04-11-2024 08:40 AM
بقلم : المهندس الزراعي سالم الخصاونه
في خضم التحديات الاقتصادية التي يواجهها العالم، تقف وزارة الزراعة أمام مسؤولية جسيمة تتمثل في تحقيق توازن معقد بين ثلاثة عناصر رئيسية: حماية المنتج المحلي، تعزيز القدرة الشرائية للمستهلك، واستقرار السوق. ومع تصاعد النقاش حول استيراد الحمضيات، تبرز أصوات تطالب بالمحافظة على المنتج المحلي، ولكن الصورة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه.
خلال حديث رئيس جمعية الحمضيات في برنامج "صوتك حر" مع الإعلامي حسام، تبيّن بوضوح رفض الجمعية لاستيراد الحمضيات، رغم أن الأسعار المرتفعة للمنتجات المستوردة تتناقض مع الأسعار المحلية. يعكس هذا الموقف رغبة الجمعية في حماية المزارعين، لكن التحدي يكمن في كيفية تحقيق هذا الهدف دون فرض قيود على خيارات المستهلكين.
تتجاوز الاتفاقيات المبرمة بين وزارة الزراعة وجمعية الحمضيات مجرد كونها وثائق قانونية، إذ تمثل إطارًا مرنًا يهدف إلى تنظيم السوق وضبط إيقاعه. ومع ذلك، لا تُعتبر هذه الاتفاقيات ملزمة بشكل مطلق، حيث تحتفظ الوزارة بحق تعديلها أو تعليقها وفقًا لمتغيرات السوق واحتياجات الاقتصاد الوطني. فالهدف هو ضمان توفر خيارات متعددة للمستهلك، مع الحفاظ على حقوق المزارع.
يمنح ارتفاع سعر المنتج المستورد، في سياق المنافسة، المنتج المحلي فرصة للتألق. فالمستهلك عادة ما يبحث عن أفضل قيمة مقابل ما يدفعه، وعندما يتمتع المنتج المحلي بالجودة والسعر المناسبين، يصبح الخيار الأول بلا منازع. لذا، من الضروري أن تتبنى الجمعية استراتيجية تدعم المزارعين عبر تحسين الإنتاجية والجودة بدلاً من رفض الاستيراد بشكل قاطع.
كما أن استيراد الحمضيات في فترات نقص الإنتاج المحلي يُعد ضرورة للحفاظ على توازن السوق. فالمستورد هنا لا يمثل تهديدًا، بل أداة لضمان استقرار الأسعار وتوفير البدائل للمستهلكين. يتطلب الأمر حماية المنتج المحلي من خلال تعزيز المنافسة النزيهة وليس بإغلاق الأبواب أمام الخيارات المتاحة.
تسعى وزارة الزراعة لتحقيق توازن استراتيجي يُضمن استقرار السوق ويعزز القدرة الشرائية للمستهلكين، وهذا يتطلب نهجًا شاملًا يُوازن بين الحفاظ على حقوق المزارعين وضمان رفاهية المستهلك. إن القدرة الشرائية ليست مجرد أرقام، بل هي مؤشر حقيقي لنجاح السياسات الزراعية، حيث يرتبط تحسين هذه القدرة بالنمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي.
في هذا السياق، تبرز حكمة الوزير في فهم التعقيدات التي تحيط بالسوق الزراعي. إن إدراكه لأهمية التواصل مع جميع الأطراف المعنية يسهم في تحقيق رؤية شاملة تهدف إلى الحفاظ على استقرار السوق، مما يجعل الزراعة عنصرًا حيويًا في تعزيز التنمية المستدامة.
ختامًا، تبقى وزارة الزراعة في موقع القيادة، حيث تسعى لتحقيق توازن بين المصالح المتنوعة. يعتمد نجاحها على قدرتها على إدارة هذه المعادلة المعقدة بذكاء ومرونة. فالزراعة ليست فقط مصدرًا للرزق، بل هي تجسيد للإبداع في كيفية التعامل مع أرضنا، تلبية احتياجاتنا، وتعزيز اقتصادنا، لتبقى الغلة وفيرة، والأسعار معقولة، ورزقنا في أعلى درجات الإبداع.
بقلم: المهندس الزراعي سالم الخصاونه
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-11-2024 08:40 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |