حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,27 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2715

فيروز تتذكر…

فيروز تتذكر…

فيروز تتذكر…

30-09-2024 04:43 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : السفير قيس شقير
أنا فيروز… اسمي نهاد وديع حداد؛ أنا أيقونةٌ من أيقونات الزمن الجميل، سبقتني أيقوناتٌ كبرى من بلدي لبنان، ومن بلادي العربية كلّها: وديع الصافي، ونصري، وشحرورة الوادي، وأم كلثوم، وعبد الوهاب، والسنباطي، وفريد، وعبد الحليم، وغيرهم كثير…
أكتب لكم لأتذكّر، رغم أنّي لم أنس، ولأذكّركم بلبنان، رغم ثقتي أنّكم لم تنسوه، فهو عصيٌّ على النسيان. أكتب لكم لا تحسّرًا على لبنان وأيامه، بل لنتدارك خطبًا يحلَّ به؛ فكلّنا يحبّ لبنان؛ لبنان الذي كان “سويسرا الشرق” في ستينيات القرن الماضي، وسيظل…
كنّا في بعلبك، أنا وعاصي ومنصور، نُلهب مدرجاتها بموسيقى قيل عنها - حينها- أنّها أحدثت ثورةً في الموسيقى العربية، وكان المهرجان في تلك المدينة القديمة، أجملُ مكانٍ نُعلن فيه الثورة والتجديد، فهذا هو شأن لبنان، قديمٌ قدم التاريخ، فتيٌ لا يشيخ، عظيمٌ عظمة أجداده الفنيقيين الذين جابوا البحار منذ آلاف السنين مبشّرين بحضارتهم ينهلون من ثقافات غيرهم، لتكون المحصلة هُويةً حضاريةً إنسانيةً تتجاوز الزمان والمكان، في بوتقةٍ لا يمكن أن تكون إلّا لبنانيةً فحسب.
هذا لبنانُ الذي يسكنني وأسكنه؛ لبنان ميخائيل نعيمة وجبران وسعيد عقل، لبنان الجامعة الأمريكية “الكلية البروتستانتينية السورية”، منارةُ العلم منذ بداية القرن الماضي حتى منتصفه. فما من سياسيٍ في بلاد الشام إلّا وتخرّج منها.
لبنان الجمال، والطبيعة الساحرة، محجُّ الزائرين والمصطافين، لبنان العلم والعلماء، لبنان التاريخ، فمن يجرؤ على تخطّي عتبة لبنان إذا ما رام الغوص في تاريخنا، وتاريخ بلاد الشام، وبلادنا العربية؟
لبنانَ الذي أتذكّر هو العصيّ على العدوان منذ الأزل، هو من غنيت له من لحن العظيم فيلمون وهبي “إسوارة العروس”، “وبحبك يا لبنان” يوم محونا العدوان، وأعدنا بيروت عاصمةً للثقافة والفن والجمال بعد كبوة شبح الحرب الأهلية. لبنان الذي أتذكر هو من غنيت فيه لمكّة: “غنيت مكّة أهلها الصيدا، والعيد يملأ أضلعي عيدا” وهي من أجمل ما قيل في أمّ القرى على لسان سعيد عقل شاعر لبنان العظيم، والتي يصف فيها أهل مكّة بأنّهم كرماء يتصيدون الضيف حتى يُقروه، وهذا معنى “الصيدا”.
وغنيت للقدس، زهرة المدائن:
"لأجلك يا مدينة الصلاة أصلّي،
لأجلك يا بهيّة المساكن،
يا زهرة المدائن، يا قدس … يا مدينة الصلاة أصلّي…" من لحن عاصي وكلمات منصور، قصدنا منها مداواة بعضٍ من جروحات الانكسار عام سبعةٍ وستين وتسعمايةٍ وألف. وغنيّت من كلمات سعيد عقل أيضًا:
“أردنُّ أرض العزم أغنية الظبا، نبت السيوف وحدُّ سيفك ما نبا … في حجم بعض الورد إلّا أنّه لك شوكةٌ ردّت إلى الشرق الصبا…"
وغنيّت وغنيّت، في كلِّ البلاد العربية، ولها جميعًا، أليست كلها بلادي؟
وكنت أحرص أن أردد ترانيم عيد الميلاد، وعيد الفصح من كنائس لبنان، حتى غدت أنشودة “ليلة عيد، ليلة عيد، الليلة ليلة عيد” أنشودة العالم العربي في تلك المناسبات.
هذا هو لبنانُ، هو ليس متفردًا بألقه، بل هو كبيرٌ بأشقائه ومحبّيه. لم يكن عنّا بعيدًا محمد عبد الوهاب بموسيقاه وألحانه، كان يأتي كل سنةٍ إلى لبنان ليصطاف، وليسمع ألحان الرحابنة، وزكي ناصيف، وغيرهم. وقد غنيت من ألحانه، ومن شعر جبران “سكن الليل”، و”سهار بعد سهار، تا يخلص المشوار”. وغنَّت أم كلثوم من شعر اللبناني جورج جورداق “هذه ليلتي”، وقالت فيها: “بعد حينٍ، يبدّل الحب دارا، والعصافير تهجر الأوكارا، وديارًا كانت قديمًا ديارا”. واستقر في لبنان فريد الأطرش لسنواتٍ، ومات في بيروت، لتنطلق منها أكبر جنازةٍ عرفناها لفنانٍ. هذا هو لبنان، ويا ليت المقام يتسع للبوح أكثر.
ولبنان اليوم، ما اختلف عن الأمس، هو الإرثُ ذاته، والروحُ ذاتُها، لكنُه في محنةٍ، فحريٌ بنا أن نقف، ونفكّر بحق هذا البلد العظيم، أعرف أن القلوب كلّها معه، لا أحد يرجو له مكروهًا، كلّنا يستشعر ألمه، كلّنا يحسّ وجع اللبناني؛ لبنان يستصرخكم، دون أن يتكلم، ففي قلب كل لبناني يقينٌ بأنّكم تحبّونه، وترجون له عودة العزّ والألق، وأنّكم لن تتخلوا عنه…
هذه هي رسالتي من لبنان إليكم، وأثق أنّها وصلكتم؟








طباعة
  • المشاهدات: 2715
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
30-09-2024 04:43 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم