17-10-2024 10:15 AM
بقلم : رافع محمد عبد الرحمن العرواني
يقول الصحفي والكاتب والناشط السياسي البلجيكي الشهير في كتابه "الإحتكار" الصادر عام 2000 :
"إذا أردت أن تحكم العالم فأنت تحتاج للسيطرة على النفط. كل النفط في أي مكان".
عبارة قد تكون محل إختلاف لما فيها من مبالغة ونظرة منغلقة للعالم من زاوية واحدة فقط ، ولكننا نتفق جميعا انها عبارة تلامس جزءا كبيرا من الواقع الجيوسياسي للعالم الحديث . لطالما كانت علاقة النفط والسياسة علاقة متشابكة ، فتارة تؤثر السياسة في النفط ، وتارة يؤثر النفط في السياسة ، وتارة تجري أحداث سياسية تؤثر في قطاع الطاقة بشكل غير مباشر كما حدث عام 2011 عندما ادت الانتفاضات والثورات في العالم العربي إلى ارتفاع سعر برميل النفط إلى أكثر من 100 دولار وذلك بسبب توقف أو إنخفاض إنتاج النفط في دول مثل ليبيا ومصر واليمن وغيرها.
مع حلول القرن العشرين كانت الثورة الصناعية الثانية في ذروتها خاصة في ألمانيا وبريطانيا وأميركا وبدأ التركيز على النفط كمصدر أساسي للطاقة مع ظهور السيارات ، ومع ازدياد التنافس للسيطرة على البحار بين ألمانيا القوة الإمبريالية الصاعدة بقوة وبين بريطانيا القوة الإمبريالية العريقة والمتجذرة . قبيل الحرب العالمية الأولى أشرف قائد البحرية الملكية البريطانية آنذاك على تحويل اعتماد القطع البحرية من ا الفحم الحجري الذي تنتجه بريطانيا نفسها إلى النفط المستورد خارجيا خاصة من إيران التي كان البريطانيون يملكون فيها حق إمتياز للتنقيب على النفط منذ عام 1901 .
بعد الحرب العظمى -الحرب العالمية الأولى- انتقل ثقل إنتاج النفط العالمي من الكاريبي وتكساس إلى الشرق الأوسط خاصة إيران والعراق وبدأ التنافس ببن الحلفاء المنتصرين على السيطرة وإنتزاع حقوق التنقيب في تلك المناطق وبالطبع كانت بريطانيا الرابح الأكبر فلم تكن اميركا ذلك الوقت في موقع يسمح لها بمقارعة بريطانيا او الضغط عليها بشكل كبير ، لدرجة أن أحد رؤساء الشركات النفطية الأميركية الكبيرة عبر عن إمتعاضه وقال ما مفاده: لو أن الألمان انتصروا لكان خيرا لنا !!
تغير كل شيء بالنسبة للأمريكان بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كانت ألمانيا مدمرة ومهزومة ، وبريطانيا وفرنسا كانتا منهكتين وبدأتا في التخلص من مستعمراتهما شيئا فشيئا فقد كانت اميركا تستحوذ على نصف الناتج المحلي الإجمالي للعالم بعد نهاية الحرب.
كان نصيب الولايات المتحدة من نفط الشرق الأوسط يقارب 10% قبيل الحرب العالمية الثانية وأثنائها ومع حلول عام 1950قفزت هذه النسبة إلى 50%، إذ همشت أميركا الامتيازات البريطانية في النفط الإيراني ، والامتيازات الفرنسية في النفط العراقي.
عام 1951قام رئيس الوزراء إيران القومي بتأميم عمليات شركة" آنجلو إيرانيان أويل كومباني" التي تسيطر عليها بريطانيا العظمى ، نظمت المخابرات الأميركية عام 1953 انقلابا للإطاحة بمصدق، وأعادت الشاه للحكم ، الذي أصبح بدوره حليفا قويا لأميركا ، تم تقسيمه -أي النفط- بين إكسون، وجولف أويل وشركات أميركية كبرى أخرى بنسبة 60% ، بينما أصبحت الشركة البريطانية تتحكم في حصة قيمتها 40% فقط .
أثناء الحرب الباردة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط جرى اللعب كثيرا على ورقة النفط أعوام 1956 و 1967 وخاصة عام 1973 ، فقد فرض المنتجون العرب في منظمة أوبك بقيادة السعودية حظرا على الصادرات النفطية الموجهة لأميركا وبريطانيا وهولندا واليابان ، وأدى ذلك إلى زيادة أسعار النفط بأربعة أضعاف ، وكان له تأثيره السلبي على الإقتصاد الأميركي ، لكن دفعت هذه الأزمة العالمية القوى الغربية للتقليل من اعتمادهم على نفط الشرق الأوسط فقد اتجهوا لتأمين احتيجاتهم من بحر الشمال في أوروبا ، بالإضافة إلى البحث عن مصادر بديلة للطاقة .
اليوم بعد نصف قرن على تلك الأزمة أصبحت القوى الأسيوية الصاعدة في الساحة العالمية هي المستحوذ الأكبر على صادرات النفط من دول منظمة أوبك ، ففي عام 2022 استوردت الصين نفطا خاما من مجموعة أوبك بقيمة تزيد على 350 مليار دولار ، والهند بقيمة تزيد على 150 مليار دولار أميركي ، إذ تعتبر السعودية وحدها ثالث أكبر مصدر للنفط إلى الهند على مستوى العالم ، وحسب بنك "جيه بيه مورغان " فإن ثلثي صادرات النفط الخليجي يتم شراؤها من قبل عملاء آسيويين ، أما عن أميركا فهي حاليا تعتبر أكبر منتج للنفط والغاز في العالم ناهيك عن امتلاكها لإحتياطي نفطي يكفيها أمدا طويلا.
من حيث المبدأ في عالم تتابع فيه الثورات التكنولوجية والرقمية ، لا يعد النفط سلاحا حقيقيا إلا في حالة وجود قاعدة علمية وتكنولوجيا تغطيه وترعاه ، فها هي روسيا قد تضرر قطاعها النفطي بعد العقوبات الغربية المفروضة عليها إثر غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022، إذ تم حرمانها من إمدادات قطع الغيار ، وتوقفت الاستثمارات الغربية في قطاع الطاقة الروسي الهائل ، ويشكل التطور العلمي اللامتوقف الناتج عن طبيعة نمط الإنتاج الرأسمالي الذي يسعى دوما لإحداث ثورات تكنولوجية حفاظا على ديمومته ، خطرا على الدول النفطية المتأخرة تكنولوجيا عن الغرب كما ألمح بوتين بنفسه ذات مرة .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-10-2024 10:15 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |