30-09-2024 11:20 AM
بقلم : ا. د. عبدالله سرور الزعبي
في مقال سابق وبتاريخ 21/10/2023 وتحت عنوان غزة تغير إستراتيجي في شكل الصراع، كتبت أن ما يدور في المنطقة ينذر بتنفيذ المرحلة الأخيرة من مخططات بلقنة الشرق الأوسط، كما كنت قد أشرت بتاريخ 15/10/2023 إلى أن ما حدث بتاريخ 7/10 غيّر قواعد الصراع ورسم مفهوما جديدا وأسقط صفقات ورشح المنطقة لإعادة التشكيل.
دمرت غزة ولم تتحقق الأهداف الإستراتيجية التي وضعها نتنياهو، فبدأت أنظاره تتجه للشمال، وأجهزته الأمنية التي استطاعت تنفيذ أكبر عملية اختراق أمني للخصم القابع في حدودها الشمالية، وهي التي جمعت كما هائلا من المعلومات، وكانت مطمئنة لنجاح عملياتها التي بدأتها بالبيجر وحيدت الكثير من عناصر حزب الله، وتبعتها عمليات الاغتيال المتتابعة للقيادات الرئيسية، حتى الوصول لرأس الهرم في الحزب، وتوجيه الضربات الجوية الدقيقة، ما أدى لتدمير نسبة كبيرة من مقدرات الحزب العسكرية (يقدرها البعض بزهاء 80 % من القدرات الصاروخية)، ما أفقد الحزب وداعميه المفترضين توازنهم.
بعد ثلاثة أيام من عملية اغتيال زعيم حزب الله، والعالم ينتظر ما ستؤول إليه الأمور، من حيث قدرة الحزب على الرد من عدمه، وفي حال الرد، هل سيكون ضمن القواعد المتفق عليها بين الأطراف والتي خرقتها إسرائيل فعلاً، أم سيخرج الحزب عنها، والتي ستؤدي الى مواجهة أكبر واجتياح إسرائيلي محدود (كون العمليات الجوية والاغتيالات تحقق أهدافها) لجنوب لبنان لتدمير بنية حزب الله العسكرية، وإجبار سكانه على النزوح (بالفعل نزح زهاء مليون لبناني خلال الأسبوعين الأخيرين) لكي تنفذ إسرائيل قرار مجلس الأمن رقم 1701 لعام 2006 بالقوة (وهو ما يتمسك به نتنياهو، إلا أنه في نفس الوقت يرفض تنفيذ القرارات الأممية السابقة والمتعلقة بالقضية الفلسطينية)، وتحقيق نصر إستراتيجي لم يتمكن من تحقيقه بغزة، رغم الدمار الذي ألحقه فيها. في مثل هذه الحالة فإن الدول العظمى ستعتبر أن شروط الحرب الشاملة لم تتوفر بعد.
رغم أن نتنياهو يسعى لأبعد من ذلك، وهو توجيه ضربة لإيران، التي لم تتجاوب حتى اللحظة مع خطة نتنياهو على الرغم من عملية الاغتيال الكبرى والتي ذهب ضحيتها عشرات المستشارين الإيرانيين في سورية بنيسان الماضي. إيران في عهد الرئاسة الجديدة تسعى لتغيير وجه إيران والتقارب مع الغرب لحماية نفسها ومصالحها وبرنامجها النووي (كان هذا واضحاً في خطاب الرئيس الإيراني الجديد)، وهي تعلم جيداً أن انخراطها المباشر في الحرب لن يكون مع إسرائيل وحدها، ما يعني خوضها حرباً، هي خاسرة فيها من الناحية العسكرية والاقتصادية وموقعها الإقليمي على الساحة الدولية. يضاف لذلك القناعة لدى القيادة الجديدة بأن الصراع الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية يجب أن يكون محصوراً كصراع إسرائيلي عربي من المفترض أن لا يعنيها من الناحية الإستراتيجية، بل جل ما يعنيها المحافظة على نفوذها الإقليمي، وهي التي تعرف بأن اللاعبيين الرئيسيين فيه هما إسرائيل وتركيا بالإضافة إليها.
ما حدث خلال العام الأخير، خاصة في لبنان مؤخرا، كان بدعم غربي كامل وخاصة من الولايات المتحدة، لتسهيل عملية إعادة ترتيب وبناء المنطقة من جديد وبالكامل، لكي تخدم المصالح الأميركية (أميركا التي عادت بقوة للتواجد في المنطقة يعد الحرب الروسية الأوكرانية وحرب غزة الأخيرة، وآلية تعاطيها معها، والمحافظة في نفس الوقت على علاقاتها العربية لضمان عدم توسع رقعة الحرب) والإسرائيلية لعقود قادمة.
ما قامت إسرائيل به خلال الأسبوع الأخير أدى لإعطاء الحكومة الإسرائيلية قوة داخلية (خفف من حدة الانتقادات لها)، كما خلق ظروفا تفاوضية جديدة لإسرائيل اليد الطولى فيها، وأضعف موقف محور المقاومة لحد كبير، خاصة أن الذراع الرئيسية للمقاومة (حزب الله) بحاجة لوقت طويل ليلملم جراحه ويتخلص من الاختراقات الداخلية لجسمه إن استطاع. الوضع الذي وصل إليه الحزب قد يمهد الطريق للإسراع في اختيار رئيس للجمهورية ويسرع في إعادة انتشار الجيش اللبناني والسيطرة على الأمور كقوة عسكرية رئيسية في الجسم اللبناني.
في جميع الأحوال، موضوع الشرق الأوسط، سيطر على معظم النقاشات العالمية منذ أكثر من سبعة عقود، مع صراعاته المعقدة، والتداخلات الدولية والإقليمية والطائفية والمجتمعية والاقتصادية على ساحة دوله (رغم أنها كانت محصورة في الصراع على الأراضي الفلسطينية)، ما جعل الكثير من دوله تعيش حالة عدم استقرار. ومع طول الفترة الزمنية والنقاشات والقرارات الأممية المختلفة إلا أن مستقبله ما يزال غامضا في ظل الصراعات العالمية المتزايدة على السيطرة والنفوذ في دوله، رغم اهميته القصوى للأمن والاقتصاد العالمي، الأمر الذي يتطلب إيجاد حلول سريعة لضمان أمنه واستقراره، وهذا لن يتم دون إيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية، وهو ما يدعو له صوت الحكمة الأردني بقيادة جلالة الملك وباستمرار.
بكل تأكيد المنطقة مقبلة على مخاض جيوسياسي كبير، لم تشهده منذ الحرب العالمية الاولى وتنفيذ مخططات سايكس بيكو على الارض، وخاصة في غياب الرغبة الدولية لخفض التوترات وصعود جبهات متطرفة قائمة على نزعة طائفية وعرقية مختلفة في الكثير من انحائه وفي داخل إسرائيل، وهي الدولة التي من المفترض ان تكون غالبيتها من المجتمع العلماني (إلا أن سيطرة المتطرفين في الفترات الأخيرة أبعدها كل البعد عن علمانيتها، وهو الأمر الواضح من الاعمال التي يقوم بها المستوطنون منهم وأعضاء الحكومة المتطرفين). إن مثل هذا الأمر دفع الدول المسيطرة على الساحة العالمية للاستفادة من الوضع الجيوسياسي وإعادة هيكلة المنطقة حسب ما يخدم مصالحها ولعقود قادمة.
الأمور التي تفاقمت منذ نهاية العام الماضي، من تدمير لغزة وما يجري على أراضي الضفة الغربية وتدمير البنى التحتية في لبنان وعلى الأراضي السورية وغيرها أصاب دول المنطقة بالرعب من احتمالية تقسيمها وتنفيذ عمليات تهجير للسكان طوعا (لعدم قابلية الارض للحياة) او قسراً كما حصل في الماضي، وفرض واقع جديد في المنطقة في ظل غياب وتعطيل شبه تام لهيئة الأمم المتحدة، التي هاجمها نتنياهو في خطابه الأخير واتهمها بمعاداة السامية، ولسان حاله يقول قرروا ما شئتم وسنفعل ما نشاء. كما أن نتنياهو الذي عرض خرائط النعمة (مبيناً عليها طريق التنمية) والنقمة للمنطقة، ومطالباً العالم بالاختيار بينها، كان من المفروض عليه ان يكون قد اختار أولاً قرار الجامعة العربية لعام 2002 والمتضمن خطة السلام الشامل مع الدول العربية، والعمل على تنفيذ القرارات الأممية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، لضمان مسار النعمة الذي يدعو إليه.
إننا في الأردن نعي كل المخططات التي تسعى إليها حكومة نتنياهو من تهجير للفلسطينيين وأن يكون الأردن وطنا بديلا لهم، وهو الأمر الذي تحدث عنه جلالة الملك وبمنتهى الصراحة بأن الأردن لن يكون وطناً بديلاً لأحد، ومن واجبنا اليوم وواجب كل الأمة العربية تكثيف الدعم للأشقاء الفلسطينيين للثبات في أرضهم باعتبارهم خط الدفاع الاول عن الأمة. كما أننا في الأردن نثق ثقة مطلقة بقواتنا المسلحة وهي القادرة على الدفاع عن مصالح الأردن الإستراتيجية العظمى، وبقيادة هاشمية ذات رؤى ثاقبة، سبق وأن حذرت قيادات وشعوب العالم من الأخطار الناجمة عن عدم حل القضية الفلسطينية على أمن واستقرار العالم أجمع.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-09-2024 11:20 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |