03-11-2024 12:31 PM
بقلم : رضا السميحيين
منذ اندلاع الصراع المتجدد في غزة في أكتوبر 2023، وجد الأردن نفسه في معادلة إقليمية حساسة، جعلته لاعبًا رئيسيًا في المشهد الجيوسياسي. ويعود هذا الدور ليس فقط لموقعه الجغرافي المحوري بين فلسطين وإسرائيل وسوريا والعراق، بل أيضًا لتأثيره العميق في القضايا الدينية والسياسية في المنطقة. وبينما تتركز الأضواء غالبًا على الأطراف العسكرية في النزاع، يظل الأردن هو المفتاح الفاعل خلف الكواليس، حيث يتحرك بحذر بين الأمن الداخلي والسياسة الإقليمية المتشابكة.
يعتبر الأردن أن أي زعزعة للوضع القائم في فلسطين تهدد استقراره الداخلي مباشرةً. إذ يشكل احتمال تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية نحو الأردن خطرًا داهمًا على المملكة، التي تستضيف بالفعل أكثر من مليوني لاجئ على اراضيها. يُعد هذا السيناريو، الذي يزداد احتمال حدوثه في ظل الحرب الحالية، من "الخطوط الحمراء" التي يرفض الأردن تجاوزها. فقد كانت التصريحات الأردنية واضحة وصريحة؛ حيث تُعتبر أي محاولة لترحيل الفلسطينيين بمثابة إعلان للحرب. وتزداد المخاوف الأمنية مع تصريحات بعض القيادات الإسرائيلية المتطرفة التي تلمح إلى إمكانية إقامة "إسرائيل الكبرى"، وهي فكرة تمس مباشرةً السيادة الأردنية وتشكل تهديدًا وجوديًا.
لا يمكن الحديث عن الدور الأردني دون التطرق إلى وصايته على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وهو دور يرتبط بجذور الهوية الدينية والسياسية للمملكة. وعند الصراع مع اسرائيل حول المسجد الأقصى، يبرز الدور الأردني المهم في الحفاظ على المقدسات والدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس الشريف. وهذه الوصاية تمنح الأردن ثقلًا دينيًا في العالم الإسلامي، وتجعله طرفًا محوريًا في أي مفاوضات تتعلق بمستقبل المدينة المقدسة.
على الصعيد الداخلي ، يدرك الأردن جيدًا أن أي محاولة إسرائيلية للمساس بالمسجد الأقصى تثير غضبًا شعبيًا واسع النطاق، ليس فقط في الشارع الأردني، بل في العالم الإسلامي بأسره. لهذا السبب، تواصل القيادة الأردنية عمومًا لعب دور دبلوماسي نشط في الحفاظ على الوضع القائم في القدس، رغم التوترات المتزايدة مع الجانب الإسرائيلي.
وبلا شك يشكل التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة العمود الفقري للسياسة الخارجية الأردنية. ونتيجة لهذا التحالف، يتلقى الأردن مساعدات سنوية تقدر بـ1.45 مليار دولار، تُعد أساسية لدعم اقتصاده المتعثر وتخفيف الأعباء الناجمة عن استضافة اللاجئين والاضطرابات الإقليمية. كما يحظى الأردن بمكانة خاصة في الغرب كحليف مهم في منطقة متقلبة، مما يمكنه من لعب دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والضغط على القوى الدولية لوقف التصعيد.
ومع ذلك، يدرك الأردن أن التحالفات ليست كل شيء. فرغم معاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل عام 1994، تشهد العلاقات بين البلدين توترًا مستمرًا بسبب السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والمقدسات.
من جانب آخر، لا يمكن فصل الحرب في غزة عن الأثر الاقتصادي والاجتماعي الذي يطال الأردن. إذ تزيد الحرب من حدة الضغوط على الاقتصاد الأردني الذي يعاني أصلًا من تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة. كما تتعرض السياحة، التي تعد من أهم مصادر الدخل في الأردن، لضربات متتالية نتيجة التوترات الإقليمية، مما يزيد من صعوبة تحقيق الانتعاش الاقتصادي الذي تطمح إليه الحكومة.
على الصعيد الاجتماعي، تعد القضية الفلسطينية القضية الأولى للشارع الأردني، وغالبًا ما تشهد المملكة مظاهرات حاشدة تنديدًا بالاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين. وتضع هذه الاحتجاجات الحكومة في موقف صعب بين تلبية تطلعات الشعب والحفاظ على استقرار العلاقات مع إسرائيل والغرب.
في ظل هذه التعقيدات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي فرضتها حرب غزة، يبقى الأردن ثابتاً على مواقفه الوطنية التي تمكنه بلا شك من الحفاظ على استقراره الداخلي و مواصلة الدفاع عن المقدسات الإسلامية في القدس، ومع استمرار الصراع، يبقى الأردن صاحب الدور الحيوي الأبرز كوسيط وداعم للحقوق الفلسطينية، في ظل تحديات جيوسياسية لا تقل خطورة عن الحرب ذاتها.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
03-11-2024 12:31 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |