
لكن هذا العرس بما كان فيه من تطبيل وتزمير ورقص وغناء وأشياء تلمع واضواء تشع فتعمي الناظرين قد غطىت كل أشكاله على العقول قبل القلوب والعيون وحجبت الضوضاء صوت هذا الرجل الحالم بوطن اجمل وبمحافظة أفضل في كل شيء من أوضاعها القائمة .
والمصيبة أننا في الأردن كل الدولة تطوي صفحة الإنتخابات بمجرد الإعلان الرسمي عن الفائزين وتبقى فقط صفحة الخلافات والتنابز والتراشق وتبادل الاتهامات بين فئات الشعب ،مع أن الدولة في جانبها الرسمي يجب أن لا تطوي هذه الصفحة بل حري بها أن تخرج بنتائج وخلاصات أخرى غير نتيجة الفرز وهذه النتائج والتي تكون في متناول الجهات الرسمية كافة يجب أن تستثمر في رسم مستقبل هذا الوطن فالدولة قادرة على تمييز الغث من السمين وقادرة على تقييم القدرات والطاقات والميزات عند كل أبناء الوطن فللدول معايير كثيرة يجب أن تتبعها وتستخدمها لرسم مستقبل الدولة وقطعا ليست الإنتخابات البرلمانية هي المعيار الوحيد للفرز الحقيقي للمؤسسات وللأشخاص الذين يجب أن يساهموا في بناء وتطوير وطن.
وأخيرا..لو كنت ممن يسمع لهم في دوائر القرار العليا لأشرت على عقل السلطة ومطبخ القرارات والسياسات بأن توضع قائمة طويلة على مستوى المملكة تتضمن أسماء كل الذين ترشحوا ولم يحالفهم الفوز ممن ثبت للكافة ما لديهم من فكر نير ومن طاقات وقدرات -وكما قلت الدولة وجهات كثيرة فيها قادرة على رصد ووضع تقييمات حقيقية - وأن تعتمد هذه القائمة لتكون رصيدا ومخزونا لتشكيل الحكومات بعد كل انتخابات وتشكيل وتطوير أجهزة الدولة ليتم العمل فعليا على تنفيذ خطط التطوير والتحديث والإصلاح في كل المجالات.
أمثال إبن العم (صايل) كثر في كل دوائر المملكة الإنتخابية ممن لا يجب نسيانهم وتجاوزهم وإهدار قدراتهم وطاقاتهم وحماستهم وإنتمائهم ولكنني اخترت (أبا سيف) كمثال حي اعرفه أنا وغيري بأعداد تتجاوز ربما نسبة الذين صوتوا في الكرك ونثق به وبما لديه وهو المثال الأقرب لي وأعرف شخصيا كل تفاصيل ما قدمه وما حصل معه في هذه الانتخابات.
وأتمنى أن يبقى هذا الوطن عزيزا وكريما وشامخا وقد كان دائما لأنه لا يأكل أبنائه المخلصين ولا يبخسهم ما فيهم من خصال الجندية الحقة.
أبو عناد/رايق المجالي.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-09-2024 04:10 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |