بقلم : علي محمد مسلم الحجايا
تشيخ كل الحواضر وتهرم كل المدن، وتبقى الكرك فتيةً وفاتنة مجبولة من طين الصبابة وطُهر التاريخ.

شامخة بقلعتها الشمّاء، ترنو بعينين ساحرتين الى روابيها الخالدة، وسهولها الغنّاء كفارسٍ مؤابي ّيمتطي صهوة التاريخ ويرتدي عباءة الأمجاد، ويزهو بعبق تراثها، منارةٍ تروي تاريخ العابرين، وترتلُّ حكايات المجد والقمح والطيوب في محرابها السامي.

الكرك أولّ الفتح، وبيادر الألق، وقصائد الفخار، وحكايات الخلود ..الكرك أكاليل الغار، وموطن الفرسان، الذين يحملون على أسنة الرماح أهازيج النصر ..الكرك ملحمة الخلود وأهزوجة السنابل، وأنشودة العاشقين .. الكرك طُهر الغيم ونقاء الفجر وسيمفونية المطر، ومعزوفة الشمس.. الكرك سيدة الدهشة، وحارسة التاريخ وحاضنة الأحلام ووطن الأمنيات، فيها بدأ التاريخ والى كهفها يؤوي.
ترفض سنابلي أن تشيخ على ابوب خريفها، وتقاوم أشرعة العمر رياح الغياب، وأبحر في بحر عينيها عاشقا أضناه الهيام.
أبحث في قسمات وجها النقي عن لون الغيم وطعم المطر، وأبحث عن وطني الغريب وأحلامي المبعثرة في صفاء عينيها .. أفتش عن تعاريج الطريق وليل الذكريات عن وجهي المسلوب .. وأودع بين يديها سؤالي عن قوافل احلامي الموؤدة، وعن جديلة أمي الشمس، التي باتت تجيد الصمت والغياب.

أخشى، وكم أخشى أن تذوب حكاياتي على دروب الانتظار ، وأن يصبح الهوى شيخا هرما، تغادر قلبه حكايات العمر، وشوق اللقاء! فالعمر شاب نزق، يستهويه الغياب، وأخشى أن يطفئ قناديله في ليل عينيها.
أجمع من جبينها حكايات الغيم وبريق النجوم وأرحل مع قوافل الفجر، وفي حقيبتي حكايات البيادر وترانيم السهول، وأهازيج أسلافي الذاهبة.
يا سيدتي اسمحي لي أن أعانق حروفك المخضبة بدم الشهداء، وألملم صحائف مجدك الطاهرة، التي عبث بها الصغار، حتى إذا رحلت، قيل: كان الفتى المؤابي، يغزل من نبض روحه عشقا، ومن التماعة العين فخرا، ومن وهج الذكريات تاريخا وألقا.
يا سيدتي .. في كل مرة يراودني الغياب عن نفسي، ألوذ بك، وأقول له: ما زال في القلب جذوة وفي ضجيج الروح حكايات للكرك لن تنتهي ابداً.

الكاتب/علي الحجايا