بقلم : رافع محمد عبد الرحمن العرواني

"النظام الرأسمالي يُشبه راكب دراجة إذا توقف عن الحركة يسقط". عبارة تبين طبيعة نمط الإنتاج الرأسمالي الذي لا يتحمل الإستقرار والسكون فهو بحاجة إلى “تثوير" مستمر في وسائل الإنتاج -حسب تعبير ماركس في البيان الشيوعي- من أجل ضمان ديمومته وفعاليته وسيطرته العالمية .

ظهرت الرأسمالية ممثلة بالطبقة البرجوازية ،وهي الطبقة الفاعلة في العملية الرأسمالية ،بصفتها مظهر تقدمي وثوري نتيجة تقهقر نمط الإنتاج الإقطاعي بفعل الطاعون الأسود الذي ضرب أوروبا في أربعينيات القرن الرابع عشر وأدى إلى عجز شديد في أعداد الفلاحين والعمال بالإضافة إلى ثورات الفلاحين التي قامت في اوروبا الغربية وخاصة ثورة الفلاحين في إنجلترا عام 1381م.

قامت البرجوازية "بخلق" الثورة العلمية الكبرى في القرنين السادس عشر والسابع عشر ، بعد نجاح عصر النهضة الأوروبي قبل ذلك ،وذلك من اجل ضمان بقائها فالرأسمالية بحاجة ماسة إلى تطوير مستمر لوسائل الانتاج وذلك من أجل زيادة الإنتاج ؛فالرأسمالية قائمة على التنافس بين الرأسماليين أنفسهم وهذا يتحكم بعملية العرض والطلب ويهدف إلى زيادة الربح فالرأسمالية نمط إنتاج "سلعي" بالمقام الأول.

بخلاف أنماط الإنتاج السابقة على الرأسمالية مثل نمط الإنتاج الإقطاعي ونمط الإنتاج العبودي ونمط الإنتاج الشيوعي البدائي-حسب تعبير ماركس- ، تعتمد الرأسماليةعلى التطوير المستمر لأداة الإنتاج ، بخلاف أنماط الإنتاج تلك إذ تعتمد على وسيلة إنتاج لا تتغير تقريبا.

إن هذه التنافسية في السوق وما رافقها من فتح للفضاء العام ساهم شيئا فشيئاً في إحداث ثورات فكرية وشعور الإنسان بحريته وقيمته ومركزيته في قلب الحضارة ، فبالتالي بدأت تظهر مفاهيم الحرية والديمقراطيةوالليبرالية وحقوق الشعوب وإحترام خياراتهم ،إذا نحن أمام نمط الإنتاج الذي صنع حضارتنا بأكملها بخيرها وشرها ، فلا شك أيضاً أن الرأسمالية هي التي دفعت الدول المتقدمة خلال الثورات الصناعية إلى استعمار الأمم المتخلفة ونهب ثرواتها من أجل بقاء ديمومتها والمتمثلة بزيادة الإنتاج وتطوير التكنولوجيا أكثر فأكثر.

لا رأسمالية بلا تنافس ، فمن أجل زيادة تراكم رأس المال وزيادة الربح يقوم الرأسمالي بتطوير أدوات إنتاجه من أجل تقليل كلفة ساعة العمل وتقليل وقت حدوثها وبالتالي يصرف بضائعه بشكل أكبر من منافسه الرأسمالي الآخر ،ويستطيع أن يتحكم بعملية العرض والطلب من خلال ذلك.

يعيب الماركسيون على الرأسمالية أنها نمط إنتاج متخبط ويفتقر للتخطيط ، ولكن في الحقيقة هذا هو سر قوة الرأسمالية إذ تضع يدها على الحقيقة وتلامس صلب الواقع فهي تتماشى مع طبيعة الإنسان هذا الكائن المصلحي الطماع وهذا ما عبر عنه في كتابه الشهير "ثروة الأمم" من خلال قوله: "نحن لا نحصل على عشائنا بسبب كرم الجزار أو الخباز، ولكن بواقع سعيهم وراء مصالحهم الذاتية".