02-10-2024 09:11 AM
بقلم : د. صلاح جرّار
من وسائل الاحتلال الصهيوني في حربه النفسيّة والإعلاميّة اللجوء إلى الكذب بجميع ألوانه وأشكاله وأنواعه، ولا يستطيع أحدٌ أن ينكر أنّ هذا الاحتلال متفوّق جدّاً في هذا الفنّ وابتكار أساليبه ولا أحد يضاهيه في ذلك، وهذا الفنّ يمارسه الصهاينة صغارهم وكبارهم بدءاً من رؤسائهم ورؤساء حكوماتهم مروراً بوزرائهم وانتهاء بأيّ ناطق عسكري، ولا يستطيع أحدٌ أن ينكر أيضاً أنّهم من كثرة تفنّنهم في صناعة الكذب قد نجحوا في خداع كثير من الناس وعلى وجه الخصوص زعماء الدول الغربيّة ورعايا تلك الدول، لأنّ أبناء الدول الغربيّة مهيّ?ون أصلاً- بحكم هويّاتهم الثقافية-لتصديق أيّ شيءٍ يسيء للعرب ويشوّه صورتهم، إلاّ أنّه مع مرور الزمن وتكرار الكذب قد بدأت أكاذيب الصهاينة تتكشّف شيئاً فشيئاً، ولعلّ أكثر من يعرف هذه الأكاذيب ويكشفها هم الذين يقفون في مواجهة هذا العدوّ بشكل مباشر، فهم الذين يؤثرون ويتأثرون بالصدام مع هذا العدوّ، وهم الذين يعرفون كيف يقدّم الصهاينة صورة الأحداث بعد تشويهها أو اجتزائها أو تضخيمها والمبالغة فيها أو حجبها أو تزييفها أو غير ذلك كثير. كما نجحت فصائل المقاومة في غزّة والضفّة الغربيّة ولبنان في فضح ما ينكره العدوّ ال?هيوني أحياناً أو ما يكذب فيه من خلال تصويرها لبعض أعمال المقاومة أو تقديم أدلّة ملموسة قاطعة على الكذب الصهيوني.
وقد اعترف الجيش الصهيوني غير مرّة بأنّه يتكتّم على خسائره في المواجهات التي تقع بينه وبين رجال المقاومة وأنّ الرقابة العسكرية لديه لا تسمح دائماً بالكشف عن خسائر هذا الجيش أو تفصيلات هذه الخسائر أو بعض الأحداث ولا تسمح بالكشف عن الأضرار في المنشآت العسكرية.
وقد يذهب بعض المسؤولين الصهاينة في كذبهم إلى درجة بعيدة تكون كفيلة بفضحهم، لكبر حجمها، ومن المتداول في ثقافتنا العربية قولنا: تعرف الكذبة من حجمها، وهذا ما لا يتورّع الصهاينة عن ممارسته عندما يطلقون من أكاذيبهم ما يجافي المنطق ولا يقبله العقل ولا يصدّقه الواقع. وإذا كان من كذبهم ما تظهر عليه صور المبالغة والتضخيم، فإنّ منه أيضاً ما يثير السخرية والاستهجان لتفاهته ووضوحه، وهو نوع من الكذب الذي يعبّر عن استخفاف الصهاينة وإعلامهم بعقول الناس.
والأساس الذي تقوم عليه صناعة الكذب الصهيونية في سياق الحرب النفسية ينقسم إلى شقّين متقابلين، أولهما التقليل إلى حدّ التسخيف لنتائج عمليّات المقاومة، وثانيهما التضخيم إلى درجة بلوغ المعجزات والخوارق لإنجازات الجيش الصهيوني.
ومن صور التقليل والتهوين المبالغ فيه لنتائج عمليات المقاومة أن يقسّم الناطق العسكري الصهيوني في بياناته العسكرية صواريخ المقاومة وقذائفها التي تسقط على معسكرات الجيش الصهيوني أو مستعمراته إلى أربعة أقسام: صواريخ تسقط في مناطق مفتوحة وغير مأهولة، وصواريخ تسقط قبل دخولها الأراضي المحتلة، وصواريخ يتم إسقاطها جميعها، وصواريخ تصل الأراضي الفلسطينية المحتلة لكنّها لا تخلّف أضراراً ولا إصابات. وفي أقصى الحالات قد يتحدث الناطق العسكري عن بعض الإصابات بعد أن يقلّل من عددها إلى أدنى حدّ ممكن، ومن أمثلة ذلك أنه سق? فجر يوم الأحد 25/ 8 من لبنان ثلاثمائة وعشرون صاروخاً في عدد كبير من المستعمرات الصهيونية، وكانت النتيجة أن اعترف الناطق العسكري الصهيوني بوقوع إصابتين فقط.
ومن عادة هذا الكاذب العسكري أن يقسّم الإصابات متى اعترف بوقوع بعضها إلى إصابات طفيفة، وغالباً ما يكتفي بها، وأحياناً يجود علينا بالاعتراف بإصابات متوسّطة، ويجود أكثر بالاعتراف بإصابة خطيرة، أمّا إذا (طبشها وثقّل العيار) فإنّه يعترف بإصابة حرجة.
وغالباً ما يجعل الناطق العسكري هذه الإصابات ناجمة عن شظايا قذائف القبّة الحديدية أو بسبب الهلع أو نتيجة التدافع للوصول إلى الملاجئ، أما الصواريخ التي تنهمر على معسكراته ومستعمراته فهو يصوّرها على أنّها صواريخ كرتونية لا جدوى منها ولا أثر لها، وحتى يقنع المشاهد بعدم تأثيرها ينشر صورة لأحدها وقد خلّفت حفرة صغيرة في الأرض لا يزيد قطرها عن عشرة سنتيمترات، أو أصابت حجراً مهلهلاً في سور أحد المنازل وبجانبه بقعة سوداء من أثر الدخان الناتج عن احتراقه.
وعندما يتحدث هذا الناطق الكاذب عن الطائرات المسيّرة التي تهاجم مستعمراته ومعسكراته فإنه يصوّرها سهلة الاصطياد وعديمة الفاعلية والأثر، فقد ينشر صورة لها وهي عالقة في حبل غسيل أو سلك كهرباء في حالة تثير الشفقة عليها.
أمّا إذا خلّفت هجمات المقاومة الصاروخية أو بالطائرات المسيّرة ضرراً كبيراً في أحد الشوارع أو المباني فإنّ ما ينشره الإعلام الصهيوني من صورٍ لهذا الضرر لا يتعدّى جزءاً يسيراً وضئيلاً منه داخل صورة مؤطّرة وصغيرة وضيّقة.
أمّا التضخيم في منجزات الجيش الصهيوني فإنّ الناطق العسكري يحلّق فيه كثيراً حتى يبلغ الخوارق والمعجزات، حتى إنّ لغته في بياناته في هذا المجال لا تخرج عن المفردات المعبّرة عن أعلى درجات الصلف والغرور والغطرسة مطلقاً العنان للسانه في استخدام مفردات مثل القضاء التامّ على (الإرهابيين) وتحييدهم وإنهاء وجودهم وإزالة تهديدهم وتدمير قواعدهم وتفكيك كتائبهم وغير ذلك.
وإذا كان المتحدث الصهيوني يقلّل إلى أدنى حدّ ممكن من أرقام الخسائر والأضرار الصهيونية نتيجة هجمات المقاومة، فإنه يبالغ إلى أعلى درجة ممكنة في أرقام الخسائر والأضرار التي تلحق بالمقاومة نتيجة الهجمات التي يقوم بها الجيش الصهيوني، فيتحدث عن تدميره لآلاف الصواريخ والمنصّات والقواعد العسكرية والمنشآت وقضائه على مئات وآلاف المقاتلين، وكلّما نجح في اغتيال أحد رجال المقاومة يذهب إلى القول إنّه نجح في تصفية قائد كبير من قادة المقاومة.
إنّ صناعة الكذب عند الاحتلال الصهيوني سياسة قديمة ومدروسة ومخطط لها بدقّة ومدعومة بمشاركة أمريكية وغربية سريعة بعد إطلاق كلّ كذبة من أكاذيب الصهاينة. ويهدف الجيش الصهيوني وداعموه الغربيّون من هذه السياسة إلى إضعاف الروح المعنوية للمقاومة وجمهورها، وطمأنة المجتمع الصهيوني الذي يعيش في حالة قلق دائم على مصيره المحتوم بمحاولة إثبات أنّ جيشه له اليد العليا على جميع الدول والتنظيمات التي تقاوم وجوده غير الشرعيّ في المنطقة العربيّة.
Salahjarrar@hotmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-10-2024 09:11 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |