26-09-2024 07:58 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
بثقة الزعيم القائد أعلن جلالة الملك في خطابه التاريخي الذي ألقاه في افتتاح المناقشة العامة للدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الأردن لن يكون وطنا بديلا أبدا وأنه لن يقبل بالتهجير القسري للشعب الفلسطيني، وذلك ردا منه على ما يروج له بعض الصهاينة المتطرفين بين الفينة والأخرى.
فهذه العبارات التي تحمل في طياتها معاني التحدي والتصميم على عدم الخضوع لأي إملاءات خارجية تضر بالمصلحة الأردنية العليا وبحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، قد أطلقها جلالة الملك أمام رؤساء دول العالم ووسائل الإعلام الدولية التي قامت بتغطية هذه الفعالية الأممية. فكان وقعها عظيما على كل من استمع إليها، حيث نجح جلالته في إيصال هذه الفكرة لجميع الحضور، وفي مقدمتهم الوفد الإسرائيلي الذي كان موجودا في قاعة الاجتماع ويستمع بانتباه شديد للخطاب الملكي.
إن هذا الموقف الملكي الحازم الذي لا يقبل المساومة بأن الأردن لن يكون وطنا بديلا للشعب الفلسطيني قد جرى التعبير عنه في مناسبات وطنية ودولية عديدة، إلا أن الجديد في هذه المرة أن جلالة الملك قد وصف أي محاولة لتهجير للشعب الفلسطيني بأنها جريمة حرب. وهذا الوصف الملكي الدقيق لما يمكن أن يحاول الكيان الصهويني التفكير به في حربه اللاإنسانية على الشعب الفلسطيني يتوافق تماما مع أحكام القانون الدولي، وبالأخص نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية لعام 1998.
فجريمة الحرب في القانون الدولي تُعرّف بأنها انتهاك جسيم لقواعد القانون الدولي الإنساني الذي ينظم سلوك الأطراف في النزاعات المسلحة، حيث يتسع نطاق هذه الجريمة ليشمل استهداف المدنيين من الأفراد غير المشاركين في الأعمال القتالية، وتعذيب الأسرى ومعاملتهم بطريقة قاسية أو غير إنسانية، وتدمير الممتلكات العامة والخاصة دون مبرر عسكري، والهدم العشوائي للمدن والمرافق المدنية.
وقد تضمنت المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مجموعة من الصور والأشكال المتعددة للسلوكيات والأفعال الجرمية التي ترقى إلى اعتبارها جرائم حرب والتي من أهمها، القتل العمد، والإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع، وتعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية لا تشكل أهدافا عسكرية، وشن هجمات ضد موظفين أو منشآت أو وحدات أو مركبات تستخدم لغايات تقديم المساعدات الإنسانية أو حفظ السلام عملا بميثاق الأمم المتحدة، ومهاجمة المدن والقرى وقصف المباني التي لا تكون أهدافا عسكرية.
كما يضاف إلى صور «جرائم الحرب» لغايات نظام روما الأساسي تعمد توجيه هجمات عسكرية ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، وهدم الآثار التاريخية، وقصف المستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، وشن هجمات عسكرية بقصد إلحاق أكبر عدد من الخسائر في الأرواح بين صفوف المدنيين، وإحداث أضرار واسعة النطاق وطويلة الأجل تجعل من الصعوبة بمكان على الفرد العيش في تلك المنطقة وتجبره على الانتقال منها.
كما يضاف إلى «جرائم الحرب» تعمد تعذيب المدنيين وتجويعهم وحرمانهم من العلاج وذلك من خلال حرمانهم من المواد الأساسية التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، وتعمد عرقلة الإمدادات والمساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظمات الدولية لهم.
أما أهم صورة من صور «جرائم الحرب» وفق أحكام المادة (8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فتتمثل بـ"قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها». وهذا السلوك الجرمي المدان في القانون الدولي هو تحديدا ما أشار إليه جلالة الملك في خطابه الأممي عندما حذّر المجتمع الدولي بأن تهجير الشعب الفلسيطيني وإجبارهم على ترك مدنهم وقراهم، والتفكير في نقلهم إلى الأردن كوطن بديل، ينطوي على اعتباره «جريمة حرب» لغايات ثبوت الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية.
إن الأسلوب الخطابي الصارم الذي اتبعه جلالة الملك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة واصباغ الصفة القانونية السليمة على ما يفكر به الاحتلال الصهيوني من نوايا مبيتة للقضية الفلسطينية واعتبارها جريمة حرب وفق أحكام القانون الدولي، سيسهم في كشف حقيقة هذا الكيان المحتل بأنه يضرب بعرض الحائط كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-09-2024 07:58 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |