حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,7 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2359

أسس الخراب .. تمييع الهوية وتدمير الإنتاج

أسس الخراب .. تمييع الهوية وتدمير الإنتاج

أسس الخراب ..  تمييع الهوية وتدمير الإنتاج

07-11-2024 08:39 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : موفق ملكاوي
ربما لم ينته حتى اليوم الشكل الكلاسيكي للعمالة بتعريفها الثوري، ولكنها لم تعد تقف عن هذا التعريف فقد توسعت كثيرا بالاستناد إلى ثلاثة معطيات تشكلت خلال العقود الأخيرة، وهي العولمة، الشركات العابرة للحدود، وثورة الاتصال الحديثة.


في مفهومها الثقافي، تعني العولمة انتقال الأفكار والمعاني والقيم إلى جميع أنحاء العالم لتوسيع وتعزيز العلاقات الاجتماعية. لكن هذا المفهوم يبدو مخادعا، فالأفكار والقيم القادرة على الانتقال هي ما يمثله الغرب فقط، القادر على فرض قيمه، فيما تعاني ثقافات العالم الأخرى من الاضمحلال والتلاشي لصالح القيم الجديدة، ما يعني أن العالم يتشكل وفق ما تفرضه الإمبريالية الغربية، ولعل هذا واضح اليوم بالعديد من الأفكار التي تنتشر في العالم وتواجه وجدان المجتمعات وثوابتها الأخلاقية.

وتأتي في المرتبة الثانية الشركات العابرة للحدود، والتي باتت لبنة أخرى في تعزيز القيم الغربية، وأنماط الاستهلاك القائمة على «الموضة» أو «الترند»، لتزيد من تسمين تلك المنشآت الرأسمالية الضخمة، ليصبح لها حصة واضحة من الناتج المحلي الإجمالي في كل دولة.
أما ثورة الاتصال، فقد جاءت تعزيزا للعولمة والشركات العابرة، وتسهم في الانصياع للنمط الاستهلاكي وترويجه بما يجعله وجهة أساسية للمجتمعات التي تتعرض للغزو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وبذلك تكتمل حلقة الحصار على تلك المجتمعات، والتي تضطر إلى أن تنجر إلى ثقافة استهلاكية بحتة لا تتوقف.
للأسف الشديد، فقد سهلنا، في العالم العربي، مهمة عمل هذه الجهات الثلاث، ولم نلجأ إلى بناء منظومة ثقافة مقاومة لمواجهتها، وتمييز كيفية الاستفادة من إيجابياتها ورفض سلبياتها.
حتى المعرفة التي ينتجها الغرب فنحن لا نستوردها لكي نحاول تسكينها، بل نستورد المنتج أو المنجز النهائي منها كمستهلكين في آخر حلقة من السلسلة، واضعين أنفسنا في حلقة ضعيفة وظيفتها تدمير الموارد.
ومن المؤسف أننا خسرنا نمط الإنتاج المميز لهويتنا، فنحن لم ننجح في إتمام إنجاز نمطنا الخالص، والذي غلبت عليه سمة الزراعي الرعوي، كما فشلنا في التحوّل إلى أنماط أخرى وفرت لها الثورة التقنية فرصا لا بأس بها للظهور والازدهار.
خلال محاولتنا غير الجادة لتشكيل هوية إنتاجية خاصة، لم نجد أمامنا سوى بيع الخدمات، وهو القطاع الذي توسعنا فيه كثيرا على حساب القطاعات الإنتاجية، ليتحول اقتصادنا إلى خدمي. أما القطاعات الإنتاجية، فنحن لم نكن جادين لتطويرها، خصوصا القطاع الزراعي الذي لم يخرج عن تقليديته حتى اليوم، وجميع المحاولات التي جرت من أجل إدخاله في الثورة التكنولوجية الحديثة اصطدمت بعدم جدية المؤسسات الرسمية في هذا السياق، واعتبرت أن تدمير الأراضي الزراعية لمصلحة العمران أكثر جدوى من الإنفاق الرأسمالي على تطوير قطاع مهم يحقق للمجتمعات أمنها الغذائي.
حتى التعليم، فنحن حولناه إلى مجرد خدمة نقدمها بجودة متغيرة وفق معطيات إنفاق المستفيد منها، فيما غالبيتها يتأسس وفق أنظمة التلقين، كما أننا لم نلجأ إلى ربطه بأساسين مهمين، هما: حاجة المجتمع، والبحث العلمي. لذلك بات التعليم إنجازا فوق مجتمعي، بينما التخصص الجامعي أصبح فاقدا للأهلية، ولا يؤدي في كثير من الأحيان إلى توفير التوظيف أو التشغيل. كل ذلك قاد إلى تعظيم شأن الوظيفة، فنرى في النهاية نسبة كبيرة من المشتغلين يقضون حياتهم العملية كلها في وظيفة واحدة.
إن كنا سنضع خطة إستراتيجية حقيقية للنهضة والتنمية، فينبغي علينا العمل الجاد على تطوير آليات الدفاع عن أنفسنا ضد الغزو الثقافي الذي يفتك بكل المجتمعات الرخوة الفاقدة لهويتها الفكرية، وينبغي أن نعيد الجدل المنتج حول آثار العولمة والشركات العابرة للحدود واقتصاد السوق. كما لا بد من تعظيم سبل الإنتاج وعدم الاكتفاء باقتصادات مبنية على بيع الخدمات، والتي يصعب تعافيها عند الحروب والأزمات. أما التعليم فهو الأساس الحقيقي لأي تغيير، وعندها سنكف عن قول إن الناجحين هم مشاريع فردية.








طباعة
  • المشاهدات: 2359
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
07-11-2024 08:39 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
هل أنت مع عودة خدمة العلم بشكل إلزامي؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم