22-09-2024 12:07 PM
بقلم : د.نشأت العزب
في عالمنا المعاصر، لا يمكن تجاهل تأثير الوعي الجمعي على إدارة الأزمات و ما يمكن ان ينتج عنه من ردة فعل شعبية و لذلك فمن الضروري فهم تفاصيل الوعي الجمعي المجتمعي لتوقع ما يمكن ان ينتج عنه من مخرجات و قياس القدرة على التحكم بها و ذلك لما للوعي الجمعي و فهمه الأثر في توجيه الرأي العام، الوعي الجمعي يمثل تلك القوة الخفية التي تربط الأفراد داخل مجتمع ما بمشاعر وتوجهات مشتركة، مما يؤثر بشكل كبير على استجابة الناس للأحداث والقضايا التي تواجههم. وهو ليس مجرد رأي واحد أو موقف محدد، بل هو حالة عقلية جماعية تنبع من تاريخ و ثقافة مشتركة وقيم مترسخة بغض النظر عن جدواها و حقيقتها. لذا، فإن فهم هذا الوعي هو مفتاح لنجاح الحكومات في التعامل مع القضايا المحلية والإقليمية و ضمان الاستقرار الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي.
عندما يتم تجاهل هذا الفهم أو التقليل من شأنه، قد تقع الحكومات في أخطاء تؤدي إلى نتائج عكسية، قد تكون خطيرة وطويلة الأمد. في كثير من الأحيان، عندما تفشل السلطات في إدارة أزمة ما بوعي وفهم لطبيعة المجتمعات التي تتعامل معها، يظهر ما يمكن تسميته بـ "الأبطال الشعوبيين" و هم شخصيات شعبوية تنبثق من رحم الأزمات، وتستغل مشاعر الغضب والإحباط السائد بين الناس، لتطرح نفسها كبديل للقوى الرسمية و كشخصيّات تحمل هموم الشعوب لتقديم اجندات قد تكون منظمة و قد تكون لمصالح شخصية و في كلتا الحالتين الضرر واقع.
الوعي الجمعي ليس ثابتًا، بل هو متغير يتأثر بالأحداث السياسية والاجتماعية، مما يجعل الشعوب في حالة تفاعل بشكل مباشر وغير مباشر مع كل ما يحدث من حولها. في هذا السياق، إذا أدركت الحكومات هذا الوعي وعملت على توجيهه بشكل إيجابي و التعامل معه بشكل سليم، فإنها تستطيع أن تكسب دعمًا شعبيًا قويًا، وتتحكم في مسار الأحداث نحو استقرار مجتمعي.
على سبيل المثال، في حال ظهور قضية محلية، مثل قضية البطالة أو ارتفاع الأسعار او قضايا اقليمية، فإن التعامل مع هذه القضايا يجب أن يتم بحذر وتفهم. الحكومات التي تتعامل مع مشكلات شعبها بصدق وشفافية وتقدم حلولاً عملية وفعالة تحظى عادةً بتقدير شعبي كبير. أما تجاهل هذه القضايا أو التعامل معها بتجاهل قد يؤدي إلى تآكل الثقة بين الشعب وحكومته، مما يجعل المجال مفتوحًا لتدخلات تستغل هذا الغضب الشعبي و تصنع من نفسها ممثلاً للشعب.
عندما يحدث هذا التآكل في الثقة، تبرز شخصيات شعبوية تستغل هذا الوعي الجمعي المشحون لتظهر كمنقذ أو بطل. وغالبًا ما تكون هذه الشخصيات ليست مؤهلة أو صادقة في مقترحاتها، لكنها تلعب على وتر المشاعر الغاضبة والمحتقنة داخل المجتمع.
هذه الظاهرة لها آثار خطيرة؛ فصناعة الأبطال الشعوبيين تؤدي إلى استقطاب المجتمع وتفكيك مؤسساته. عندما يصبح البطل الشعوبي مصدر إلهام لشريحة واسعة من الشعب، فإن ذلك يؤدي إلى تعميق الانقسامات الداخلية وإضعاف الثقة بالمؤسسات الرسمية، هؤلاء الأبطال يعتمدون عادة على خطاب شعبوي عاطفي بسيط يجذب الفئات المهمشة، ولكنه غالبًا ما يكون خطابًا عدائيًا تجاه الحكومة أو تجاه فئات معينة من المجتمع، مما يزيد من حدة التوترات الداخلية.
إن أمثلة صناعة الأبطال الشعوبيين منتشرة في العالم العربي والغربي على حد سواء. في بعض البلدان، أدت أخطاء الحكومات في التعامل مع قضايا محلية أو إقليمية إلى بروز حركات أو شخصيات تحولت إلى رموز للمقاومة أو التحدي. هؤلاء "الأبطال" قد يبدون في البداية كمنقذين، لكن غالبًا ما يؤدي صعودهم إلى تفاقم الأزمات بدلاً من حلها، حيث يتم توجيه الناس نحو المواجهة بدلاً من الحوار، ما يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
إن تجنب صناعة الأبطال الشعوبيين يتطلب إدارة ذكية للأزمات، عندما تواجه الحكومات قضايا محلية أو إقليمية، يجب أن تكون استجابتها مدروسة وتراعي تطلعات ومشاعر الشعب، الشفافية هي المفتاح من خلال تقديم مشاريع و حلول لها الأثر المباشر على أفراد المجتمع .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-09-2024 12:07 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |