01-10-2024 08:24 AM
بقلم : تمارا خزوز
في الأوقات الصعبة، يصبح الخطاب السياسي للدولة عاملا حاسما في توجيه المواطنين وتهدئة التوترات والحد من حالة الترقب التي ترافق الأحداث المتسارعة والتطورات الخطيرة في المنطقة. سواء كانت تبعات تلك التطورات واقعا حتميا أو مجرد هواجس في أذهان الناس، فإن الدولة بحاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى، إلى تعزيز الالتفاف الشعبي حول مؤسساتها وتقوية جبهتها الداخلية، حتى لا تظل هذه المتغيرات السياسية المحلية والإقليمية عرضة للتكهنات والتأويلات غير المدروسة التي تؤثر في الرأي العام.
إن التوسع الهائل في الخطاب عبر شبكات التواصل الاجتماعي يحدث على حساب العمومية التي تعتمدها الحكومات. هذه المعركة بين الخطاب العام التقليدي الذي تتبناه الحكومات والخطاب المرن برسائله المتجددة على شبكات التواصل الاجتماعي، التي اقتحمت عالم السياسة وخلقت نمطا جديدا من العمل السياسي، تمثل تحولا كبيرا يجب على الحكومة عدم إغفاله؛ هذا الواقع الجديد فرضته «سلطة التكنولوجيا» وتجاوزت فيه الإعلام التقليدي والخطاب الرسمي بمراحل، وفرضت واقعا جديدا يجعل الحكومات تخسر إذا لم تتنبه لخطورة مرونة أدوات هذه التقانة التي أنتجت خطابا موجها متنوعا.
هذا التحول يعني بالضرورة تغييرا جذريا في طريقة صناعة الرأي العام، وصياغة التحولات السياسية والاجتماعية. فالإصرار إذا على عمومية الخطاب سيضعف قدرة الدولة على إيصال رسائلها بصورة واضحة ومركزة، الأمر الذي سيقلل من التأثير والارتباط مع الفئات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المؤثرة والفاعلة.
ضعف تأثر الخطاب الحكومي سيؤدي أيضا إلى زيادة التحديات المتعلقة بانتشار المعلومات المضللة والاستقطاب الاجتماعي من خلال نشر خطاب الكراهية والتطرف، وهي مخاطر قد تستغلها بعض القوى الخارجية في أي وقت.
في ضوء ذلك، من الضروري أن تعيد الحكومة الجديدة النظر في سياسة «سكن تسلم» التي اعتمدتها الحكومات السابقة لسنوات، وأن تبتعد عن استراتيجية «عمومية الخطاب الحكومي» بلغته المحايدة ومضامينه العامة. هذه المضامين لا ترتقي إلى خطورة المرحلة ولا تجيب على التساؤلات المصيرية والمخاوف الوجودية التي تسيطر على أذهان الناس.
من المفهوم أن هذه السياسات فرضتها طبيعة الحكومات وحساسية المواقف ومتطلبات الحديث مع مختلف شرائح المجتمع، ولكن الوقت قد تغيّر. ويتطلب هذا التغيير من الحكومة والقوى السياسية التقليدية أن تتكيف مع هذا التحول الهائل الذي يحدث من حولنا، فالقوالب القديمة لم تعد تجدي نفعا في مواجهة هذا الواقع الجديد.
عمومية الخطاب يقابلها المصارحة والمكاشفة حول خطورة ما يحدث في الإقليم وتأثيره على الساحة الداخلية، وما لنا وما علينا. وتقدير الموقف هذا يتطلب من الحكومة تفعيل أدوات الخطاب السياسي المعاصر، بما يتناسب مع المرحلة القادمة، خصوصا مع اقتراب انعقاد الدورة الجديدة لمجلس النواب. والأخذ بعين الاعتبار ديناميكية العلاقة مع الأحزاب السياسية والنواب الجدد، وتفاوت نسخ الخطاب السياسي المنتظر بين متزن عقلاني وشعبوي عاطفي.
سيزداد الضغط ويرتفع سقف التوقعات على الحكومة الجديدة في الأيام القادمة، فقد توضع على الطاولة ملفات قد لا تكون أولوية في الوقت الحالي وتكثر المعارك الجانبية، والمواطن يقع ضحية هذه الفوضى بين عمومية الخطاب وشعبويته في نهاية المطاف.
الغد
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-10-2024 08:24 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |