14-10-2024 09:25 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
وصف صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال المعظم ما تشهده المنطقة العربية هذه الفترة من حروب ونزاعات بأنها اعتداء صارخ على حق الفرد في الحياة، حيث أكد سموه لدى افتتاحه أعمال مؤتمر منظمة أطباء بلا حدود قبل أيام على أن «الحروب التي نشهدها في المنطقة وخصوصا في غزة هي حروب على الحق في الحياة وإدارة لسياسات الاماتة».
إن الحق في الحياة يعد أعلى مراتب حقوق الإنسان وأهمها؛ فهو مبدأ أخلاقي يستند إلى قاعدة إنسانية مفادها أن لكل فرد الحق في العيش بسلام في حياة كريمة تنعم بالحرية وعدم التعرض للقتل أو المساس بسلامة بدنه. فهذه الميزة البشرية قد كرستها كافة الشرائع السماوية والدساتير الوضعية للإنسان لكي يستمر في الحياة، فلا يملك أي فرد أو جهة مهما علا شأنها أن تعتدي عليها، أو تمس بها تحت أي ذريعة أو مبرر.
وقد اهتمت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بالحق في الحياة، واعتبرته حقا أساسيا لا يمكن التعدي عليه أو الانتقاص منه، بيد أن الشريعة الإسلامية الغراء كانت الأسبق في هذا المجال، حيث أولت هذا الحق عناية خاصة واهتماما بالغا، فجعلته مقصدا ضروريا من مقاصدها «حفظ النفس»، وشددت على أهمية صونه وحمايته كونه يرتبط بالإنسان الذي يعد محور الوجود وخليفة الله على أرضه.
فعلى صعيد القانون الدولي لحقوق الإنسان، تنص المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 بالقول «لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه»، كما تنص المادة (6/1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على أن «الحق في الحياة هو حق ملازم لكل إنسان ومن واجب القانون حماية هذا الحق ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا».
كما اهتم القانون الدولي الإنساني بالحق في الحياة، حيث تنص المادة (3) من اتفاقيات جنيف الأربع على ضرورة حماية حق الفرد في الحياة وعدم جواز الاعتداء عليه وعلى سلامته البدنية، خاصة «القتل» بجميع أشكاله ضد الأشخاص الذين لا يشتركون اشتراكا فعليا في النزاعات المسلحة.
كما تنص المادة (13) من اتفاقية جنيف الثالثة على أنه يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات، فلا يجوز أن تقترف الدولة الحاجزة أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عُهدتها. وحظرت المادة (22) من اتفاقية جنيف الرابعة جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطة الدولة، بحيث لا يقتصر هذا الحظر على القتل والتعذيب والعقوبات البدنية والتشويه، لكنه يشمل أيضا أي أعمال وحشية أخرى، سواء قام بها وكلاء مدنيون أو وكلاء عسكريون.
إن التهديد الأكبر للحق في الحياة يكمن في الحروب والنزاعات المسلحة التي تطال المدنيين الأبرياء والفئات المستضعفة منهم. فما يتابعه العالم يوميا من مجازر دموية ومآسي إنسانية ترتكب بحق ضحايا بشرية هو اعتداء صارخ على التعاليم السماوية والمبادئ الدولية لحقوق الإنسان. فما يزيد القلب غصة أن القانون الدولي لحقوق الإنسان قد تفنن في إيراد النصوص التشريعية والتعليقات التفسيرية التي تدعو إلى حماية الحق في الحياة، إلا أنها تبقى جوفاء دون حياة ينقصها التطبيق السليم.
ففي دورتها الثالثة والعشرين في عام 1984، أصدرت اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية تعليقها العام رقم (16) على الحق في الحياة، والذي تضمن حكما صريحا يدعو دول العالم إلى منع الحروب وأعمال العنف التي تمثل بلاء على البشرية وتودي بحياة الالآف من الأبرياء. كما أعربت اللجنة عن قلقها البالغ من انتشار أسلحة الدمار الشامل المروعة على نحو متزايد، فهي أسلحة لا تهدد الحياة الإنسانية فحسب بل تستنزف أيضا موارد الدولة التي يمكن استخدامها لأغراض اقتصادية واجتماعية حيوية.
وقد تكررت هذه المناشدات الدولية في التعليق العام رقم (36) على الحق في الحياة الذي أصدرته اللجنة الأممية ذاتها في عام 2019، والذي دانت فيه جميع دول العالم التي تستعمل الحروب والنزاعات المسلحة ذريعة للقيام بأعمال إجرامية تسلب المدنيين حقهم في الحياة، معتبرة أن الدول التي تتعمد قتل الأبرياء ولا تلجأ إلى الوسائل السلمية لحل نزاعاتها الدولية مقصرة في الوفاء بالتزاماتها الإيجابية في مواجهة القانون الدولي، وفي مقدمتها كفالة الحق في الحياة.
كما وصفت هذه اللجنة استخدام الدول لأسلحة محرّمة دوليا تتسبب في تدمير الحياة البشرية بأنها قد اعتدت على حق الإنسان في الحياة، وأنها قد ارتكبت جريمة بموجب القانون الدولي توجب المساءلة الجنائية الدولية.
إن منظمة الأمم المتحدة بهيئاتها ولجانها الأممية تستحق المرتبة الأولى في جودة القرارات والمواثيق الدولية التي تقرها والتي تدعو فيها إلى حماية الحق في الحياة، إلا أنها تقبع في قاع الهاوية وغياهب الظلم والحرمان عند الحديث عن تنفيذها وإخراجها إلى حيز الوجود.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-10-2024 09:25 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |