حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,27 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 3578

حسن البرقاوي رائداً من رواد الفكر النهضوي العربي الحديث »ثقافة التأسيس«

حسن البرقاوي رائداً من رواد الفكر النهضوي العربي الحديث »ثقافة التأسيس«

حسن البرقاوي رائداً من رواد الفكر النهضوي العربي الحديث »ثقافة التأسيس«

19-09-2024 03:43 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - تمكن حسن البرقاوي المولود عام 1891م أو 1892م بقرية بُرقة التابعة إدارياً لمدينة نابلس من تحصيل ثقافة واسعة في العلوم الإسلامية: القرآن وتفسيره، والفقه وعلم الأصول، وعلوم اللغة العربية: النحو والصرف وعلم البلاغة واللغة. إضافة إلى التاريخ والفلسفة الإسلامية والمنطق وغيرها، وجمع إلى ذلك معرفة عصرية في العلوم والرياضيات وعلم الاجتماع والاقتصاد، والآداب والفلسفات المعاصرة وغير ذلك.

وتعددت الشهادات من معاصري البرقاوي وطلابه على براعته وتفوقه في هذه العلوم والمعارف، واقتداره على المحاضرة فيها، والإفادة منها في تدريس طلابه، وفي بحوثه ومقالاته التي نشرها في الصحف والمجلات العربية في النصف الأول من القرن الماضي.

وتميز البرقاوي بمجموعة من المواهب والقدرات العقلية والنفسية، وعرف الرجل بالذكاء الفطري وسرعة الفهم والتعلم، والرغبة الحقيقية في تحصيل العلوم، والمعارف، والجَلد على القراءة والبحث، والاستغراق في الموضوعات التي يهتم بها، والإخلاص في طلب العلم وتعليمه. وشهر بنزعة التحدي والإصرار على فهم النظريات الحديثة في العلوم والفلسفة والاجتماع، وجمع إلى كل ذلك رغبة قوية في التطور والتجديد، والأخذ بكل نافع مفيد يمكن أن يعزز نهضة أمته، ويرتقي بالمستوى التعليمي لأجيالها.

هذا، وقد تشكلت الذخيرة العلمية، والكنوز المعرفية التي جمعها البرقاوي في عقله، ووعاها قلبه، ونطق بها لسانه، وخطها بالقلم بيانه عبر سنوات عمره الحافلة بالتعلم والتعليم والعطاء المتصل، منذ أن دخل كتّاب قريته وهو في الخامسة من عمره إلى أن فاضت روحه الطاهرة في 14 نيسان عام 1969م.

وتدل القراءة الفاحصة لمراحل حياة البرقاوي من خلال الوثائق والمستندات التي دونت في ملفه الوظيفي منذ أن باشر التعليم في إمارة شرقي الأردن نهاية عام 1925م، وتشي الشهادات العلمية التي حازها من ذكريات زملائه وطلابه، بأن ما تحصل لدى البرقاوي من آداب وعلوم، ومعارف وفنون، كان متدرجاً عبر مجموعة من المراحل التعليمية والوظيفية التي نحصرها وفقاً لترتيبها الزمني في الآتي:

المرحلة البرقاوية، والمرحلة الأزهرية، والمرحلة النابلسية، ومرحلة الجندية في الجيش العثماني بدمشق، والمرحلة الدمشقية في عهدي الحكومة العربية والاستعمار الفرنسي، والمرحلة الحمصية. وسنحاول تبيين مدى الإفادة العلمية للبرقاوي في كل مرحلة من هذه المراحل، مع تحديد أهم الشخصيات العلمية التي اتصل بها، وتتلمذ على يديها، وما كان لهذه الشخصيات من تأثير في الفكر النهضوي الذي حمله البرقاوي، وعمل من أجله طوال حياته في التعليم والكتابة، وحتى ودّع هذه الدنيا وفارق أهلها بعد مرض عضال لم يقعده عن التعليم والتعلم.

تعد المرحلة البرقاوية التي تمتد منذ دخوله كتّاب قريته وهو في الخامسة من عمره، وحتى تركه التعليم في مدرسة برقة الرشدية عام 1910م، مرحلة تأسيس علمي للبرقاوي، إذ تعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة والخط، وقراءة القرآن، ومبادئ الحساب. وعلى الرغم من بؤس حالة هذه الكتاتيب القروية، وفقر شيوخها علمياً ومادياً، إلا أن دورها كان عظيماً وكبيراً في تعليم القرآن والقراءة والخط، وفي الحفاظ على اللغة العربية، ومحو الأمية. وتميز طلابها بجودة الخط، والقراءة الصحيحة للقرآن وغيره، علماً بأن دراسة الطلاب فيها كانت قصيرة مقارنة ?ع مدة الدراسة في المدارس هذه الأيام، إذ يمضي فيها الطالب اثنتي عشرة سنة، ويتخرج كثير من طلابها وهم في غاية الضعف في القراءة والكتابة!!

وقد أمضى البرقاوي أربع سنوات في الكتاب، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية في قريته التي تابع فيها تعلم القرآن والتجويد، والكتابة والخط، وتعلم فيها أيضاً شيئاً من الجغرافية والتاريخ، ومبادئ العلوم، فتوسعت مداركه في هذه المدرسة التي درس فيها أربع سنوات أخرى. ثم انتقل منها إلى المدرسة الرشدية أو الثانوية المتوسطة في قريته، وكان الهدف من المدارس الرشدية تخريج المعلمين والموظفين في الدولة العثمانية، ودرس فيها الآداب والطبيعيات والعلوم باللغة التركية لمدة سنتين خضع بعدها لامتحان أجرته لجنة معارف نابلس سنة 1907م، ف?جتاز الامتحان، وعين في العام التالي معلماً في مدرسة برقة، وهو في السادسة عشرة من عمره تقريباً، وقضى سنتين في عمله كانتا تدريباً له على التعليم، إضافة إلى اختلافه إلى دروس بعض فقهاء قريته ممن كانوا يعلمون العربية والحديث والتفسير.

وبدأ البرقاوي مرحلة جديدة من حياته العلمية بعد أن ترك التعليم في قريته، ويمكن أن نطلق عليها اسم المرحلة الأزهرية، ويبدو أن روح البرقاوي المشرئبة إلى طلب العلم، ونفسه الطموحة الراغبة في التحصيل، لم ترضَ بما حصل عليه من العلوم في قريته برقة، وأنه لا بد له من شد الرحال إلى الأزهر الشريف ذي السمعة المدوية، والصيت البعيد في العالم الإسلامي يومذاك، فتوجه إلى الأزهر بعد استقالته من عمله معلماً في مدرسة برقة عام 1910م طلباً للعلم على أيدي كبار علماء الأزهر، علماً بأن المصلح الكبير الشيخ محمد عبده (ت1905م) كان له ا?دور الأكبر في إصلاح مقررات الأزهر وبرامجه التعليمية، التي كانت واقعة تحت حصار الألفيات، والمتون التعليمية والشروح الجامدة المؤلفة في العصور المتأخرة، فأمر محمد عبده بتدريس الكتب الأصيلة المؤلفة في عصور الازدهار، وأضاف لها مقررات تعليمية جديدة كالرياضيات والفلسفة والتاريخ الإسلامي وغيرها من المعارف والعلوم.

مكث البرقاوي في الأزهر حولين متتاليين، واختلف إلى دروس كثير من شيوخه الذين كان محمود أبو العيون (1882-1951م) أكثرهم تأثيراً في نفس البرقاوي، فأبو العيون من كبار مشايخ الأزهر، وهو داعية إصلاح وتنوير، وكان شديد الوطأة في مقالاته وكتاباته على المستعمر الإنجليزي الجاثم بشروره ومفاسده على أرض مصر، وعلى مخططاته الساعية إلى اقتلاع اللغة العربية من المدارس المصرية، ومن معاهد العلم بمصر والسودان. وقد ارتوى البرقاوي من أفكار أبي العيون الإصلاحية وقرأ كتبه ومقالاته، ورأى قوة تأثيره في مصر وفي العالم الإسلامي، وعرف شد? اعتراضه على استقدام المستشرقين للتعليم في الجامعة المصرية، وبخاصة إذا توفر العربي الذي يقوم مقام المستشرق، ويسد مسده في التعليم الجامعي، خوفاً من تسرب شبهات المستشرقين إلى عقول طلاب الجامعة، ومن ترويج بعض أفكارهم التي جانبت الحقائق العلمية، ودارت في فلك سياسات الدول المستعمرة.

وأفاد البرقاوي في الأزهر من الشيخ محمود خطاب السبكي (ت1352ه/1933م) في دراسة المنطق وعلم الكلام، وقد انعكس ذلك إيجابياً على البرقاوي الذي برع في حجاجه المنطقي، وفي قدرته على إقامة البراهين والأدلة فيما كتب وعلم. ودرس البرقاوي الرياضيات على يد الشيخ إدريس الذي كان من الروافد المهمة في براعة البرقاوي في الرياضيات ونبوغه فيها، وإصراره على تدريسها في المدارس، ومحاولة الإفادة منها في تدريس النحو العربي.

وبناءً على ما تقدم، فإن المرحلة الأزهرية من حياة البرقاوي العلمية، كانت مهمة في تشكيل وعي البرقاوي بالأخطار العظيمة التي يشكلها الاستعمار الإنجليزي على هوية الأمة، وأخلاقها ومجتمعاتها في عقر دارها، وأن الرد المناسب لا يكون إلا بإحياء اللغة العربية، ونقل العلوم الحديثة إليها.

المرحلة النابلسية، وبعد أن مكث البرقاوي في الأزهر سنتين تقريباً (1910-1912م)، بدأ مرحلة جديدة من رحلته العلمية، ويمكن أن نطلق عليها اسم «المرحلة النابلسية»، إذ عاد إلى نابلس طالباً للعلم في المسجد الصلاحي الكبير الذي كان مركزاً للحياة العلمية في نابلس، وأتيحت للبرقاوي فيه فرصة الدراسة على الشيخ موسى صوفان (1840-1917م)، وهو سليل عائلة علمية معروفة في نابلس، ودرس عليه البرقاوي الحديث والنحو والصرف وغيرها من العلوم. واختلف البرقاوي إلى دروس الشيخ داود هاشم الذي ينتسب إلى بيت هاشم وهو من العائلات العلمية بنابل?. وحضر البرقاوي دروس هاشم في علم الفقه وعلم الأصول في جامع النصر بنابلس، وأفاد من مخطوطات مكتبة الحاج نمر النابلسي وغيرها من المكتبات الخاصة بنابلس، ويبدو أن البرقاوي وجد في نابلس بيئة علمية مناسبة للتحصيل العلمي في هذه المرحلة المبكرة من حياته العلمية، ولا سيما أن بعضاً من شيوخ العلم فيها كانوا قد درسوا في الأزهر وفي دمشق وفي الحجاز وغيرها من مراكز العلم في السنوات الأخيرة من الحكم العثماني.

وقد دامت المرحلة النابلسية من حياة البرقاوي قرابة سنتين (1912-1914م)، وبدأ بعدها مرحلة جديدة هي: المرحلة الدمشقية التي امتدت ثمانية أعوام، قضى البرقاوي الأربعة الأولى منها جندياً في الجيش العثماني (1914-1918م)، وعلى الرغم من قسوة العسكرية العثمانية، وظروف الحرب العالمية الأولى، التي تعرف في بلاد الشام بأيام «السفربرلك» أي النفير العام، وما كان في تلك الأيام من عسرة وفاقة، وفقر ومجاعة، إلا أن البرقاوي كان مدركاً لأهمية الوقت، فلم يضع أوقات إجازاته وفراغه سدى، وعكف على قراءة كتب المستشرق الأمريكي فنديك (ت189?م) الذي ألف وترجم كتب الرياضيات والطبيعيات والهندسة والطب والفلك وغيرها من علوم العصر لطلاب الجامعة الأمريكية التي تأسست في بيروت عام 1866م، وكان فنديك عاشقاً للعربية، محباً لتدريس العلوم العصرية بها، غير أن مدير الجامعة بوست الأمريكي منع التدريس بالعربية وجعله بالإنجليزية، فاستقال فنديك من الجامعة احتجاجاً على ذلك القرار الذي لم يكن في صالح طلاب العلم في بلاد الشام، بل كان بتوجيه من الاستعمار الإنجليزي الذي احتل مصر عام 1882م، وبدأ حربه على العربية فيها، وليس من قبيل المصادفات أن يمنع مدير الجامعة الأمريك?ة تدريس العلوم باللغة العربية في العام ذاته.

ويبدو أن البرقاوي خرج بعبر عظيمة من دراسته لكتب فنديك، وأيقن أن دراسة العلوم والطب والفلك بالعربية أنفع للطالب العربي من دراستها بلغة أعجمية؛ وأن دراسته لها بلسانه تفتح له أبواب النبوغ والفهم والإبداع والتميز، تمهيداً لنهضة الأمة، وعودة لغتها إلى مكانتها السامية، التي تبوأتها مدة نيفت على الألف عام، حينما كانت لغة العلم العالمية، وما زالت كنوزها المخطوطة والمطبوعة شاهدة على عالمية العربية يومذاك، وهو ما أكده علماء تاريخ العلوم والمنصفون من المستشرقين.

وبعد أن وضعت الحرب الكونية الأولى أوزارها، وخرج الترك من بلاد الشام، وسلم القائد العثماني دمشق للعرب وحذرهم من مكر المستعمر الغربي وخداعه، دخل الملك فيصل بن الحسين دمشق في مطلع الشهر العاشر من عام 1918م، وأسس الحكومة العربية، وعُين البرقاوي معلماً في مدارسها، وشاهد البرقاوي الحكومة العربية وهي تفرض سياسة التعريب بصرامة في الإدارة والتعليم والجيش، وشهد تأسيس «المجمع العلمي العربي في دمشق» وهو أول مجمع لغوي في البلاد العربية.

وفي ضوء هذه المستجدات والمتغيرات والأحوال الطارئة على بلاد الشام، رأى البرقاوي أن ملامح نهضة عربية جديدة قد لاحت في الأفق، وأن هذه النهضة لا بد لها من قادة في اللغة والتعليم، فانتسب إلى المدرسة الكاملية، وكانت من أعظم مدارس دمشق حينذاك، وهي المدرسة التي تخرج منها أحمد حمدي الخياط أستاذ الأطباء بدمشق، والدكتور أسعد الحكيم وغيرهما من كبار العلماء الذين كان لهم الدور الأكبر في حركة تعريب العلوم أيام الحكومة العربية «الفيصلية» بدمشق، وما زالت آثار تلك الحملة المباركة باقية في سورية التي تدرس فيها العلوم العصري? حتى الآن باللغة العربية، خلافاً لغيرها من البلاد العربية.

وفي المدرسة الكاملية أتيحت للبرقاوي فرصة الدراسة على يدي درويش القصاص (ت1992م) وهو عالم بالرياضيات والهندسة والجبر واللغة العربية، وألف القصاص كتباً لطلابه في الهندسة، وكانت قدرته عجيبة على إفهام العلم لطلبته، ولذا كانت فائدة البرقاوي عظيمة من القصاص، الذي ربما كان أهم أستاذ أفاد منه البرقاوي وأعجب ببراعته في تدريس العلوم الرياضية.

وكان محمد بهجت البيطار (1893-1976م) أستاذ البرقاوي في اللغة العربية في دمشق، إذ تتلمذ عليه في دراسة: «دلائل الإعجاز»، و«أسرار البلاغة»، و«الإحكام في علم الأصول» في المدرسة الكاملية منذ 1919-1921م، علماً أن البيطار كان عضواً في المجمع العلمي العربي، ومحاضراً في الجامعة السورية، ومدرساً في ثانويات دمشق، وفي أوراق البرقاوي شهادة من البيطار للبرقاوي، تفيد أنه كان موضع تقديره لكفاءته خلقاً واجتهاداً وعلماً.

وعرف البرقاوي في دمشق الشيخ عبدالفتاح الإمام (1877-1964م) وهو من أبرز علماء دمشق في اللغة العربية، والفقه وعلم الأصول، والحديث والتفسير، وكان من دعاة الإصلاح والنهضة، وقامت دعوته الإصلاحية على أساس التفكير العقلاني، والاهتمام بالعلوم التجريبية، التي هي أس التقدم، وكان لهذه الدعوة صدى في نفس البرقاوي الذي أشاعها بين طلابه، ودعا إليها في دروسه ومحاضراته. أما الفائدة الكبرى التي جناها البرقاوي من شيخه الإمام، فهي في ميدان علم الفقه وعلم الأصول، حينما درس عليه «مجلة الأحكام العدلية» التي نظمت الأحكام الفقهية ع?ى شكل مواد قانونية.

ويعد المجمع العلمي العربي الذي أطلق عليه فيما بعد اسم مجمع اللغة العربية بدمشق، من أهم المراكز العلمية التي تردد عليها البرقاوي، وأفاد من علم أعضائه ومحاضراتهم الأسبوعية، ولا شك أن البرقاوي قد أدرك عظمة الدور العلمي والحضاري الذي يقوم به المجمع حفاظاً على هوية الأمة ولغتها، وبخاصة بعد تبني الحكومة العربية الفيصلية سياسة التعريب في جميع مؤسسات الدولة: الجامعات والمعاهد، والإدارات الحكومية، والمدارس، والجيش، إضافة إلى دور المجمع في وضع المصطلحات العلمية والإدارية الحديثة، التي لم يعرفها اللسان العربي من قبل،?ودعوته إلى تعريب كتب العلوم والصناعات الحديثة عن اللغات الأوروبية.

وتردد البرقاوي على المكتبة الظاهرية التي جمع مخطوطاتها وكتبها الشيخ طاهر الجزائري (ت1920م)، وهو العالم اللغوي والمصلح الكبير الذي كان رائداً للتعليم في بلاد الشام، وكان للمجمع أمر الإشراف على مخطوطات الظاهرية، فاطلع البرقاوي على كنوزها، وأفاد من كتب مكتبة المجمع وحضر ما أقيم فيه من محاضرات، وعقد فيه من ندوات، واستمع إلى أفكار الرعيل الأول من مؤسسيه أمثال: محمد كرد علي، وسعيد الكرمي، ورشيد بقدونس، وعبدالقادر المبارك، وعبدالقادر المغربي، وفارس الخوري وغيرهم من العظماء الذين حملوا رايات الدفاع عن العربية، وعم?وا على خدمتها تأليفًا وتحقيقاً، وترجمة وتعريباً.

وبناءً على ما تقدم، فإن المرحلة الدمشقية هي أزهى المراحل التي عاشها البرقاوي طالباً للعلم وساعياً في الاستزادة منه، ولا سيما أن هذه المرحلة بدأت بقيام الحكومة العربية في نهاية عام 1919م، وامتدت حتى الشهر التاسع من عام 1922م. ويمكن القول: إن أكثر العلماء الذين تأثر بهم البرقاوي علمياً وفكرياً، وأفاد من تدريسهم، ونهل من علمهم، وتخرج بهم في هذه المرحلة، ولا سيما درويش القصاص، ومحمد بهجت البيطار، وعبدالفتاح الإمام، كانوا من أعيان العلم، ودعاة النهضة العربية الإسلامية يومذاك.

المرحلة الحمصية، وبعد أن أمضى البرقاوي في دمشق ثماني سنوات جندياً ومعلماً وطالباً للعلم، نقل إلى حمص بتاريخ 16/9/1922م، وبقي فيها حتى 1/9/1924م، ثم نقل بعد ذلك إلى درعا، وبقي فيها حتى 1/9/1925م، ثم تحول إلى الأردن بعد ذلك التاريخ.

ومعلوم أن البرقاوي نقل إلى حمص معلماً، غير أن همته العلمية، ورغبته في التعلم، دفعته إلى الاتصال بالشيخ العلامة أحمد بن عمر آل صافي الحمصي (1860-1948م)، الذي عُرف ببراعته في علوم العربية وآدابها، وفي التفسير وغير ذلك من العلوم الإسلامية، وله تلاميذ أعلام، منهم: القاضي والمحقق الشيخ محمد شاكر المصري شقيق العلامة محمود شاكر. وحرص البرقاوي على حضور دروس الحمصي، وقرأ عليه أدب أبي العلاء المعري، وبخاصة ديوان شعره الموسوم بـ«اللزوميات». فحلّ له الشيخ الحمصي كثيراً من المسائل المشكلة في لزوميات المعري، وفتح له آفا?اً واسعة من النظر والـتأويل، والفهم العميق لشعر فيلسوف المعرة.

وكان البرقاوي قارئاً لأدب جبران ومعجباً به أيما إعجاب، وعلم البرقاوي بوجود أحد العارفين بأدب جبران في حمص، وهو الشاب رزق أنبوبة، فتردد البرقاوي إليه، وأفاد منه في دراسة أعمال جبران الأدبية والفكرية.

وبناءً على ما تقدم، فإن تحصيل البرقاوي للعلوم والآداب والمعارف، جاء متدرجاً وفقاً للمراحل التعليمية والعملية التي مرت، وكان ذا همة عالية في البحث عن شيوخ العلم، ومصادره الأساسية، فتشكلت لديه هذه الثقافة الموسوعية التي بهرت زملاءه وطلابه ومعاصريه، وربما يصدق على المعلم الفذ، والعالم الجهبذ حسن.

(عضو مجمع اللغة العربية الأردني).








طباعة
  • المشاهدات: 3578
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
19-09-2024 03:43 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم