28-10-2024 10:16 AM
بقلم : رضا السميحيين
في عالم السياسة الأمريكية، يبدو أن كل شيء قابل للتفاوض... باستثناء دعم إسرائيل، فهو مقدس لا يُمس، خاصة عندما تدق أجراس الانتخابات. وإذا كنت تعتقد أن الصراع في غزة يمكن أن يحرك ضمير البيت الأبيض، فأنت على الأرجح لم تنتبه إلى الشعار الجديد: "الانتخابات أولاً، ثم نرى ما يمكننا فعله لاحقًا!"
بينما تغرق غزة في نيران الحرب، تتجه الأنظار في واشنطن نحو سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2024. في هذا السياق، يحاول كل من الديمقراطيين والجمهوريين الموازنة بين متطلبات السياسة الخارجية والداخلية، ولكن مع ميل واضح لصالح الداخل. فبالنسبة للبيت الأبيض، الناخبون الأمريكيون واللوبيات القوية، مثل إيباك (AIPAC) المؤيدة لإسرائيل، هم الهدف الحقيقي في هذا السباق الانتخابي.
الحزب الديمقراطي، الذي يحاول الفوز بولاية ثانية، يواجه معضلة ليست بالهيّنة. من جهة، يريد الحفاظ على دعم القاعدة الديمقراطية الليبرالية التي لا تخفي انتقاداتها لسياسات إسرائيل، ومن جهة أخرى، لا يستطيع أن يخسر العلاقات التاريخية مع إسرائيل، ذلك الحليف الذي يعتبر بمثابة "الصديق الذي لا غنى عنه". وهكذا، نجد أن إدارة بايدن تتردد في اتخاذ أي خطوة جدية لوقف التصعيد الإسرائيلي في غزة، خشية أن ينقلب الرأي العام ضدها، أو أسوأ، أن تغضب اللوبيات التي تتحكم بخيوط اللعبة السياسية في واشنطن.
أما على الأرض في غزة، فتتزايد أعداد الضحايا المدنيين، ومع ذلك، فإن البيانات الصادرة من البيت الأبيض تبدو وكأنها نسخة مكررة من القاموس الدبلوماسي؛ "قلق عميق"، "دعوة لوقف إطلاق النار"، "مساعدات إنسانية"، كل هذه العبارات تملأ الفراغ، ولكن أين الفعل الحقيقي؟ في الواقع، لا شيء يحدث. فالمساعدات الإنسانية التي يروج لها الإعلام الأمريكي، إن وصلت، تصل بالكاد وتكون متأخرة، وتبدو كما لو كانت ضمادة صغيرة على جرح غائر.
لنكن واقعيين، في زمن الانتخابات، الصراعات الخارجية، مهما كانت دموية، لا تملك جاذبية كافية لتكون أولوية. فالمسألة ليست في عدد القتلى، بل في عدد الأصوات. وفي هذا السياق، يتم تجاهل مطالب المجتمع الدولي بوقف إطلاق النار أو السعي إلى حلول دبلوماسية. التصريحات الأمريكية حول ضرورة إنهاء الصراع تظل في إطار الخطابات، دون أن تُترجم إلى ضغط فعلي على إسرائيل.
الجمهوريون، بطبيعة الحال، لا يترددون في استغلال الموقف. فهم يرون في أي تردد من الديمقراطيين فرصة ذهبية للظهور بمظهر المدافع الأشد عن إسرائيل، مما يزيد الضغط على إدارة بايدن. هذا لا يعني أن الديمقراطيين ليسوا داعمين لإسرائيل، بل هم فقط يسعون إلى إبقاء اللعبة السياسية على قيد الحياة، فلا يظهرون متطرفين في دعمهم حتى لا يخسروا القاعدة الليبرالية، ولا يتخلون عن إسرائيل لعدم إثارة غضب اللوبيات المؤثرة.
في النهاية، تظل غزة رهينة لهذه الحسابات السياسية المعقدة. مع كل زيارة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، يتم الترويج لمساعٍ جديدة لوقف إطلاق النار، ولكن الواقع يقول عكس ذلك؛ فالانتخابات الأمريكية هي المحرك الحقيقي للسياسة، وبمجرد أن توضع أصوات الناخبين على المحك، تصبح أرواح المدنيين مجرد تفاصيل في هذا الصراع الكبير.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
28-10-2024 10:16 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |