10-11-2024 09:41 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
تابع العالم بأسره مجريات الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أسفرت عن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية وإن كانت غير متواصلة. فعملية انتخاب رئيس الولايات المتحدة الأميركية تختلف تماما عن أي انتخابات أخرى في دول العالم وذلك من حيث النظام الانتخابي المتبع فيها، والقائم على أساس تطبيق فكرة الانتخاب على درجتين. فالناخب الأميركي لا يقوم بالتصويت للمرشحين المتنافسين على منصب الرئاسة، وإنما يقوم باختيار ممثلين أو وكلاء عن الأحزاب السياسية المتنافسة في المجمع الانتخابي، الذين بدورهم يختارون رئيس الجمهورية تبعا لعدد الوسطاء الفائزين الذين ينتمون لذلك الحزب السياسي.
إن نظام الانتخاب غير المباشر للرئيس الأميركي له ما يبرره من حيث أن الولايات المكونة للاتحاد الفيدرالي الأميركي تختلف فيما بينها من حيث قوتها السياسية والاقتصادية؛ وهذا الاختلاف من الطبيعي أن ينعكس تأثيره على اختيار الرئيس، حيث يختلف عدد الوسطاء والمندوبين الممثلين لكل ولاية في المجمع الانتخابي تبعا لذلك.
وتبقى الدروس المستفادة من الانتخابات الأميركية تتمثل في التعرف على الدور المحوري الذي تلعبه الأحزاب السياسية على الساحة السياسية في الدولة، خاصة إذا كانت الديمقراطية قد وصلت إلى مراحل متقدمة من التجذر في المجتمع. فالأحزاب السياسية القوية في الولايات المتحدة الأميركية قد جرى اختصارها في حزبين اثنين يتناوبان على السلطة بشكل دوري وفقا لقناعات الناخبين الذين يتخذون من صناديق الاقتراع الوسيلة الديمقراطية الأمثل لتقييم الحزبين الرئيسيين وقراراتهما الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال فترة وجود ممثليهما في سدة الحكم. فالناخب إما أن يختار معاقبة حزب معين من خلال التصويت للحزب المنافس، أو مكافأة الحزب الحاكم على نجاحه في إدارة شؤون البلاد من خلال إعادة انتخاب مرشحه لولاية رئاسية ثانية.
كما أظهرت الانتخابات الرئاسية الأميركية أهمية الترشيد من تواجد الأحزاب السياسية في الحياة العامة وحصرها بعدد محدود جدا، وأن الأحزاب الحقيقية هي التي تقوم على أيديولوجيات فكرية وعقائدية خاصة بها تميزها عن غيرها من الأحزاب المتنافسة، وليس على أساس تنفيذ برامج وأعمال متشابهة ومكررة.
وهذا ما ظهر جليا خلال الحملة الدعائية الأخيرة لانتخاب الرئيس الأميركي؛ فمرشحة الحزب الديمقراطي كاملا هاريس أظهرت دعمها لحق المرأة في الإجهاض والتعامل بعقلانية مع المهاجرين غير الشرعيين، في حين ركّز الرئيس المنتخب ترامب في حملته الانتخابية على ضرورة حظر الإجهاض والتعامل بشدة مع المهاجرين غير الشرعيين وطردهم خارج الولايات الأميركية.
كما لفتت الانتخابات الأميركية الأخيرة الأنظار لسهولة إجرائها وعدم تأثيرها على سير الحياة الاعتيادية، ذلك على الرغم من العدد الهائل من الناخبين الذين يثبت لهم الحق في الانتخاب. فيوم الانتخاب لم يتم إعلانه عطلة رسمية، وإنما كان يوم عمل عادي كباقي الأيام الأخرى قام الموظفون الأميركيون بممارسة حقهم في الاقتراع بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي.
فأهم إجراء يتم اتباعه في كل انتخابات رئاسية لتسهيل إجراءات الاقتراع والفرز أن يُعطى الناخبون فرصة التصويت المبكر قبل يوم الانتخاب بالبريد سواء داخل الولايات المتحدة الأميركية أو خارجها، حيث تصل نسبة المقترعين الذين أدلوا بأصواتهم قبل يوم الانتخاب في بعض الولايات إلى أكثر من النصف. هذا على خلاف الحال في معظم الدول الأخرى، ومن ضمنها الأردن، التي تصر على أن يشهد يوم الاقتراع الإجراءات الانتخابية كاملة من حيث التصويت وإغلاق الصناديق وإنهاء عمليتي الفرز وإعلان النتائج شبه النهائية، وإلا تكثر الأقاويل والإشاعات التي تطعن بنزاهة الانتخابات وشفافيتها.
وفي هذا الإطار، يجب الإشارة إلى أنه لا توجد هناك هيئة انتخابات عليا أميركية مسؤولة عن كافة الإجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية؛ فالخطوات التحضيرية للانتخابات وإدارتها يوم الاقتراع والفرز وإعلان النتائج النهائية تقوم بها الجهات الحكومية المحلية في كل ولاية على حدة دون وجود مرجعية انتخابية عليا تدير الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ومن أهم الدروس المستفادة من الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يمكن تطبيقها في الأردن إجراء أكثر من انتخابات في اليوم ذاته، حيث شهدت الولايات الأميركية تصويت الناخبين على اختيار رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب بالإضافة إلى اختيار عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي.
إن هذا الأسلوب القائم على إجراء أكثر من انتخابات في اليوم نفسه يمكن التفكير في تكريسه في الأردن، بحيث يتم إجراء الانتخابات النيابية والبلدية في الوقت نفسه ويكون التنافس بين الأحزاب السياسية على شغل مقاعد المجلس النيابي والعضوية في مجالس المحافظات والمجالس البلدية. فهذا النهج القائم على توحيد يوم الانتخابات من شأنه أن يُعطي زخما للعملية الانتخابية، وأن يحقق الغاية المرجوة من إنشاء الحزب السياسي كما جرى تحديدها في المادة (3) من قانون الأحزاب السياسية النافذ والمتمثلة باعتبار الحزب تنظيما سياسيا وطنيا يهدف إلى المشاركة في الحياة السياسية بطرق سلمية ديمقراطية لغايات مشروعة ومن خلال خوض الانتخابات بأنواعها.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
10-11-2024 09:41 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |