حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,6 أكتوبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 4138

منتدى المستقبل الثقافي يكرّم الأديبة سميحة خريس - صور

منتدى المستقبل الثقافي يكرّم الأديبة سميحة خريس - صور

منتدى المستقبل الثقافي يكرّم الأديبة سميحة خريس - صور

06-10-2024 09:06 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - كرمت الهيئة الثقافية لمنتدى المستقبل الثقافي الأديبة سميحة خريس ممثلة برئيسها د مرام أبو النادي وبرعاية معالي الأستاذ الدكتور صلاح جرار في حفل أقيم في المكتبة الوطنية ذاكرة الوطن وذلك ضمن فعالية ثقافية شارك فيها كل من الدكتورة هند أبو الشعر والدكتور الشاعر راشد عيسى و الأستاذة بثينة الزير وكانت بقديم من الأديبة ريم الكيالي وافتتحت الفعالية التكريمية بكلمة معالي الدكتور صلاح جرار الذي أكد على أهمية تكريم المثقفين والأدباء لأنهم أساس الحضارة لأية أمة وفي كلمة رئيس اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين أشار الشاعر عليان العدوان بأن التكريم لفتة كريمة بحق الأدباء في حياتهم لأنه سيعزز من استمراريتهم في الإبداع أما الدكتورة مرام أبو النادي فذكرت في كلمة لها بأن التكريم لا يعتبر هدفا من أهداف منتدى المستقبل الثقافي بل بات عرفا؛ لأن المثقفين والأدباء ستخلّد أعمالهم للأجيال ؛لاسيما وأن ألأديبة خريس تكتب في الواقعية فهي تعيش ما نعيشه فتكتبه فتكتب في المكان الأردني وعاداتنا فهي توثق الجميل منا نعيشه للغد في المستقبل للجيل القادم. وقدت الدكتورة هند أبو الشعر ورقة في الرواية كتسلسل يؤرّخ بدايتها مع الأديبة خريس جاء فيها:
سميحة خريس
عندما يكون عالم السرد من ذهب
كانت المرّة الأولى التي أسمع فيها باسم سميحة خريس، عندما زارني الأديب القاص فخري قعوار، وحدثني عن الصحفية "سميحة علي"، واقترح عليّ التعرف إليها، أذكر تماما انه أخبرني عن مجموعتها القصصية الأولى " مع الأرض " الصادرة عام 1978 م، لكنه أضاف بإعجاب بأنها روائية أيضاً، أصدرت رواية بعنوان " رحلتي " عام 1982 م، كان هذا اللقاء في أواخر الثمانينيات، لكنني لم اتعرف إلى سميحة علي، ولم أقرأ روايتها، كانت انشغالاتي الأكاديمية تخطفني من المتابعة ، إلى أن جاءت سميحة علي إلى عمان ، وتركتْ " جريدة الاتحاد " في أبو ظبي ، وقررتْ الاستقرار في عمان ، وكنتُ عندها اعمل في جامعة آل البيت ، وأكتب في جريدة الرأي زاوية أسبوعية ، واكتشفتُ بأن "سميحة علي" هي "سميحة خريس" صاحبة المقالات المدهشة ، وعندما التقيتها شدتني شخصيتها العامرة التي تشبه غابة تتعانق فيها أشجار متراصة ومزهرة ، وأذكر انها كانت مسكونة يومها بالبحث عن شخصيات من زمن الثورة العربية الكبرى ، اشتبكنا بأحاديث لا نهاية لها عن هذه الشخصيات ، وأخبرتني عندها أنها تُحضّر لروايتها الجديدة ، وانها ستستقر في عمان ، أذكر أننا تبادلنا رسائل قليلة ،( وما أجمل زمن الرسائل )، وصارت سميحة خريس مثل زهرة عباد الشمس ، مفردة في إبداعها الروائي ، تدور حول شمس الإبداع وتدور ، وفي كل موسم تزهر رواياتها ، ويدهشنا تجددها ، كنت أزور جريدة الرأي زيارات أسبوعية ، فكل الذين يكتبون فيها تجمعني بهم الصداقات والمحبة ، واستطعتُ ان أستقطبَ هذه الصداقات الأدبية والفكرية للمشاركة في ندوات " مجلة البيان "و كنت رئيسة لتحريرها ، وكانت تصدر عن جامعة آل البيت ، وأذكر تماما أن سميحة شاركتنا في ندوة خصصناها للذكري الثمانين لقيام أول دولة عربية في دمشق ،الدولة العربية الفيصلية ، وتحدثتْ بحنينٍ جميلٍ عن جدّها لأمها رجل التنوير وعضو المؤتمر السوري" سعيد باشا الصليبي" ، رئيس بلدية السلط ، وكنتُ مأخوذةً بقراءتها لزمن الجدّ وفكر تلك المرحلة المضيئة ، ولفتني حبها الكبير للبيوت العتيقة التي تختزن الذاكرة لزمن السلط ببيوتها الصفراء المضيئة ومنها بيت جدها ، واستذكرتْ الخال الشاعر الشاب" رفعت الصليبي" الذي غادر الحياة مبكرا في عزّ العمر، كما أنها شاركتنا في ندوة ( الرواية في الأردن ) التي ضمت مجموعة كبيرة من الروائيين والنقاد ، حيث تجلّت سميحة بلا حدود ، وأنا شخصيا اعتبرتُ حضورها فرحة لي ، فقد أصبحت صديقة الروح التي استعدناها من عالم الخليج الزاخر بالصحافة المتميزة آنذاك، جاءتنا سميحة وهي تلبس ثوب الرواية الزاهر ، ومعها خبرة ثرية بالعمل الصحفي الراقي ، وصارت علما مبهجا في الوسط الثقافي الأردني .
سميحة المبدعة :
أعترف بأنني أتابع اللقاءات والمقابلات مع سميحة بنفس القدر الذي أتابع فيه رواياتها، فهي سخية في التحليل ودفع القارئ إلى مشاركتها في التفكير، وهي لذلك تحرص على إشراك القارئ في لعبة بناء الرواية، تقول في تحليل فعل الكتابة بأنه " تعبير عن حريقٍ داخلي، هو بعض حريق الحياة، يبحث عن فرصته ليتجلى ويهزّ شجرة الحياة " وتعترف بأنها تلعب لعبة خطرة حين تجمع بين غلافين شيئا من العقل والجنون ، وشيئا من الحداثة ، ممزوجا بقدر لا يستهان به من الواقعية ، وأحيانا الفانتازيا ،" وقد استوقفني تحليلها لأدوات كل نصّ تكتبه ، فهي عاشقة للمسميات والأمكنة وتحديد الأزمنة ، وتعترف بأنها تتقصد الأمكنة وتعطيها دور البطولة ، وترصد الزمن بدقة ليكون الشاهد على ما سبقه والمستشرف لما يأتي ، وتجد انها بهذا تعمل على تجذير الذات ، وأن هذا يقود إلى حالة الانتماء الخاص والإنساني وبلا حدود ، والجميل أنها تجد من خلال خبرتها الوافية بالرواية أن " النصّ هو الذي يختار احتياجاته ، وتختصر الكتابة عندها بأنها " تكتب لكي تتمكن من التنفس ، وكي تظل صور الأحلام مشرقة وطازجة في ذهنها ، وانها بذلك تعالج نفسها من التقرحات والأوجاع "، لا أظن ان هناك بوح أجمل من هذا ، إنه البوح النبيل لكاتبة أردنية مبدعة ، ومتجددة في عالم الدهشة والتخيل .
القصة القصيرة والرواية عند سميحة :
وبحكم علاقتنا معاً بالقصة القصيرة، فقد استوقفني تحليل سميحة لعلاقتها بفني القصة القصيرة والرواية، تقول: " ترجح كفة الرواية عندي، أحيانا تندفع القصة مطالبة بالجلوس إلى المائدة، لا أدفعها، أدخلها في النص الفضفاض الكريم القابل لكل الفنون، القصص القصيرة فتافيت تساقطت من عباءة الرواية عندي، وقد تكون الكون بأسره عند غيري .. وتضيف منحازة للرواية بكل وجدانها " " في أواخر القرن العشرين كنا نروج للحديث عن عصر السرعة ونظرية " الساندويش " إلى الأكل السريع والقراءة السريعة، كانت هذه محاولة لتسييد القصة القصيرة فناً يناسب العصر، فإذا بالسوق يخالف توقعاتنا، وينحاز إلى الرواية .." وواضح ان سميحة روائية حتى العظم، وأن القصة القصيرة لا تملأ عالمها الواسع، لأنها تجد نفسها كروائية تقف على أعلى مرتفعات التعبير، وترى ان هذا يجعل الروائي يرى ما لا يراه الآخر، وهو ما يذكرني بما كان يقوله لنا أساتذتنا الرواد الكبار في قسم التاريخ بالجامعة الأردنية، كانوا يؤكدون لنا بأن دارس التاريخ يُطل من موقع مرتفع على العالم، ويرى ما لا يراه الغير، فهل يتلاقى الروائي والمؤرخ ..؟ صحيح أنهما يتلاقيا في اتساع الرؤيا، وفي اعتماد الروايات والسرد هيكلا عظميا لعملهما، لذلك ترى سميحة أن هذا العلو والاستشراف ينتج نصاً زخماً محملا بالحياة بكل عناصرها، وتلك هي الرواية ، ومن هنا أصبح هذا هو زمن الرواية ، ومع أن ما قالته سميحة صادق تماما لتحليل تجربتها كروائية تكتب القصة القصيرة أيضا ، لكنني لا اوافقها على تقزيمها للقصة القصيرة ، فأنا أرى أن فن القصة القصيرة هو العالم يا سميحة ، مع أني أكتب الرواية الأولى الآن ، واعلن عن رضاي عن تجربتي فيها ، لكنني سأظل أقول بمحبة كبيرة ، " أنا كاتبة قصة قصيرة قبل كل شيء " أعطيني وعدا يا صديقتي لتعيدي علاقتك بفن القصة القصيرة الذي خرجتْ من خلاله " أوركسترا " وأنا بالمقابل أعطيك وعدا لألبس عباءة الرواية ، هل اتفقنا ..؟ .
الشخصية الروائية عند سميحة خريس:
تفوق سميحة يكمن في قدرتها العجائبية على رسم الشخصية الروائية، إنها تدهشني وانا أتنقل بين شخصيات رواياتها عبر مسيرتها التي بدأت فعليا عام 1995 م، تقول في تقنية رسم الشخصية في رواياتها: " الشخوص في الرواية متعة خاصة بالنسبة لي، إنها فسيفساء الإنسان التي ألعب عليها ،.. أتعامل معها كما لو كانت دمية في مسرح العرائس، لكنها تنبعث من ركام الحروف في محاولة لتتشكل لحماً ودماً وإرادةً مستقلة، وتدفع بالحديث إلى حيث لم أتوقع، تشاكسُني، تفرض منطقها الخاص داخل النصّ،" وتعطينا سميحة نموذجا على هذا في رواية " خشخاش " التي تطرح الصراع بين الكاتب والمكتوب، لكن سميحة الكاتبة الروائية تعترف بأن الخيوط النهائية هي في يد الكاتب، ودعيني أقول إنه في النهاية مُحرّك هذه الخيوط والإمبراطور صاحب عصا الماريشالية، وكلنا في حقيقة الأمر، كتاب نحمل هذه العصا ، ونلوح بها أمام الشخصيات التي نقدمها على الورق ، ونطوعها إن تمردت ، كلنا نتحول إلى حالة من الدكتاتورية المبررة ، ونتصالح مع الشخصيات التي تندفع من أناملنا إلى أحرف اللاب توب ، وتجلس بيننا بكل أبهة الإبداع .

وقفة أخيرة:
عالم رفيقة الروح والقلم سميحة خريس زاخر مثل محيط ، بشواطئ استوائية تموج فيها الغابات العجائبية ، سميحة المتجددة في كل نص روائي تقدمه ، من عالم تنوير الثورة العربية الكبرى ، إلى " دفاتر الطوفان " في عمان ، إلى دارفور و " فستق عبيد " في عوالم إفريقيا ، إلى يحي ، الذي يتنقل في رقعة جغرافية تتسع ما بين الكرك، وصحراء سيناء ،والقاهرة، ودمشق، واستانبول، والأندلس، وأوروبا ، والذي يطرح أسئلة الوجود والعقل ، وصولا إلى "الصحن "و"على جناح الطير" إلى "نارة وإمبراطورية الورق "،" وشجرة الفهود "، سميحة التي أدانت العبودية في " فستق عبيد " بطريقة تجعل الرواية كما وصفها البعض (مرافعة أدبية ) تدين العبودية ، وتصل إلى حد أن العبد في لحظات يشعر بالحرية أكثر مما يشعر السيد ، والسيد يشعر بالعبودية أحيانا أكثر من العبيد ، وكأن العبودية داخل كل شخص فينا ، لأنها في النظام الاجتماعي ، سميحة التي درست علم الاجتماع في القاهرة ، وزارت إقليم دارفور كتطبيق على الدراسات الأكاديمية ، أبدعت في نقل عالم العبودية وإدانته بأرقى الفنون ، وأكثرها قدرة على الصراخ والاحتجاج باسم الإنسانية المستباحة ، والظلم البشع ، وهو صراخ للروح النقية ، روح الروائية التي تكتب بمسئولية إنسانية ، وبقدرة إبداعية مدهشة ، تجعلنا نتمنى لو ان اعمالها تترجم إلى اكثر من الإنجليزية والألمانية والفرنسية ، لنقول للعالم بأن بيننا في الأردن روائية مبدعة ، نالت الجوائز والأوسمة ، وقُدمت الدراسات الأكاديمية لدراسة اعمالها ، روائية نحبها لأنها من تراب هذه الأرض ، حميمة مثل سهول إربد ، شاهقة مثل جبال عمان ، جميلة مثل ساحات السلط ، وروحها من دحنون أرضنا ، تتجدد وتتجلى ، نحبها وتحبنا .
أما الدكتور راشد عيسى فذكر بكلمته أيها الأحبة الأصفياء البررة:
أيهذا الاحتفال الذي يشبه سوسنة طالعة تحت إبط صخرة أو عرق نعناع في حقل شوك أو بسمة شجاعة تناضل ضد الانشداه والذهول من أجل انتصار الجمال والحرية.
يبهجني أن أزجي شكراناتي لهذه المبادرة الرشيقة وحالُ كل منا كحال مالك بن الريب عندما أصبح في وادي الغضا يزجي القلاص النواجيا.
شكران خصيب للمكتبة الوطنية ولراعي الحفل د. صلاح صاحب الروح الأندلسية المتجددة ولبيت المستقبل الثقافي الرحيب ممثلًا بالدكتورة مرام النادي، وهي تزرع أزهارًا على جبين الكلمة مبتهجًا بالدكتورة هند أبو الشعر النخلة التي ينبت في أغصانها أقحوان المسرات، معتزًا بالزميلة العالية الأستاذة بثينة الزير وبمندوبة الوهاد الخضراء الأستاذة ريم الكيالي. ومحتفيًّا بسيدة هذه الندوة الميمونة التي يتعلم منها المطر كيف يهطل على القلوب المتضررة بالجفاف الأستاذة سميحة خريس التي كانت سببًا جميلًا للقيا بهذه النخبة المختارة من الحضور عشاق الأدب وأحبة الشمس لحظة قيامها من النوم.
الندوة تكريمية، مشتقة من الإكرام بمعنى التقدير والاعتراف بالتميز والرفعة .ومن الكرامة بمعنى الكبرياء، ومن كرْم العلالي عند فيروز، من الكرم المعنوي عند النفوس السخية.
سميحة خريس قامة أدبية مستقلة كخلية نحل همّها جمعُ الرحيق من الأزهار لصناعة العسل . ما أجمل أن يكرم الأديب وهو حي، فيرى صورته مشرقة في مرايا مريديه ومتابعي أدبه.
مكرمتنا قدمت للرواية العربية إضافة نوعية وكمية جديرة باستحقاق الإشادة والتبجيل. إنها مجموعة بحيرات تؤدي إلى بحر واحد أو هي أرخبيل لجزر متعددة ذلك لأنها دؤوبة نشطة مثابرة مخلصة لكينونتها الإبداعية المتعالقة بالكلمة ، فصنعت سلالم نجاحها غير معتمدة على سناد أو رافعة.
أولًا:
فهي إعلامية متمكنة فيما لا يقل عن ثلاثين سنة وعن عشرات المنابر في الصحافة الثقافية العربية والمحلية بمعنى أنها خبيرة في الإعلام كخبرة السمكة بالماء. وهذا العمل الإعلامي أفادها في اكتساب معرفة واسعة في التفريق بين وظيفة الكلمة في الإعلام وهي الإبلاغ الخبري الصادق، ووظيفة الكلمة في البلاغة الأدبية وهي تشويش الحواس بمتعة التأويل واصطياد المعاني المخاتلة.
ثانيًا:
هي قاصةٌ كاتبة قصة قصيرة على غرار مجموعاتها القصصية التي بدأت وهي في مستهل عشرينها في مجموعتها مع الأرض، ثم أوركسترا، ثم دمينو، وقد بشر بموهبتها رائد من رواد الثقافة في الأردن وهو حسني فريز الذي كتب رأيا نقديًّا مبشرًا بقدوم قاصة موهوبة متجذرة بالانتماء للأرض وطنًا وإنسانًا وزمانًا. قاصة تحمل قصصها رسالة جمالية ونفعية في آن معًا، فجاءت قصصها نابضة بهموم المراحل التي اشتبكت بها وإيقاعات الشجن اليومي.
ثالثًا:
هي روائية ذات وعي فسيح المدى، استطاعت عبر روايتها دفاتر الطوفان أن تمشهد تفاصيل الحياة الاجتماعية في الثلث الأول من القرن الماضي، أي في أثناء مخاض الدولة الأردنية. فيما ترانت روايتها القرمية إلى تصوير حركة المجتمع الأردني في أثناء ما كانت الثورة العربية الكبرى تعيش طفولة التأسيس وحراك الحلم الوطني وهو يتفتح بقوة في القلب العربي. فهما روايتان يمكن القول باعتمادهما السرد التاريخي الذكي المحمول على كفة المخيال الأدبي. فالمؤرخ يوثق الحقائق التاريخية، وأما الروائي فينشل الحقائق من تاريخيتها التقليدية المعرفية ويكسبها أثوابًا من المجاز الممتع الذي يؤهلها لأن تكون أدبًا وليس تاريخًا صرفًا.
في حين أرى أن روايتها "يحيى" هي ذروة منجزها الروائي فيحيى هو نموذج المفكر العربي المتنور في مجتمع يصادر حرية الاعتقاد والتفكير، في رحلة إجابته عن سؤال الوجود. فهي تمثل مشهدية الصراع بين المثقف والسلطة الدينية التقليدية التي سعت إلى قتله لأنه يحرج فقرها المعرفي وسيطرتها على العقول الداكنة، كما اتجهت روايتها "نحن" إلى سبر عوالم المرأة المخنوقة في قنينة العادات والتقاليد، ولكنها تناضل ضد استلابها وضد الهيمنة الذكورية المطلقة.
ومن هنا أكرر قولي إن المدونة السردية عند سميحة خريس تتزيا برسالة جمالية فنية ونفعية معًا. فطوعت فن السرد لصالح الحرية وطوّعت نضال الحرية لصالح الجمال الإبداعي وهو أمر صعب المنال عند الكثير من الروائيين.
رابعًا:
سميحة خريس سيناريّة أي سيناريست محترفة كاتبة سيناريو ثابرت على وضع سيناريوهات للكثير من أعمالها الروائية ، فحوّلتها من المقروئية إلى المسموعية عبر إذاعة المملكة في صورة حلقات تمثيلية. يزاد على ذلك أعمالها المسرحية المتوالية التي شدت الجمهور إلى فاعلية المشهد الثقافي فمنحت المسار الدرامي في الأردن حيوية فنية مهمة.
خامسًا: لدى كاتبتنا المكرّمة قدرة استثنائية على الغوص في عوالم النفس ونواياها المتوارية في أثناء صراعها مع واقعها وتصوير أعماق الذات في تعالقها ومعاناتها مع المجتمع الخارجي.
وختامًا فإن سميحة خريس أديبة مثقفة مشاركة بقوة في إنارة المعتم من تفاصيل الحياة الاجتماعية. وليس كل أديب مثقفًا.
وإذا كان لي من كلمة في وصف شخصيتها فإنها سمحاء متصالحة مع نفسها دون زهو إعلامي دعائي، حييّة عالية الكبرياء كالزيتونة لا تطلب من العصافير شكرًا ولا من سارق زيتها أجرًا إنما هي متجذرة في ضمير الأرض والمجتمع احتفالًا بالحياة بالمحبة والجمال والحرية.
أما الزير فذكرت أنه في قلب الأدب العربي المعاصر، تبرز سميحة خريس بقلمها المبدع القادر على النفاذ إلى أعماق النفس البشريّة واستحضار شخوص وتصوير أحداث من زوايا ومناظير متنوعة، وتسليط ضوء مرّكز على الشخصيات في ظلّ التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الأردني خصوصًا، والعربي عمومًا.
نحن أمام كاتبة تمتاز بقدرتها على بناء عالم روائي مليء بالتشويق والرمزية، تستطيع تحويل القصص اليومية البسيطة إلى نصوص عميقة تحمل دلالات متعددة، تعكس من خلالها فهمًا عميقًا للواقع الإنساني والاجتماعي، مما يجعل أعمالها جزءًا مهمًا من الأدب العربي الحديث.
ذكرت خريس في مقابلة سابقة لها، فقالت سميحة " أنا فاشلة في هذا المضمار" وتقصد الأديبة هنا أنها لا تسمّي رواياتِها أسماءَ تجاريةً مغريةً "catchy" كما يقال بل إن هذه العناوين قد غاصت بعيدًا في لحمة النصّ ولم تقف على أعتابه.
لن تتجاوز، أيها القارئ، عنوان الرواية أبدًا بل إن ذلك العنوان سيكون حاضرًا تمامًا وأنت تقرؤها، "فالقرمية" ذلك الاسم الذي لفتني في البداية والذي وضعت الأديبة معناه اللغوي والاصطلاحي في مقدمة العمل، ويعني جذور الشجرة العظيمة وهي أشبه ما تكون بجسد صلد تخرج منه الجذورُ الصغيرة، فيخترقك هذا العنوان وأنت تقرأ الرواية، وتستشعر تلك الأرواح التي صمدت وناضلت وطاب لها الموت سعيًا للحرية والاستقلال، هذه الأصوات الأردنيّة الغالية الغائبة غير المسموعة في كتب المستشرقين، أعادت الأديبة الميكروفون لها لتعلو و تصدح. فهم جذور الأرض وأصلها، وأقتبس من الرواية " يكتشف مذهولًا أن العشق لا يتجزأ، كما لو أنها قرميّة عظيمة تمدّ جذورها عبر الهضاب والينابيع وتحت رمل الصحاري وفوق تراب البساتين، تتشابك وتتكاثف وتعمر جوف الأرض، تلك هي شجرةُ الحياة، شجرة الحكمة التي لا نطالها لكننا نستشعرها، يسري نسغها في أوردتنا ويستشري في دمائنا ويمتزج بنسيج لحمنا"
أما عنوان " بقعة عمياء" فيشير إلى منطقة في الرؤية لا يمكن للعين البشرية أن تلتقطها، وقد أطلقت الأديبة هذا الاسم على منعطف تتكرر فيه حوادث تصادم بين السيارات، كما ذكر العمى من خلال شخصية "نور" الفتاة الضريرة التي تمتعت ببصيرة لم يعرفها المبصرون الذين عاشت بينهم. تتعدّد الدلالات لتصل بك في النهاية إلى أن البقعة العمياء هي تلك الحالة النفسية التي نعيشها؛ حيث نعجز عن إدراكِ بعضِ الحقائق حول ذواتنا أو حول الحياة التي نعيشها، تلك الجوانب الغامضة أو المخفية التي لا نستطيع مواجهتها أو التي نختار أن نتجاهلها بسبب الخوف أو عدم القدرة على التصالح معها على أنها حقيقة واقعة. ومن هنا أقول للأديبة، حسب رأي غير منحاز، بأنك أتقنت حقًا اختيار العناوين كما يتقن الرسام وضع لمساته الأخيرة على لوحته.

إذا انتقلنا إلى عناصر الرواية (القضية، الزمان، المكان..) سنجد أنها جميعها قد تمت دراستها بعناية فائقة، ففي بعض الروايات، مثل "الخشخاش" و"الصحن"، يهمش المكان لصالح إبراز صوت الشخصيات، بعيدًا عن أي أطر أو حدود. بينما في روايات أخرى، نجد أن الزمان والمكان يشكلان روح النصّ ونبض الحياة فيه، حيث تقدّم خريس من خلالهما قضايا إنسانية عميقة تعكس واقع المجتمع العربي، فمن خلال توظيف هذه العناصر، تمكّنت من خلق سرديات متشابكة تتناول قضايا الهوية، المرأة، والتغيرات الاجتماعية والسياسية. مما جعلها بجدارة مرآة تعكس التحديات التي تواجهها الشخصيات في بيئاتهم المختلفة.
تأخذك (فستق عبيد) إلى دارفور في السودان كمكان أوليّ في الرواية في نهايات القرن التاسع عشر لتنقل لك صوت المظلومين في الأرض ولتسلط الضوء على العبودية بأشكالها المتعددة، ويمكننا استكمال رحلة البؤس والمعاناة هذه في " بابنوس" إبّان منتصف القرن العشرين في السودان أيضًا.
أمّا الساحة الأردنية فقد احتلّت النصيب الأكبر من الأعمال ومن أبرزها رواية شجرة الفهود التي جاءت على جزئين هما تقاسيم الحياة وتقاسيم العشق والتي حملت في طيّاتها رائحة التراث الأردني وجسّدت فيها ملامح الحياة الاجتماعية في مرحلة من تاريخ الأردن، في حين تناولت رواية (دفاتر الطوفان) تفاصيل الحياة في عمان في أواخر العقد الثالث من القرن الماضي، اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا.
أمّا روايتها الأخيرة كايميرا 19فإنها تسوقنا إلى الماضي القريب بين عمان ومادبا ومدينة الضّباب لندن في ظلّ جائحة كورونا، تلك الجائحة المرعبة التي غيّرت حياتنا ولعبت بنا كحجارة على رقعة الشطرنج دون أن ندرك أن الجائحة الحقيقية والخطر الفعلي لا يأتي من الخارج بل يقبع في دواخلنا، يتغلغل عميقًا في ذواتنا، ففي داخل كلٍّ منا يعيش هابيل وقابيل، في داخل كل منا يعيش وحش خفي قد يفتك بالآخرين لكي يشعر بالسّعادة والرضا والزّهو، ولعلّ هذا سبب اقتران كايميرا بالرقم 19 كمقاربةٍ لكوفيد 19، وكايميرا كلمة يونانية الأصل تعني حرفياً "أنثى الماعز she-goat"، وقد وصفها "هوميروس" في ملحمته الشعريةِ "الإلياذة" بأنَّها كائن أسطوريّ، يتكوّن من ثلاثة حيوانات معًا: رأس أسد، وجسد ماعز، وذيل ثعبان.


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 4138
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
06-10-2024 09:06 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم