27-10-2024 08:43 AM
بقلم : عمر كلاب
ليس بالضرورة ان الحاجة الاقتصادية أموال فقط, فالادارة وحوكمتها قد تحقق مدخولا واستثمارا نافعا للاقتصاد, بقدر الاموال, او تفيض عن ذلك, ولعل تجربة القطاع الزراعي ونجاحها, ماثلة امامنا, فنحن بلد فقير مائيا, ومحدود الرقعة الزراعية ومع ذلك نحرز تقدما, في القطاع الزراعي, تصديرا واستهلاكا, ناهيك عن تجارب صناعية ناجحة, رغم تحديات الطاقة والمياه, وكل هذه الامور تقول بالفم الملآن, اننا بحاجة الى اعادة الاعتبار للادارة, التي كانت قصة نجاح, حتى نسترد النجاح اولا, ونجلب الاستثمار ثانيا.
في مثلث التحديث العام والذي انطلق منذ اعوام, تابع الكثيرون, ضلعين من اضلاع المثلث, السياسي والاقتصادي, فيما بقي الضلع الثالث او -ثالثة الاثافي- بعيدة عن الاعين والرقابة الواجبة, الى ان جاء اول نموذج لتطوير القطاع العام, والذي كان مليئا بالعناوين الجاذبة, لكنه مسكون بكل شياطين التفاصيل, فبدأت التراجعات عن بعض بنوده, قبل ان يدخل النظام بمجمله خانة التجميد, فانسحبت اخطاء نظام الخدمة المدنية وتعديلاته على كل مشروع تطوير القطاع العام, وكأن التطوير كان فقط نظام الخدمة.
صحيح ان مفهوم تطوير القطاع العام ليس جديدا, بل تم اتخامه بالوزارات وتسمياتها, تارة مؤسسية وتاردة تطويرية, لكن الجذر التطويري ظل غائبا او غائما, فتصدت الحكومة السابقة للملف, مسكونة بخوف سابق, من تجربة التحديث التي ارهقت خزينة الدولة, بدل توفير الاموال, ولم تقدم نافعا على مساري التطوير والتدريب وتحسين الكفايات ايضا, فكان الملف بمجمله ممسوكا, من اذرع مغناطيسية, تتجاذبها الاقطاب المتنافرة, فكانت المخرجات مقلقة للشارع العام وللادارة, ولربما كشف الحوار المجتمعي الذي قام به, المجلس الاقتصادي والاجتماعي, حجم البعد عن الميدان وحجم الاغتراب في المعرفة.
اليوم, وقع الملف بين يدي, رجل محترف, فوزير الدولة لتطوير القطاع العام, ابن الفقه الاقتصادي, بحكم خبرته الطويلة نيابيا ومهنيا, وعقله منفتح, وبالتالي ادخل المشروع كله, في اعادة برمجة وترتيب الاولويات, فأعاد الكرة الى الميدان, للحصول على تغذية راجعة, من الوزارات والمؤسسات, هذا على صعيد نظام الخدمة, كما يقول العارفون, وبدأ على نفس المسار, ترتيب بيت الادارة, الذي طاله الغبار التدريبي والتأهيلي, فبدأ بترتيب معهد الادارة العامة, اولا باستقلالية المعهد نفسه, ليكون بمجلس امناء وشراكة حقيقية مع القطاع الخاص ومؤسسات اكاديمية محلية ودولية.
فلا يعقل ان يبقى التدريب مرهوناً برغبة الموظف او المؤسسة, بل الاصل بحاجة المؤسسة والموظف, وفق تقنيات حديثة وبرامج متطورة, وانجاز هذا الملف, سيفتح الباب واسعا ليس لتطوير الموظف العام, بل لجذب متدربين من الخارج, شريطة استكمال المشروع بشراكات عالمية مرموقة, نجح الملك وولي العهد في توفير شروطها والعلاقات معها, وباقي ان يلتقطها الوزير, وهو ملتقطها بالتأكيد, كما يقول العارفون به, اما ملفات دمج الوزارات ومراجعة الهيئات المستقلة, فذاك امر يحتاج الى وقار وحسم, اكثر من حاجته الى السرعة والتسرع, فثمة هيئات مستقلة تحتاج الى الاستقلالية, وثمة اخرى جرى انتاجها بعجلة, ودون مبررات حقيقية, وتصادمت مع الوزارات ولم تحقق الغاية منها.
يبقى ملف مكاتب الخدمات, وانتشار المكاتب في كل المحافظات والعاصمة, وهذا ملف, باليد, شريطة استكمال هندسة الاجراءات اولا, ثم اتمتتها, فلا فائدة لمكاتب جميلة, واجراءات معقدة, وهذا تحدٍ امام الوزير النشط, وامام وزارة الريادة ايضا, لكن الملف يدور هدير محركاته بهدوء ودون ضجيج واستعراض, ومدعوم من رئيس الوزراء بقوة, لانه يدرك حجم المجابهة وعدد العصي في دواليب التطوير تحديدا في القطاع العام, الذي عاش طويلا في نعيم الوظيفة ورتابتها, والهبوط بمظليات وتداعياتها.
القطاع العام وتطويره, يسير بخطوات هادئة وواثقة كما تشير التغذية الراجعة, وهذا بحاجة الى وعي مجتمعي, ووعي سياسي, لأن اعداء التطوير حاضرون في كل مفصل.
omarkallab@yahoo.com
الراي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-10-2024 08:43 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |